مُسلم “سيعتقل نتنياهو”: صنعه الغرب.. لتهذيب إسرائيل؟
من هو الرجل الذي أصدر مذكّرة اعتقال دولية بحقّ رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه؟ ومن أين جاء المدّعي العامّ في المحكمة الجنائية الدولية كريم خان الذي قام بسابقة تاريخية تمثّلت بطلبه إصدار مذكّرات اعتقال بحقّ رئيس الحكومة الإسرائيلية ووزير دفاعه؟ هل هي خلافة أنشأتها بريطانيا؟ ولماذا؟ وكيف وصل إلى منصبه؟
لا يمكن النظر إلى “جماعة الأحمدية الإسلامية” التي ينتمي إليها المدّعي العام في المحكمة الجنائية الدولية كريم خان من منظور ديني فقط. ذلك أنّ الدعوتين الدينية والسياسية هما عاملان يكمّل أحدهما الآخر، وأيّ دعوة دينية لا يمكنها الاستمرار والتطوّر من دون دعم سياسي. ولو لم تكن هذه الجماعة تحظى بدعم سياسي لكان مصيرها الزوال مثل الكثير من الحركات التي اندثرت، ولا سيما مع “شطحات” مؤسّسها العصيّة على العقل والتفكير السويّ.
الإسلام “الغربيّ”؟
بالإجمال، تدعم الحكومات الغربية انتشار مثل هذه الحركات كأداة ضغط على الحكومات الإسلامية والعربية، ولأنّها تشكّل عاملاً مساعداً في عملية إدماج المجتمعات الإسلامية في أوروبا ضمن المنظومة الحداثية الغربية، حيث يصبح الدين هويّة اجتماعية.
لكنّ الدعم السياسي وحده لا يمكن أن يضمن لها الانتشار، خصوصاً في الدول الفقيرة، بل يوفّر لها حماية تتيح لها التوسّع عبر أنشطة بريئة ظاهرياً تستهدف كيّ الوعي الجمعي والفردي، وإعادة تشكيله وفق مفاهيمها ومعتقداتها، كما هو الحال في الدول الإفريقية. والحال أنّ الدعم السياسي البريطاني لـ”جماعة الأحمدية الإسلامية” هو الذي حدّ من انتشارها في عالمنا العربي، حيث يوجد لها أتباع في العديد من الدول، إنّما يحظر عليهم إنشاء المؤسّسات والجمعيات التي تعبّر عن مذهبهم.
عام 2015، حاولت مجموعة من “الأحمديّين” في لبنان الحصول على ترخيص من وزارة الداخلية لـ”الجمعية اللبنانية للمسلم الأحمدي” ومركزها في الضنّية لـ”نشر الفكر القرآني الإسلامي الأحمدي” . لكنّ دار الفتوى في طرابلس والشمال، حينما حوّل إليها الطلب للحصول على موافقتها وفق القوانين المرعيّة، رفضت الموافقة تخوّفاً من حصول فتنة دموية، ولا سيما أنّ الساحة السنّية في تلك الحقبة كانت عرضة لمحاولات هائلة لاختراقها من قبل الفكر التكفيري عبر تنظيمات داعش والنصرة وغيرهما.
عام 2017، اعتقلت السلطات الجزائرية مجموعة من أتباع هذه الجماعة، بينهم زعيمها محمد فالي، وذلك على خلفية توسّعها واكتسابها أنصاراً جدداً بفعل تركيز دعوتها على المناطق النائية والأرياف (تقدّر الجماعة أتباعها في الجزائر بنحو ألفين). الأمر الذي عرّض الجزائر لحملة قويّة من المنظمات الدولية التي تعنى بحقوق الإنسان، مثل “هيومن رايتس ووتش“، و”أمنستي”، ووسائل إعلام غربية بارزة عدّت الاعتقالات “اضطهاداً”.
مذّاك يلاحظ أنّ “الأحمدية” محلّ نقاش في عدد من المقالات والدراسات العربية، مع التركيز فقط على تفنيد ونقد تعاليمها ومزاعمها الدينية. ويندرج ذلك ضمن ردّ الفعل على الحملة المستمرّة من قبل منظّمات حقوق الإنسان، والمنظمات غير الحكومية المموّلة من الغرب، لدعم الأقلّيات الدينية في الشرق، التي تُستخدم كسلاح للضغط على الحكومات. وهنا بالضبط تظهر بريطانيا ودهاؤها السياسي.
الفسيفساء البريطانيّة العجيبة
بعد نجاحها في استخدام حركات إسلامية في الهند، وفي طليعتها “الأحمدية”، لتحقيق أهداف سياسية واستراتيجية، واصلت لندن اعتماد هذه السياسة، وطوّرتها إلى دعم تأسيس حركات إسلامية جديدة يمكنها احتواء الشعور الإسلامي المتزايد بالهزيمة والإحباط غداة انهيار مؤسّسة الخلافة عام 1924، وتسهيل مهمّتها في استعمار الدول وحكم الشعوب، وصولاً إلى تحوّل لندن عقب نهاية الحقبة الاستعمارية إلى ملاذ آمن لكلّ الحركات الإسلامية المتباينة أيديولوجياً، وهو ما حدا بالبعض إلى وصفها بـ”لندنستان”.
تتجلّى براعة بريطانيا في توظيف جماعات الضغط على الحكومات العربية والإسلامية، من أجل أهدافها السياسية والاستراتيجية ومصالحها الاقتصادية، وللحفاظ على مكانتها ضمن النظام العالمي، عبر جناحين: الحركات الإسلامية، ومنظّمات المجتمع المدني. من المثير ارتباط لندن بفسيفساء عجيبة من العلاقات مع تنظيمات إسلامية متناقضة أيديولوجياً إلى حدّ تكفير بعضها بعضاً، مثل الإخوان المسلمين وحزب التحرير الإسلامي وجمعية المشاريع الخيرية الإسلامية المعروفة بـ”الأحباش”، الأكثر انتشاراً في فلسطين والدول المحيطة بها، وحركات كثيرة أخرى. وذلك بحسب كتاب “شؤون سرية – تواطؤ بريطانيا مع الإسلام الراديكالي”، المستند إلى أرشيف وثائق الحكومة البريطانية.
إسرائيل تحتضن “الأحمديّة”…
الحال نفسه ينطبق على جماعة “الأحمدية” التي يسهل ملاحظة نشاطها في الدول التي كانت تحت حكم بريطانيا، أو ترتبط بعلاقات وثيقة معها. وأبرزها فلسطين المحتلّة، حيث احتضنت إسرائيل هذه الجماعة، وأتاحت لها إنشاء مسجد ودار للدعوة ومكتبة عامة ومدرسة في مدينة حيفا، في تصرّف لا يتّسق مع السياسات العامة للحكومات الإسرائيلية. لكنّ ترجمته هي في بعض الدراسات والأبحاث التي تشير إلى أنّ الغرب يسعى إلى خلق نسخة جديدة من الإسلام المدجّن، تكون أكثر تقبّلاً لقيم الحداثة الغربية. وفي القلب منها تأتي جماعة الأحمدية ونشاطها الهائل في الخدمة الاجتماعية، وتركيزها على الروحانية والسلميّة.
إحدى الإشارات التي تؤكّد دعم بريطانيا لهذه الجماعة تتمثّل في رعاية انتقال مركزها الرسمي من باكستان إلى بريطانيا لحمايتها وضمان بقائها في لحظة الصعود الصاروخي للجماعات الجهادية مطلع الثمانينيات. حين صار المسلمون يشكّلون حوالي 5% من عدد السكان في بريطانيا، وحسب بيانات رسمية فإنّهم يتبوّؤون مناصب مختلفة في الإدارات العليا للمؤسّسات الرسمية، ويعملون في الجامعات والمعاهد والمدارس. بيد أنّ النقطة الأهمّ أنّهم لا يشكّلون وحدة سياسية أو اجتماعية متجانسة. وهذا بالضبط ما يجعل لندن غير قلقة من توسّع الإسلاميين في ربوعها، ولا من وصول أبناء المهاجرين إلى مناصب مرموقة، مثل رئاسة الحكومة والوزارات وعمادة لندن.
علامات استفهام حول نشأته
هاجر والد كريم خان، سعيد أحمد خان، من باكستان إلى لندن عام 1961، وتخرّج من كلّيتها الطبّية استشارياً في الأمراض الجلدية، وكان ينشط إلى جانب زوجته الممرّضة في أعمال الخدمة الاجتماعية، في بريطانيا وخارجها، بما يتّسق مع النهج العامّ للجماعة في اجتذاب أتباع جدد.
والأمر نفسه ينطبق على ابنهما كريم خان، ذي المحطات المثيرة للجدل في سيرته الذاتية. إذ أنّه خلال 27 عاماً من العمل في المجال الجنائي الدولي، شارك في أغلب المحاكمات الجنائية الدولية، إنّما من مواقع متباينة: بين ممثّل الادّعاء، وعضو هيئات الدفاع عن المتهمين، ومستشار قانوني للضحايا.
كما عمل مستشاراً قانونياً في المحكمة الجنائية الدولية حول جرائم الحرب في رواندا وكمبوديا ويوغوسلافيا. وكان له دور في المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، والمحكمة الخاصة بسيراليون. وفي الوقت نفسه تولّى الدفاع عن سيف الإسلام، نجل الزعيم الليبي المخلوع معمّر القذافي، وتشارلز تايلور، رئيس ليبيريا الأسبق، وويليام روتو، الرئيس الكيني الحالي، وذلك في قضايا جرائم حرب وجرائم ضدّ الإنسانية، ضمن محاكم دولية.
كيف وصل إلى منصبه؟
بعيداً عن نظرية المؤامرة المفضّلة عند شريحة واسعة من الجمهور العربي، فإنّ هذا الارتباط بين كريم خان وجماعة الأحمدية وبريطانيا وإسرائيل والسياسات الغربية هو في حدّ ذاته يثير الكثير من علامات الاستفهام. فكيف الحال عندما نعلم أنّ اسمه لم يكن مطروحاً لمنصب المدّعي العامّ في المحكمة الجنائية الدولية. فجأة صار على لائحة المرشّحين بدعم بريطاني – أميركي، وحصل على دعم 72 دولة، أي أكثر بعشر دول من المطلوب، ليكون أوّل مدّع عامّ منتخب. أولى القضايا التي عمل عليها كانت التحقيق في جرائم الحرب في أفغانستان، فنحّى القوات الأميركية والبريطانية وغيرها من قوات التحالف الغربي جانباً، وركّز فقط على حركة طالبان، وهو ما عرّضه لانتقادات من بعض المنظمات الحقوقية والإنسانية.
فهل تكون مذكّرة التوقيف بحقّ نتانياهو أداة غربية للضغط عليه لإبرام هدنة تسعى إليها الإدارة الأميركية الحالية قبيل بدء الموسم الانتخابي الرئاسي؟ أم تراها عملية تسويق إعلامي مُتقنة هدفها تحميل كريم خان مصداقية عالمية، وشعبية في العالمين العربي والإسلامي؟
سامر زريق - اساس ميديا
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|