سلوك الحزب في لبنان وسوريا يمنع شطب تصنيفه إرهابيّاً؟
فوجئ كُثُر بإعلان الأمين العامّ المساعد للجامعة العربية السفير حسام زكي السبت الماضي بأنّ الجامعة لم تعد تعتبر الحزب إرهابياً. فالقرار لم يصدر عن مجلس الجامعة، سواء على مستوى المندوبين أو الوزراء.
بدا إعلان السفير زكي متناقضاً بإشارته إلى أنّه “كانت هناك تسمية للحزب بأنّه إرهابي في قرارات الجامعة السابقة. ولذلك كان التواصل معه منقطعاً”. ثمّ عاد فقال إنّه “ليست هناك قائمة بالمنظّمات الإرهابية في الجامعة”. لكنّه والأمين العام أحمد أبو الغيط اضطرّا إلى إصدار توضيحات يوم الإثنين تناولت قرارات الجامعة بالامتناع عن دعم التنظيمات الإرهابية. وبدا أنّ هناك تراجعاً عمّا أعلنه السبت.
أطلقت مفاجأة الإعلان دوّامة تكهّنات. وفيما قال زكي إنّ الخطوة تتيح التواصل مع الحزب، وجد مراقبون أنّها لتسهيل اللقاءات معه لمنع توسّع الحرب في الجنوب، كذلك إتاحة المجال لتسريع إنهاء الشغور الرئاسي.
أعلن الأمين العام المساعد في جامعة الدول العربية حسام زكي أنّ الدول الأعضاء في الجامعة “توافقت” على إلغاء “تسمية” الحزب إرهابياً. لكنّ مصادر واسعة الاطّلاع ذكرت أنّ دولاً فاعلة في الجامعة لم تكن مع الذهاب إلى هذا الحدّ، ومنها السعودية ودول خليجية أخرى.
افترض الوسط السياسي أنّ تطوّراً كهذا لم يكن ليحصل من دون موافقة السعودية ومصر، القطبين اللذين يقودان الجامعة. إلا أنّ التوضيحات التي صدرت لاحقاً عن أبو الغيط وزكي أوحت بالعكس وتركت لغطاً وأسئلة.. وطُرح سؤالٌ عمّا إذا كان هناك “توافق” على الخطوة، أم هي حاجة لبعض الدول في سياق سعيها إلى وقف حرب غزة وتفادي انغماس لبنان بمواجهة واسعة.
قال مصدرٌ سياسيّ لـ”أساس” إنّ تمهيدات سبقت اجتماع السفير حسام زكي الأسبوع الماضي مع رئيس كتلة نواب الحزب محمد رعد. وتشير معلومات المصدر إلى أنّ الحزب طلب أن تعلن الجامعة إلغاء “تسمية” الحزب إرهابياً ما دامت قد اجتمعت بقيادته. ومن الطبيعي أن يهتمّ الحزب للخروج من العزلة العربية. فهو يحتاج إلى الدور العربي، الذي يجري التداول به دولياً، بعد انتهاء حرب غزة والجنوب، لا سيما في شأن إعادة الإعمار.
استنتج محلّلون أنّ الدول المعنيّة كانت وافقت على تواصل الجامعة مع الحزب لخفض التصعيد جنوباً، والتباحث في شأن انتخاب رئيس للبنان. فهل إعلان عدم “تسميته” إرهابياً بعد الآن لم يكن في الحسبان وجاء متسرّعاً؟
توضيحات الجامعة كشفت تسرّعاً أو تناقضاً
توضيحات حسام زكي لقناة “العربية” استعادت قرارات الجامعة بأنّها “تمنع تقديم أيّ شكل من الدعم للإرهابيين والكيانات الإرهابية”. وأشار زكي إلى أنّ “الامتناع عن دعم الميليشيات والمجموعات المسلّحة معتمد بإجماع الدول العربية”. ولفت إلى أنّ تصريحات له “فُسِّرت في غير سياقها الصحيح”. وقال: “هذا لا يعني بأيّ حال زوال التحفّظات والاعتراضات العديدة على سلوك وسياسات وأفعال ومواقف الحزب، ليس فقط داخلياً وإنّما إقليمياً أيضاً”. واعتبر أنّ “أهمّ قرارات الجامعة هو القرار الخاصّ بصيانة الأمن القومي العربي ومكافحة الإرهاب”. وذكّر بأنّه ينصّ على “الامتناع عن تقديم الدعم للكيانات الضالعة في الإرهاب بما في ذلك أيّ ميليشيا أو مجموعات مسلّحة غير نظامية”.
أمّا أبو الغيط فأكّد أنّ الأمانة العامة “تلتزم دوماً التنفيذ الكامل لقرارات الدول في كلّ الموضوعات”. وأوضح أنّ “التكليف الصادر عنّي لزكي بزيارة لبنان للتواصل مع القوى السياسية اللبنانية هو تنفيذ لقرارات الجامعة بالتضامن مع لبنان”.
المصالحة الإيرانيّة السّعوديّة لا تشمل الحزب
يقود ذلك إلى الملاحظات الآتية:
1- التوضيحات تعني أنّه لم يكن كافياً أن يستند السفير حسام زكي إلى أنّ القمّتين العربيّتين الأخيرتين لم تتناولا اتّهام الحزب بالإرهاب، سواء قمّة جدّة في أيار 2023، أو قمّة المنامة في أيار 2024. فالمصالحة السعودية الإيرانية في بكين في 10 آذار 2023 أدّت إلى تجنّب ذلك. وتفادت أيضاً تكرار العبارات التي وردت في بيانات القمم السابقة بإدانة التدخّلات الإيرانية في شؤون الدول العربية. اكتفت قمّتا جدّة والمنامة بالإشارة إلى “التدخّل الأجنبي” في شؤون الدول العربية وإلى وجوب الاستناد إلى علاقات حسن الجوار. وبذلك تفادت تسمية إيران. إلّا أنّ المعروف أنّ تحسين العلاقة السعودية مع إيران ما زال يخضع للاختبارات، ولم يشمل الحزب، على الرغم من تراجع حملاته السياسية العنيفة على دول الخليج.
2- القرارات الصادرة عن القمم العربية، وحتى بعض القمم الإسلامية منذ 2016، التي أدانت الحزب واعتبرته إرهابياً كانت مطلباً للدول الخليجية. لكنّ لبنان الرسمي كان يتحفّظ على الدوام عن القرارات التي تصنّف الحزب إرهابيّاً. وهذا أحد أسباب تأزّم العلاقة مع دول الخليج في ظلّ رئاسة حليف الحزب العماد ميشال عون وتولّي صهره جبران باسيل الخارجية. ومن الدول التي اعتادت التحفّظ على ذلك العراق والجزائر.
التواصل مع الحزب أمنيّ لا سياسيّ
3- السنوات الأخيرة شهدت تواصلاً بين عدد من الدول العربية وبين الحزب في بيروت، منها قطر، عُمان، الإمارات (التي استضافت مسؤول الارتباط والتنسيق في الحزب وفيق صفا في 21 آذار الماضي)، فضلاً عن العراق. لكنّه تواصل اتّخذ طابعاً أمنيّاً لمعالجة قضايا محدّدة. مصر لم تنقطع عن التواصل مع قيادة الحزب للبحث في الرئاسة اللبنانية. وذكرت وسائل إعلام غربية أنّ الإدارة الأميركية طلبت من قطر التواصل مع الحزب في سياق جهود منع توسّع الحرب في جنوب لبنان. فواشنطن تعمل على خفض التصعيد بين الحزب وإسرائيل، بموازاة التشجيع على إحياء مفاوضات الهدنة في غزة. وبات معروفاً أنّ الموفد الأميركي آموس هوكستين طلب من رئيس البرلمان نبيه بري أن يتدخّل الحزب لدى حركة حماس من أجل أن توافق على خطة إنهاء الحرب التي أعلنها الرئيس جو بايدن في 31 أيار الماضي. إلا أنّ تفاوض هوكستين بالواسطة مع الحزب، كما فعل في ترسيم الحدود البحرية عام 2022، لم يرتقِ في أيّ مرّة إلى مستوى الإقلاع عن وصفه بالتنظيم الإرهابي.
4- سعى الحزب إلى توظيف إعلان السفير زكي في سياق الصراع الداخلي المحتدم، معتبراً أنّ الدول العربية غيّرت موقفها واقتربت منه، فيما هو لم يغيّر سياسته. لكنّ قيادات مثل رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة تحدّثت عن ضرورة عدم تقديم هدايا مجّانية للحزب. لكنّه عاد إلى تصحيح موقفه بعد أن ظهر الموقف السعودي من كلام السفير حسام زكي.
خطوات مطلوبة في سوريا
في انتظار تبلور المعطيات التي دفعت الجامعة العربية إلى إعلانٍ والتراجع عنه، فإنّ التبدّل في المشهد الإقليمي لم تنضج ظروفه على الصعد كافّة:
– توقّفت الاعتداءات التي كانت تنفّذها أذرع إيران، ولا سيما “أنصار الله” ضدّ المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة. في حينها اتُّهم الحزب غير مرّة بأنّه يساعد الحوثيين ويوجّه أهدافهم. كما اتُّهم بالتدخّل في بعض الدول العربية للتسبّب بأحداث أمنيّة وتهريب السلاح (مصر والكويت والبحرين والإمارات والمغرب والأردن). المصالحة الإيرانية السعودية في بكين في 10 آذار 2023 أوقفت هذا المنحى من الصراع. وجرى تغليب السعي إلى الحلّ السياسي للأزمة اليمنيّة، الذي تعمل عليه الرياض منذ سنوات. ومع أنّ أصحاب هذه القراءة يعتقدون أنّه لم يعد من مبرّر لتصنيف الحزب إرهابياً، يعتبر آخرون أنّ تحسين علاقة الرياض بطهران شيء والموقف من الحزب شيء آخر. تعدّد الملفّات معه يبقي الصلة معه معلّقة. وعلى الساحة اللبنانية تحديداً هناك قناعة عربية بأنّه يخلّ بالتوازن الداخلي ويهيمن على السلطة.
– السبب الثاني لاتّهام الحزب بالإرهاب قتاله إلى جانب نظام الرئيس السوري بشار الأسد ضدّ المعارضة في بلاد الشام. فالدول الخليجية والعربية انحازت منذ انطلاق الثورة السورية عام 2011 إلى المعارضة. والجامعة العربية سعت إلى حلّ سياسي للأزمة منذ البداية من دون أن يستجيب النظام لقراراتها، مفضّلاً الاتّكال على دعم إيران والحزب. تعتبر بعض الأوساط المتفهّمة لدور الحزب أنّه بعد التقارب العربي والخليجي مع نظام بشار الأسد، لم يعد من مبرّر للقطيعة مع الحزب. فسوريا عادت إلى الجامعة العربية في أيار 2023 في سياق نهج تصفير المشاكل على الساحتين العربية والشرق الأوسطية. لكنّ العديد من الدول العربية ينتظر من دمشق خطوات لخفض النفوذ الإيراني في بلاد الشام، وانكفاء الحزب عن مناطق واسعة فيها… فوجوده مانع لعودة النازحين. ولم يحصل من الخطوات المطلوبة من النظام في إطار خريطة الطريق التي أقرّتها قمّة جدّة أيّ شيء حتى الآن.
– السفير السعودي في بيروت وليد بخاري التقى مسؤول العلاقات الخارجية في الحزب عمّار الموسوي للتعزية عن وفاة الرئيس إبراهيم رئيسي. إلا أنّ هذا لا يعني أنّ الرياض عدّلت رؤيتها لدور الحزب في البلد. وأبرز مواضيع الخلاف أنّ الرياض تدعو في إطار اللجنة الخماسية لخيار رئاسي ثالث، فيما الحزب يصرّ على مرشّحه.
وليد شقير - اساس ميديا
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|