الصحافة

سرّ الطحين الفاسد... كواليس تحقيقات القاضي بركات تكشف الحقيقة المروعة!

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

في عالم الأعمال، تعتبر الثقة والجودة أساسيَّتَيْن للبقاء في ساحة المنافسة الشرسة. لكن ماذا لو تعرَّضت إحدى الشركات المعروفة لصدمة قاسية، تهدِّد بقاءها وسمعتها؟ هذا ما حدث مع شركة "Wooden Bakery"، العملاقة في صناعة الخبز والمعجنات، حيث وقعت في فخ الفضائح والاتهامات بالإهمال والتلاعب.

فعندما تثور قضايا الفساد وسوء التصرف في الأغذية، يكون الجمهور دائمًا متلهفًا لمعرفة الحقيقة وراء الأحداث المثيرة التي تتكشف. في قضية الطحين الفاسد في لبنان، تبدو الأمور وكأنها نسخة من دراما الواقع، حيث يتوالى اكتشاف المخالفات وتصاعد التوتر.

في بداية الأمر، أمر النائب العام الاستئنافي في البقاع القاضي منيف بركات بإغلاق معمل عملاق ينتمي الى شركة "Wooden bakery"، بعدما تم ضبط كميات هائلة من الطحين المنتهي الصلاحية. لكن هل هذا الحادث الأخير هو بداية القصة، أم هو جزء من سلسلة طويلة من المخالفات والفضائح؟

تعود الأحداث إلى الوراء، حيث في عام 2024، تم اكتشاف مخزن لأحد أفران الخبز (شمسين) في زحلة يحتوي على كمية كبيرة من ربطات الخبز المزيفة. وقبل ذلك، في عام 2022، انتشرت أخبار عن تصدير طحين مدعوم بدلاً من بيعه كخبز في المخبز المذكور آنفاً، وهذا لم يكن الحادث الوحيد.

ما سبب استيراد القمح بدلاً من الطحين ؟

في لبنان، يتم استيراد القمح بدلاً من الطحين، نظرًا لتفادي مشاكل تلف الطحين أثناء النقل عبر البحر، حيث يتعرض الطحين للرطوبة والحشرات. كما يتم استيراد القمح من أوكرانيا وروسيا بنسبة تزيد على 70 في المئة، ويستغرق وصول الشحنة ما لا يقل عن سبعة عشر يومًا، ومعلوم أن الطحين الآتي عبر البحر يتعرّض الى رطوبة تلد حشرات لهذا من المفضّل استيراد القمح لا الطحين.

تحويل القضية إلى فرع المعلومات

في مقابلة خاصة أجرتها جريدة "الديار" مع النائب العام الاستئنافي في البقاع القاضي منيف بركات، كشف عن تطورات جديدة في فضيحة الطحين الفاسد في لبنان. فقد أكد أن القضية أصبحت بفرع المعلومات اعتبارًا من يوم الجمعة الماضي، بعد تحويل الملف من أمن الدولة.

وأشار إلى أن التحقيقات مستمرة، مع انتظار نتائج العينات التي تم أخذها من المخبز. وأكد أن الكمية المضبوطة من الطحين تبلغ "120.5 طن، منها 110 طن منتهية الصلاحية، و10.5 طن موضوع عليه لاصق يظهر أنه صالح للاستعمال". وأضاف أنه تم إرسال عينات للفحص للتأكد من صلاحيتها.

من هم الأشخاص الذين تم احتجازهم؟

القبض لم يكن مقتصرًا على أيدي الجريمة البسيطة، بل شمل شخصيات رئيسية في هذه القضية المظلمة. فمن بين الموقوفين، 4 مشرفين في الصالة وأمين المستودع والعجان وصاحب الشركة ورئيس مجلس الإدارة، والمدير العام ومساعدته وكل الأشخاص الذين تدخلوا للعبث بالأدلة.

الموقف القانوني

وبالنسبة للموقف القانوني للمتورطين، أوضح القاضي أنه تم احتجازهم لمدة 5 أيام، ثم تركهم نهار السبت رهن التحقيق، مع منعهم من السفر واحتجاز جوازات سفرهم. وأشار إلى أن الجرم تحت قانون حماية المستهلك يعاقب بالسجن من 3 أشهر إلى سنة، وبالتالي تمت إحالتهم إلى محكمة الاستئناف.

تدخلات سياسية وتحذيرات!

وفي ما يتعلق بالتدخلات السياسية، أكد القاضي بركات أنهم لا يتأثرون بها، مشيرًا إلى أهمية القانون والضمير فقط في عملهم. وحذر من وجود تدخلات سياسية في القضية، مؤكدًا على "أننا في لبنان ولا يمكننا أن نضحك على بعض، فأنا لا أنفي ولا أؤكد المعلومات المتعلقة بالتدخلات السياسية!".

من سلم الطحين الفاسد؟

في كل قصة فساد، يبدو أن هناك دورًا مشبوهًا للجهات السياسية والمؤسسات الأمنية. هذه المرة، يُلقى الضوء على تدخل جهة عسكرية في قضية تسليم الطحين الفاسد، حيث تبرز الأسرار المظلمة والمخابراتية خلف الستار.

وعلمت "الديار" من مصادر خاصة أن هناك تدخلات سياسية وراء خروج الموقوفين، إلا أن الأمور لم تبقَ كما هي، فقد طلبت السلطات المعنية تسليمهم مرة أخرى للتحقيق، وبالفعل هذا ما جرى.

ما دور "معلم العجين"؟

بالنسبة لدور "معلّم العجين"، ففي الحقيقة، يعتبر "معلّم العجين" شخصية مرتبطة بصاحب الفرن بشكل وثيق، حيث يكون مرتبطًا تقريبًا بكل توجيهاته وأوامره. ويمكن لصاحب الفرن أن يعتمد على معلم العجين في تنفيذ الإرشادات والتعليمات بشأن عملية الخبز واتباع ارشاداته. ومن المهم أن نلاحظ أن معظم معلمي العجين هم مرتبطون بأصحاب الأفران بشكل مالي أو بشكل مرتبط بالعقد، مما يجعلهم في وضعية تابعة ومستعدة لتنفيذ الأوامر بدقة وفعالية.

تاريخيا، اعتاد أصحاب الأفران الشكوى من عدم ربحية قطاعهم، وهذا يبرز الاستفادة التي يحصل عليها بعضهم عبر التلاعب في الوزن والجودة لزيادة الأرباح كما أن أصحاب الأفران يتذمّرون منذ عشرات السنين من أن قطاعهم غير مربح لكننا نراهم يفتتحون فروعاً في كل مكان. فكيف لقطاعٍ خاسر أن يكبر؟ في الماضي، كان من المعتاد أن يتم عرض الخبز بأوزان دقيقة ومحددة بشكل دقيق على الميزان، ولكن اليوم، يباع الخبز بأوزان متفاوتة، مما يعكس وجود تلاعب في الوزن إذ كان كل 15 كيلو طحيناً تعطي 150 ربطة، وهناك أفران تحاول تخفيف الزنة قليلاً لتصبح 165 ربطة. إضافة إلى ذلك، تزداد الشكاوى حول جودة الخبز ومدة انتهاء صلاحيته في الأسواق، مما يشير إلى وجود ممارسات غير مشروعة في عملية الإنتاج في لبنان.

الصمت الملفت والرفض الصارم!

عند محاولة جريدة "الديار" التواصل مع أهالي الموقوفين والمحامية، كانت الردود مفاجئة وملفتة للنظر في آن واحد. فبينما رفض أهالي الموقوفين التحدث، كانت محامية الشركة كاني خوري تتجاهل محاولاتنا للتواصل معها. هذا الصمت المفاجئ والرفض الصريح يثير العديد من التساؤلات حول وجود مخالفات كبيرة.

لقد كانت هذه المحاولات للتواصل مع أهالي الموقوفين محاولة لفهم الوضع من وجهة نظرهم والحصول على أي معلومات إضافية قد تساعد في فهم القضية بشكل أفضل. ومع ذلك، تصدى الأهالي لنا بالرفض، مما يدل على مدى حساسية القضية وربما تأثيرها الكبير في المجتمع المحلي.

بيان الشركة، الذي صدر مؤخرًا، يثير الكثير من التساؤلات والانتقادات في آن واحد. إذ يبدو أنه محاولة لتبرير الإخفاقات والتقصير في إدارة القضية بشكل ملفت للانتباه.

في البيان، تحاول شركة "Wooden Bakery" تبرير موقفها وتقديم نفسها كضحية لظروف خارجة عن إرادتها وتأكيد ثقة الشركة بالقضاء، ولكن في الوقت نفسه، يظهر الجزء الأكثر تأثيرًا منه بأنها تعاني من تداعيات سلبية قد تهدد استمراريتها التجارية، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل كان بالفعل هناك جهود جادة للتعامل مع الوضع قبل الكشف العلني عن القضية؟

وفي مواجهة الادعاءات التي تشير إلى إغلاق المعمل وتوقيف مسؤولين عن الشركة، يظهر البيان بشكل لافت بمحاولته لتصوير الشركة كضحية لتصرفات لا تتحكم فيها. ولكن، هل يمكن لهذه الدعوى أن تخفي الإهمال وعدم الالتزام بالمعايير الصحية والقانونية؟

بيان "Wooden Bakery" يطرح العديد من الأسئلة والاستفسارات حول دور الشركة وتحملها المسؤولية، مما يجعله موضوعًا للانتقاد والنقد في الوقت نفسه.

وفي نهاية هذه المأساة، وسط تحقيقات مشوقة كشفت الحقائق المروعة، تتبدل الألوان وتتضح الصورة بوضوح مُرّ. بعدما حاولت "Wooden Bakery" تمويه الحقائق، يبقى السؤال الأهم يرن في أذهان الجميع: هل ستفلت الشركة من عواقب أفعالها؟

بين تزوير الخبز والتجاوز على حقوق المستهلك، تبقى "Wooden Bakery" في مرمى الأضواء، حيث ينتظر الجميع بصبر نافد ما ستسفر عنه التحقيقات وما ستكشف عنه الأيام المقبلة. وسط الصمت الملفت للنظر والتصريحات الملتبسة، تتشكل الحركة وتتضح الأدلة، فما هي الخطوة التالية؟

امل سيف الدين-الديار

شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا