"لبنان أمام فرصة تاريخية"... "الكتائب": لا عودة للسلاح خارج الشرعية!
سندات اليوروبوند وحل أزمة لبنان المالية
كتب العميد المتقاعد الدكتور غازي محمود :
تكاد كلمة "أزمة" أن تكون عنواناً لكل المسائل المتعلقة بالدولة في لبنان من اداراتٍ وخدماتٍ عامة. حيث تشمل أزمة الإدارات العامة، دوائر النفوس والدوائر العقارية ومصلحة تسجيل السيارات والآليات وغيرها من الإدارات. أما أزمة الخدمات العامة فلا تقتصر على الكهرباء وصيانة الطرق ومصالح مياه الشفة ومعالجة النفايات والصرف الصحي وغيرها الكثير من الازمات. وتبقى الازمة الأبرز أزمة الدين العام والمالية العامة كونها تنعكس على كافة إدارات الدولة وخدماتها العامة.
وفي هذا الاطار تأتي عملية اصدار سندات الخزينة اللبنانية بالعملات الأجنبية (اليوروبوند Eurobond) تعبيراً عن أزمة المديونية العامة واحد أوضح تجلياتها المباشرة. وقد لجأت الحكومة اللبنانية الى الاستدانة بالدولار الأميركي منذ العام 1994، غداة تنامي الدين العام جراء استمرار العجز في موازنة العام 1993. ولعل احد أسباب اللجوء الى اليوروبوند هو تراجع إقبال اصحاب الرساميل المحلية على الاكتتاب بالسندات المحررة بالعملة الوطنية على الرغم من ارتفاع أسعار فوائدها.
وقد اعتبر مصرف لبنان في تقرير له عن العام 1994 أن إصدار الـيوروبوند كان بمثابة إنجاز للبنان، كونه أول دولة عربية تلجأ إلى الاقتراض من الأسواق المالية الدولية. وقد سهى عن بال كاتب التقرير، أن في استدانة الدولة بعملة أجنبية لا يتوافر لها دخلاً ثابتاً منها هي عملية محفوفة بالمخاطر، فأي ارتفاع في قيمة هذه العملة مقابل الليرة سيرفع من حجم الدين العام ويجعل الدولة عاجزة عن سداد مستحقاتها.
أما أول حزمة من اليوروبوند أصدرتها الحكومة اللبنانية فكانت في 14 تشرين الأول/اكتوبر 1994، وبقيمة 400 مليون دولار أميركي استحقت في العام 1997 أي بعد ثلاث سنوات على إصدارها. توزعت هذه السندات على ثلاث فئات: فئة الألف، والعشرة آلاف والمئة ألف دولار أميركي. وقد توالت إصدارات اليوروبوند بشكل سنوي وبآجال أطول من سابقاتها ليبلغ آجال بعضها عشر سنوات بدلاً من ثلاث، كما تراوحت فوائدها بين 7.4 و10.89 بالمئة.
وجاء اعتماد اليوروبوند كون فوائدها أدنى من تلك المحررة بالليرة اللبنانية، في محاولة لتخفيض كلفة الدين العام وتحرير السوق المالية المحلية من الضغوط التي يُسببها اقتراض الدولة. وقد سمح إصدار اليوروبوند بإطالة آجال الدين العام، بعدما كانت تقتصر آجال السندات بالعملة الوطنية على سنة واحدة من ناحية، وسمح أيضاً بتخفيض كلفة الاستدانة التي قاربت في بعض الاصدارات الـ %35 من ناحيةٍ ثانية.
وجاء إصدار معظم اليوروبوند لشراء الديون المستحقة وفوائدها. وقد بلغ اجمالي القيمة الاسمية لهذه السندات، عشية التوقف عن دفع الأقساط المستحقة في آذار/مارس من العام 2020، قُرابة الـ 13.31 مليار دولار تمتد آجالها حتى العام 2036. وكان سعر التداول بالإصدارات اللبنانية من اليوروبوند قد انخفض الى أقل من 38% من قيمتها الإسميّة عند الاستحقاق.
والتوقف عن سداد مستحقات اليوروبوند في السابع من آذار/مارس 2020 شكل أزمة تُضاف الى مجموع ازمات لبنان ولم يكن سبباً للأزمة المالية التي لا تزال تعصف بالبلد. ذلك أن تفاقم المديونية العامة وارتفاع نسبتها الى الناتج المحلي، أدى الى تزايد شكوك الدائنين الداخليين والخارجيين في ملاءة الدولة اللبنانيّة وقدرتها على السداد، الامر الذى جعل لبنان منذ العام 2017، غير قادر على بيع سنداته في أسواق المال العالمية.
وتجدر الإشارة الى أن التزامات لبنان بالعملات الأجنبية لا تقتصر على اليوروبوند، بل تشمل أيضاً القروض الميسرة التي حصل عليها بموجب مقررات مؤتمرات باريس 1 و2 و3. مع العلم أنه في نهاية العام 2000 قُبيل انعقاد مؤتمر باريس 1، كانت نسبة الدين العام اللبناني الى الناتج المحلي قد بلغت 151%، فيما بلغت نسبة كلفة خدمة الدين العام 89% من مجموع إيرادات الدولة. اما جل ما حققته هذه المؤتمرات فهو زيادة هامش المناورة لدى السلطات اللبنانية للسيطرة النسبية على أزمة المديونية العامة واحتواء مخاطرها الماثلة وتأجيل استحقاقاتها من دون أن يؤدي الى حل.
ذلك أن العجز المستمر في الموازنة العامة لم تنفع معه لا إصدارات اليوروبوند ولا القروض الميسرة ولا الهبات التي وفرتها مؤتمرات باريس المتلاحقة منذ العام 2001. ولم تنفع محاولات مؤتمر سيدر (CEDRE) حث الحكومة اللبنانية القيام بإصلاحات هيكلية كفيلة بزيادة إيرادات الدولة ورفع نسبتها إلى الناتج المحلي الإجمالي، بالإضافة الى ترشيد الإنفاق وإدارة الدين العام واحتوائه من خلال تطبيق سياسة مالية تُساهم في خفض عجز الموازنة.
وقد كان للتوقف عن دفع مستحقات اليوروبوند عشية اتخاذ القرار ما يُبرره، سيما وأن سعر اليوروبوند في الأسواق المالية كان يقتصر على قُرابة الـ 38% من السعر الاسمي أي فقط 38 سنتاً وما من مبرر لدفع قيمته الاسمية أي 100 سنت. إلا أنه آن الأوان اليوم أن تعمل الحكومة على شراء اليوروبوند من حامليه الأجانب. خاصةً وأن سعر اليوروبوند وفوائده المتراكمة يقترب اليوم من 7 سنت وهو ادنى سعر تُسجله سنداتٍ سيادية، حيث يكفي مبلغ مليار دولار لإطفاء دين قيمته 10 مليارات دولار.
بناءً على ما تقدم، إن المماطلة في معالجة أزمة اليوروبوند يُفقد لبنان فرصة الاستفادة من السعر المتدني الذي بلغته هذه السندات، ذلك أن أي تطور إيجابي على المستوى الداخلي كانتخاب رئيس للجمهورية ذي صدقية ستؤدي حكماً الى ارتفاع السعر. وقد تتسبب المماطلة أيضاً، باستحواذ صناديق التحوط Hedge funds المتخصصة بشراء الديون المتعثرة على غرار اليوروبوند اللبنانية بأسعار متدنية، لتقيم بعد ذلك دعاوى قضائية بهدف الحصول على افضل سعر ممكن يُمكِنُها من تحقيق ارباح.
واستحواذ الدولة على اليوروبوند اللبنانية بالأسعار الحالية المتدنية لا يقل أهمية عن إيجاد حل يُؤمن حصول الودعين على الجزء الأكبر من ودائعهم في المصارف اللبنانية. فكلما تخلصت الدولة اللبنانية من التزاماتها الخارجية بكلفة مناسبة، تزداد قدرتها على تلبية التزاماتها الداخلية. والا سيدفع اللبنانيون مستقبلهم ومستقبل اولادهم ثمناً لمراوحة المسؤولين وترددهم، بعدما دفعوا من جنى أعمارهم ثمن استهتار هؤلاء بمسؤولياتهم وعبثهم بمقدرات الوطن.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|