الصحافة

رؤساء جمهورية سابقون: يوميّاتهم بين القراءة والأرض... وللأحفاد الحصّة الأكبر

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

ليس في حياتهم الكثير من الأسرار، فجزء كبير منها بات علنياً وعاماً، حتى ما هو خاص. أعوام عديدة من عمرهم قضوها في الخدمة العامة، مع ما يحمله تاريخ لبنان من تحدّيات جمّة.

ليس في تجاربهم السياسية – الرئاسية الكثير من الاستقرار والثبات، بل هزّات وصراعات وانهيارات، وفي كل هذا، الكثير ليروي قصصاً من ولايات رئاسية لكل واحد منهم، وضمن صفحات التاريخ المنسيّة... والمنتظرة.

هم #رؤساء الجمهورية السابقون الذين لا يزالون يمثلون حقبات مهمة من محطات الماضي، المطلة على المستقبل الغامض، لئلا نقول الأسود.

الرؤساء أمين الجميّل، إميل لحود، ميشال سليمان وميشال عون، لا يزالون يعبرون بين الماضي والحاضر، من خلال ما اختبروه... وتركوه. فكيف يمضي هؤلاء يومياتهم؟ ما اهتماماتهم؟ وهل بالفعل "تحرّروا" من عبء "الخدمة الحالية"، أم بالعكس، لا يزالون يحملون إرثاً ثقيلاً؟

وفق التراتبية الزمنية لتاريخ ولاياتهم الرئاسية، تبدأ "النهار" جولتها على الرؤساء السابقين.

الجميّل والذكاء الاصطناعي
من حقبة ما قبل الطائف، رئيس واحد لا يزال شاهداً على هذه المرحلة. هو الرئيس أمين الجميّل.

هو الذي اختبر ولاية أكثر من صاخبة، قد تكون طبعت الكثير من تاريخ لبنان الحديث، كما لو أنه جسر التواصل بين ماضٍ دامٍ وحاضر قلق، يكاد يعطي تباشيره عن مستقبل المرحلة.

هو الرئيس الذي يشرف شخصياً على "بيت المستقبل". حالياً، هو رئيس مجلس إدارته، ويعطيه الكثير من الاهتمام والعناية... والوقت، إذ يقضي معظم أوقات ما قبل الظهر هناك، ويلمّ كثيراً بالدراسات والأبحاث والمنشورات.

قبل أعوام (عام 2020)، نشر كتابه الأخير بعنوان "الرئاسة المقاومة" (مذكّرات). واليوم، لا يعرف ما إن كان ثمة كتاب جديد قيد التحضير، لكن الوقت الباقي من يومه يمضيه في القراءة، يكبّ على قراءة كل ما له علاقة بـ"الذكاء الاصطناعي"، فهذا الموضوع يشغله راهناً، ولا سيما أن ثمة مؤتمراً قريباً سيُعقد في شهر حزيران الحالي حول هذه المسألة، وهو يتابع الموضوع بدقة.

بين الحين والآخر، يخصص جزءاً من الوقت لرياضة المشي، لكن الوقت الأحب الى قلبه هو تمضية يومه مع الأحفاد، ولا سيما أنه شاهد على أحفاد "الابنة الغالية" نيكول... ويعتبر هذا الأمر "نعمة وبركة من الله"، أن يعايش البنات الثلاث لابنه سامي، وأحفاد ابنته أيضاً...

كيف لا، وهو الذي اختبر فقدان الابن بيار، ليعطي مع "الحبيبة" (كما يحب أن يسمّي زوجته جويس) أكبر أمثولة لا تزال حيّة، للانكسار. لكنه أراده من النوع الذي يقهر عميقاً، ويظلّ يحفر في القلب، لكن لا يسقطه أرضاً... فهو لا يزال يقف يومياً على "شرفة البيت العتيق في بكفيا، متأمّلاً تمثال سيدة لبنان على تلة حريصا المقابلة، وملتمساً منها قوة الإيمان والإقدام".

لحّود... المبتعد
... والى حقبة ما بعد الطائف. هنا، لا يزال الرئيس إميل لحود الرئيس الوحيد المبتعد إعلامياً وسياسياً، مقارنة بالرؤساء السابقين الآخرين، إذ منذ أن غادر قصر بعبدا، ليل 23 تشرين الثاني 2007، وهو قليل الإطلالات والكلام، إلا في بعض المناسبات الاجتماعية – العائلية.

"ضميره لا يزال مرتاحاً". تلك العبارة الشهيرة التي قالها وهو يترك بعبدا وحيداً، من دون تسليم خلف له. يروي المقرّبون عنه لـ"النهار" أن "ما بعد عام 2019 ليس كما كان قبله عند الرئيس لحود".

عامذاك، "بدأ التحول الحقيقي. عنى له الكثير، نتيجة الأزمة الاقتصادية، ما حلّ بالضبّاط والعسكريين، فهو قد سعى الى ترتيب أوضاعهم، وأتت الأزمة لتدمّر كل شيء. رأى أصدقاءه في حال صعبة جداً، فأصابته حالة من القرف والانزعاج والضغط النفسي، واكتفى بمتابعة شؤون أصدقائه ورفاقه من الضباط. هم جزء من الكل، لكن أصابه الانزعاج والضغط النفسي".

باتت عنده حلقة ضيّقة من الأصدقاء تزوره، وهو انقطع عن الاستقبالات منذ 2019، وأتت لاحقاً موجة "كورونا" لتعزز هذا الانقطاع.

غالبية يومه يمضيه بين العائلة، الأبناء والأحفاد، وأحفاد الأبناء أيضاً، إذ بدأ عنده الجيل الرابع، وهو مسرور من كونه قادراً على مواكبة هذا الجانب من حياته، بعدما حرمته التجربة العسكرية، ولاحقاً الرئاسية من ذلك.

أما الشق الذي لم يتغيّر من حياته، فهو الجانب الرياضي. هو السبّاح الماهر الذي لا يزال يمارس هوايته المفضّلة، في الحمّام العسكري أو في "لاس ساليناس" أنفه، أو في النادي اللبناني للسيارات والسياحة ATCL، أي في أماكن عامة حيث يلتقي، عفوياً، جانباً من اللبنانيين ويدردش معهم، كأنه يستعيض بذلك عن الاستقبالات البروتوكولية التي غابت في منزله، بقرار منه.

ينقل عنه مقربون "قرفه" من السياسة الداخلية. وهو المصمّم على الابتعاد عن التصاريح والمقابلات وكأن تجربته السابقة والمثقلة لا تزال تحمّله الكثير، كأنّ في فمه ماءً وثمة الكثير ليقال عن تلك الأعوام التسعة (ستة أعوام من ولاية كاملة زائد نصف ولاية ممددة)، لكنه لم يقرر بعد الإفصاح.

ويروى أن أحد الإعلاميين المقربين كثيراً منه طلب منه تصوير حلقة تلفزيونية عن تجربته ورؤيته الحالية، لكنه رفض رفضاً قاطعاً. معظم وقته الراهن يخصّصه للرياضة والبحر والعائلة، ومطالعة بعض الكتب، واللافت أنه يخصّص وقتاً محدداً، ودورياً، ليجري بنفسه بعض المكالمات الهاتفية لدائرة من أصدقائه. ربما ضحكته العريضة التي يحفظها اللبنانيون عنه تخفي الكثير من الحزن والقرف والنقمة...

سليمان ولغز المذكرات
رئيس عسكري آخر. هو الرئيس الذي أبى منذ اللحظة الأولى، فكرة التمديد، بعدما كان سلفاه قد اختبراها.
في اليرزة وعمشيت، يمضي الرئيس ميشال سليمان اليوم معظم وقته بين الاستقبالات والمتابعة اليومية، لا يزال يحافظ على الوتيرة نفسها من المواكبة السياسية العامة، لكنها مواكبة تبقى في غالبيتها بعيدة عن الإعلام.

يخبر المستشار الإعلامي لسليمان بشارة خيرالله "النهار" أن أول محطة قام بها الرئيس السابق، عندما انتهت ولايته في وقتها الدستوري المحدد، كانت زيارة قبر والده في عمشيت. كمن أراد أن يعود الى الجذور والأصل، بعدما حاولت السياسة فعل الكثير خلال أعوام ستة خلت.

لا يزال سليمان يتمتع باللياقة البدنية، فهو يواظب على الرياضة اليومية، بين المشي والركض. يتابع أخبار رياضة كرة القدم، مشجّعاً فريق البرازيل، "ففي هذا البلد الكثير من اللبنانيين". كما لو أن في البرازيل رائحة ما من لبنان وأهله... ونكهته.

سياسياً، يحفل يومه باستقبالات ديبلوماسية وسياسية، لا يحب أن يعكسها الإعلام دورياً. فهو يرصد ويتابع، وأحياناً يعلّق عندما تدعو الحاجة الى إصدار ردّ يكاد "يزوّر" بعضاً من ولايته الرئاسية وأحداثها. كيف لا، وقد زخرت هذه الولاية بأحداث عدة.

يساعده في الرصد مكتب إعلامي ناشط، وسريع الرد إن كان عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو غيرها. أسبوعياً، يتابع سليمان ضمن "لقاء الجمهورية" الذي أكبّ على تأسيسه في اليوم الأخير من ولايته الرئاسية، وأبصر النور مطلع عام 2015، أبرز التطورات، محاولاً تصويب بعض اتجاهاتها. وهو يترأس دورياً اجتماعات اللقاء الذي يضم وزراء ونواباً سابقين وأصحاب اختصاص وخبرة في ميادين مختلفة.

بين الاجتماعات الحضورية أو الإلكترونية التي فرضتها الأوضاع الصحية من زمن "كورونا" وغيرها، تتنوّع وتيرة لقاءاته، لكن اللقاءات الأحب الى قلبه تبقى تلك التي تجمعه مع أفراد العائلة.

لسليمان حالياً سبعة أحفاد، من بينهم اثنان يحملان اسم ميشال. "بات في العائلة ثلاثة ميشال!" وللأحفاد الحصة الأكبر من الوقت، وتمضية ساعات لا بل أيام من المرح والعفوية، بعدما حرمتهم منها بعض اعتبارات "البروتوكول الرئاسي".

لكن "البركة الدائمة" تبقى في الوقت الذي يمضيه مع زوجته السيدة وفاء سليمان. "هي روح البيت" التي لا يفارقها، وهي " الجناح" الذي يربط بين الأولاد الثلاثة والأحفاد... لا بل بينهم جميعهم وبين والدها إميل سليمان الذي لامس الـ97 من العمر، وهو يعيش معهم في المنزل. فهو "العمّ" الذي يمضي معه الرئيس وقتاً مختلفاً ومميزاً، ورعاية لافتة تكتنز الكثير من الأخبار... والذكريات الحلوة.

حتى اللحظة، لا يزال سليمان يرفض نشر مذكراته. وفي هذه القصة، بعض مما يروى مع مستشاره خيرالله، كأن ثمة خصومة بين الطرفين على المسألة. يصر الأخير على ضرورة النشر، فتلك المذكرات موجودة وشبه نهائية عند خيرالله، لكنها ليست منشورة، هي غنية بأسرار ستة أعوام من الاستحقاق الرئاسي، وعشرة أعوام من تولي قيادة الجيش.

كيف لا، وقد امتدت ولاية سليمان من 25 أيار 2008 الى 25 أيار 2014، وفيها الكثير من المحطات. من ترؤسه مرتين اجتماعات مجلس الأمن في تشرين الثاني 2011، الى التزام التبادل الديبلوماسي مع سوريا بحيث أصبح للبنان، للمرة الأولى، سفارة في دمشق، ولسوريا سفارة في بيروت في آب 2008، وصولاً الى "إعلان بعبدا" الشهير و"الاستراتيجية الدفاعية" في حزيران 2012.

ربما ينتظر الرئيس الوقت المناسب لنشر كل تلك المذكرات وغيرها. اليوم، باتت يوميات سليمان أقل صخباً، لكن لا يزال فيها الكثير ليروى في محطات ومحطات...

عون ... المزارع
"لو لم أدخل الكلية الحربية وأصبح عسكرياً، لكنت اليوم مزارعاً". هذا ما يقوله الرئيس ميشال عون. وهذا ما ينصرف إليه، بإلمام كبير، منذ أن انتهت ولايته الرئاسية.
في الأساس، كان عون يشرف شخصياً على حديقة قصر بعبدا، خلال الأعوام الستة من الولاية. وما إن أصبح رئيساً سابقاً، حتى عاد الى ما يحب: إنها الأرض. يقول إن "العلاقة مع الأرض هي العلاقة الأكثر صدقاً. ما تزرعه يعطيك، بكل صدق".

يقضي فترات طويلة من يومه في زراعة الكثير من الخضار والأشجار المثمرة، على أنواعها. وهو المعروف بأنه يستيقظ باكراً جداً، ليبدأ يومه بممارسة رياضة المشي، قبل أن ينصرف الى جدول برنامجه، من استقبالات وبعض الاجتماعات.

ثم يخصّص بعض الوقت لمتابعة الأخبار المحلية والتطورات، ولا سيما ما يحصل في غزة والجنوب، لكن الموضوع الذي يواكبه بدقة وبتفاصيل هو الآن موضوع اللاجئين السوريين "الذي يشغل باله كثيراً حالياً".

يوم السبت من كل أسبوع يخصصه لاستقبالات وفود مناطقية، طالبية وشعبية، على مرحلتين قبل الظهر وبعده، "فالتحاكي مع الناس لطالما كان من المسائل التي أحبها".
يمضي الشق الأكبر من يومه، في المكتبة، إذ معروف عنه أنه يحبّ القراءة، ولا سيما الكتب الشعرية. نحو ساعتين متواصلتين، يقضي "الجنرال" يومياً بين الكتب، وكتب "المتنبّي" أكثر ما يحب!

قد يكون حالياً متفرغاً أكثر من الماضي، للمناسبات الاجتماعية، فتراه يلبي بعض الدعوات ويشارك في مناسبات. لا يدّون يومياته، ولا حتى مذكراته، لكن تراه يسارع أحياناً الى تدوين بعض الملاحظات، إذا وقع تطوّر أو حدث لافت، رابطاً بينه وبين محطات من الماضي، إذ لديه إمكان للعودة الى الأرشيف داخل مكتبته، مستعيناً ببعض الأحداث ليضعها ضمن سياق آني. حتى اللحظة، لا تزال هذه الملاحظات على مجموعة من الورق، غير جازم بما إذا كان ثمة كتاب يجهّز أم لا.

"النهار"- منال شعيا

شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا