"عودة السوريين"... رئيس بلدية يتحدث عن "نوايا خبيثة" ويدعو للحذر!
هل يمهّد خفض التصعيد جنوباً لعودة نازحي الحدود؟
خفض التصعيد” هي العبارة المفتاح لدى الفرقاء الدوليين الذين يعملون على تفادي الحرب الإسرائيلية ضدّ الحزب ولبنان. هذا ما خلصت إليه زيارة الموفد الرئاسي الأميركي آموس هوكستين الأسبوع الماضي. إلى بيروت وتل أبيب…
هذا ما انتهت إليه أيضاً زيارة وزيرة خارجية ألمانيا أنالينا بيربوك الإثنين لإسرائيل، والثلاثاء لبيروت. فالرسالة التي نقلتها من تل أبيب أنّ الأخيرة لا تريد الحرب.
يبدو أنّ هذا أفضل الممكن لدى القوى الدولية إذا كان وقف الحرب في غزة يفتقر إلى قوّة الدفع الدولية المطلوبة راهناً.
باتت القناعة شاملة بأنّ وقف إطلاق النار على جبهة شمال إسرائيل وجنوب لبنان غير ممكن من دون وقف النار في غزة. هوكستين اقتنع بالأمر منذ آذار الماضي، وتصرّف على هذا الأساس. والوزيرة الألمانية بدورها أدركت هذه الحقيقة.
في تقدير أوساط دبلوماسية لبنانية أنّه سيصعب التوصّل إلى وقف للنار في غزة قبل انتهاء الانتخابات الرئاسية الأميركية الخريف المقبل. فإدارة الرئيس جو بايدن ستحاذر المزيد من الضغوط على بنيامين نتنياهو أثناء الحملة الانتخابية لأنّها ستواجه مزايدات تتعلّق بدعم إسرائيل من المنافس الجمهوري دونالد ترامب. وبالتالي تتركّز الجهود الدولية على حصر المواجهات في جنوب لبنان ضمن المساحة التي بلغتها حتى الساعة، والعودة عن تبادل القصف بالعمق.
لكنّ البيان الذي أصدرته السفارة الألمانية في بيروت الأربعاء، غداة زيارة بيربوك، ودعت فيه رعاياها إلى مغادرة لبنان فوراً، فاجأ المسؤولين اللبنانيين. فقد نقلت ما سمعته من نظيرها في تل أبيب يسرائيل كاتس من أنّ الدولة العبرية لا تريد الحرب مع الحزب ولبنان، نقلته إلى رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، داعية إلى العمل على خفض التصعيد من جانب الحزب. وبرلين سبق أن أبدت تخوّفها من خطورة الوضع على جبهة جنوب لبنان.
وجرى الحديث عن مسعى دولي وأميركي مع إسرائيل لهذا الهدف. برّر الجانب الألماني صدور البيان التحذيري للمواطنين الألمان بالمغادرة والمخالف لهذه المعطيات بأن لا علاقة له بنتائج زيارة الوزيرة. وفُهِم أنّه صدر بعد بيان تحذيري من سفارة كندا. وهناك مخاوف لدى شركات التأمين على الطائرات من انفجار المواجهات العسكرية آخر شهر تموز المقبل. لكنّ برلين ستواصل العمل على خفض التوتّر.
في اليوم نفسه لزيارة بيربوك بيروت أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت إثر لقائه نظيره الأميركي لويد أوستن أنّ تل أبيب لا تريد الحرب مع لبنان. وأوضح بيان الوزير الأميركي أنّ الرجلين ناقشا سبل “خفض التصعيد (de-escalation) “والحلّ الدبلوماسي للأعمال العدائية لضمان عودة العائلات الإسرائيلية واللبنانية (المهجّرة) إلى منازلها في المنطقة الحدودية. طرح ذلك سؤالاً بديهياً: كيف يعود المهجّرون من على جانبي الحدود حتى لو انخفضت وتيرة القصف، من دون التزام إسرائيل وقف عمليات الاغتيال المبرمجة لقادة وكوادر الحزب، ومن دون التزام الحزب وقف ردوده على هذه العمليّات؟
كان رئيس البرلمان نبيه برّي أحيا فكرة “خفض التصعيد” خلال مباحثاته مع هوكستين الأسبوع الماضي، وعاد الأخير إلى إسرائيل مجدّداً لنقل الرسالة. وفيما تردّد أنّه لم ينقل جواباً، سجّل المراقبون أنّه أعقب عودته إلى إسرائيل اختبار دام أكثر من يومين (عطلة عيد الأضحى) امتنع فيهما الحزب عن تنفيذ عمليات تصعيدية. ثمّ سجّل المراقبون أيضاً تهدئة نسبية لافتة على الجبهة الجنوبية منذ مغادرة بيربوك بيروت عصر الثلاثاء الماضي، استمرّت الأربعاء. وبدا أنّ إمكان خفض التصعيد ممكن، في انتظار تبلور موقف دولي ينهي الحرب.
ألمانيا تحلّ مكان فرنسا؟
لماذا تحرّكت الوزيرة بيربوك؟ وما هو تصوّر برلين لمنع امتداد الحرب؟ وكيف يمكنها أن تلعب دوراً في وقت تندفع فيه نحو موقف أكثر تشدّداً حيال الحزب، فالقضاء الألماني يحاكم لبنانيَّين متّهمَين بالانتماء للحزب بتهم الإرهاب؟ وماذا يمكن أن تقدّم ألمانيا فيما هي أكثر الدول الأوروبية انحيازاً للدولة العبرية، ولذا يعتقد المعنيون في لبنان أن لا نتائج يمكن توخّيها إلا من الوساطة الأميركية؟
لم تكن الوزيرة الألمانية تحمل أيّ أفكار خلال زيارتها لإسرائيل، لكنّها انطلقت من الوساطات التي سبقتها:
– يقول مصدر لبناني رسمي إنّه بات معروفاً أنّ هوكستين أنجز تفاهماً مع الرئيس بري على مسألة الحدود البرّية بقي طيّ الكتمان، ولا اعتراض عليه من الحزب ولا من إسرائيل.
– يشير المصدر الرسمي اللبناني إلى أنّ إسرائيل والحزب وافقا ضمناً حتى على بنود المبادرة الفرنسية المعدّلة. وهذا يخالف الحملات الإعلامية من مناصري الممانعة على ما تضمّنته من انكفاء قوات الحزب وانتشار الجيش اللبناني جنوب الليطاني، وعدم إعلان تلك الموافقة يعود إلى عدم استباق إنجاح جهود وقف الحرب على غزة.
ظروف وخلفيّات برلين: إنقاذ إسرائيل من نفسها
في قراءة أوساط دبلوماسية أنّ الوزيرة الألمانية تحرّكت نظراً إلى مجموعة عوامل ظرفيّة وموضوعية:
1- إنّ الجانب الفرنسي منشغل في الانتخابات التشريعية التي ستحصل في اليومين المقبلين. فإذا ربح اليمين تتولّى برلين متابعة جهود منع الحرب على جبهة لبنان.
2- الموقف الألماني الذي يتصدّر الانحياز لإسرائيل في أوروبا ما يزال يخضع لعقدة الذنب الألمانية بالتسبّب بالمحرقة النازية ضدّ اليهود. ومن باب هذا الانحياز تسعى برلين إلى إنقاذ الدولة العبرية من نفسها بالحؤول دون انزلاقها إلى حرب تنخرط فيها إيران وتسبّب دماراً كبيراً لها ولدول المنطقة. وكان انحياز برلين بلغ درجة التطابق مع النهج الإسرائيلي باتّهام منتقدي الدولة العبرية وممارساتها ضدّ الفلسطينيين بمعاداة السامية.
لطالما مارس المسؤولون الألمان الصمت حين سألهم محدّثوهم العرب عن ذنب الفلسطينيين بالمحرقة في حقّ اليهود على يد النازيين كي ترتكب ضدّهم المجازر ويُمنع الشعب الفلسطيني من نيل دولته المستقلّة وحقوقه المعترف بها دولياً؟ وكيف تتضامن ألمانيا وأوروبا مع أوكرانيا، وتنكر على الفلسطينيين حقّهم بالاستقلال؟ وينطبق منطق المزايدة على الانحياز لإسرائيل بين القوى المتنافسة في أميركا وغيرها من الدول، على الأطراف السياسية في ألمانيا الفيدرالية. من الأمثلة:
3- حين تمرّ في شوارع برلين لا بدّ أن تصادف العلم الإسرائيلي مرفوعاً على العديد من مؤسّسات الدولة الرسمية منذ طوفان الأقصى. مقرّ مقاطعة بافاريا في برلين يرفع علم الدولة العبرية إلى جانب علم بافاريا. مؤسّسة كونراد أديناور الشهيرة للأبحاث والمساعدات التربوية والتنموية وتعزيز الحرّيات والتعاون ترفع أيضاً العلم الإسرائيلي، وتموّلها الحكومة الفدرالية، وهي تابعة للحزب الديمقراطي المسيحي. وبعض هذه المؤسّسات لها علاقة مع بعض الدول العربية التي امتنع دبلوماسيّوها عن دخول مقرّاتها لرفعها العلم الإسرائيلي، ومنها كونراد أديناور.
4- إنّ عمق الانحياز لإسرائيل بلغ ببعض قوى المعارضة أن حضّرت مشروع قانون لعرضه على مجلس النواب، ويقضي بطرد كلّ طالب أجنبي من الذين تظاهروا ضدّ المجازر الإسرائيلية في غزة، إذا أعلن موقفاً مناقضاً لسياسة الحكومة الألمانية، بتهمة معاداة السامية.
5- وفق مشروع قانون الجنسية الحديث في ولاية ساكسونيا، على المتقدّمين للحصول عليها “الالتزام بالمبادئ الديمقراطية لألمانيا ورفض كلّ أشكال معاداة السامية”. ويتوقّع أن يشمل اختبار التجنيس أسئلة حول هذا الالتزام، من بينها حقّ إسرائيل بالوجود. ويتوقّع مراقبون أن تؤدّي المراجعات في شأن قوانين كهذه إلى إسقاطها لأنّ أهدافها سياسية وتخضع لازدواجية معايير.
6- إنّ التبديل الذي طرأ على الموقف السياسي الألماني بفعل الإدانة الدولية للفظاعات الإسرائيلية في غزة كان طفيفاً. حين يلام المسؤولون الألمان على صمتهم عن حملات الإبادة الإسرائيلية في حقّ الغزّيين وعن التهجير الوحشي في الضفة الغربية يكتفون بالقول: لكنّنا نرسل المساعدات الإنسانية لغزة، ونحن المموّل الثاني لـ”الأونروا” بعد أميركا. اضطرّ المسؤولون الألمان إلى بعض التعديل في تسويغهم اجتياح غزة، فباتوا ينتقدون لكن بحياء استهداف النازحين الفلسطينيين بالقصف. لكنّهم يفعلون ذلك بحجّة مخالفته قواعد الجيش الإسرائيلي!
وليد شقير - أساس ميديا
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|