سُنّة لبنان ومرجعيّة دار الفتوى.. لا صفقة شاملة
منذ اندلاع عملية طوفان الأقصى في 7 تشرين الأول 2023، وانخراط الحزب فيها إلى جانب حركة حماس، ارتفعت حميّة اجتماعية سنّيّة في لبنان تضامناً مع غزة وفلسطين وحماس. سارعت الجماعة الإسلامية إلى الانخراط العسكري في العمليات، وهي محاولة لاجتذاب اهتمام داخلي وخارجي، ومحاولة شدّ العصب بما يحاكي أو يدغدغ العواطف السنّية الكامنة تجاه فلسطين، أو استغلال فراغ أو غياب سنّي عن فعّالية التأثير السياسي.
بالنظر إلى هذا الواقع، تبرز لدى السنّة في لبنان مشكلتان:
1- المشكلة السياسية المزمنة في عدم القدرة على إنتاج مجموعة أو تيار إطاريّ قادر على تشكيل رؤية سياسية واضحة للمرحلة المقبلة، وهذه المشكلة انعكست في نتائج الانتخابات النيابية ولا تزال منعكسة في الممارسة السياسية اليومية.
2- محاولة الجماعة الإسلامية تعبئة الفراغ القائم مستغلّة ظرف الحرب والمواجهات في الجنوب. وهي محاولة تستعيد تجربة قديمة اختبرها لبنان في عام 1969 وما بعده، من خلال شرعنة العمل العسكري المسلّح ضدّ إسرائيل. كانت تلك محطّة بارزة في تعزيز الشرخ الداخلي اللبناني وأسّست للحرب الأهلية اللبنانية.
الجماعة والتّقارب مع إيران
عملياً، انخرطت الجماعة الإسلامية في مشروع سياسي تقاربيّ مع إيران، الحزب، وحركة حماس. حتى إنّ النفوذ داخل الجماعة أصبح يتوزّع بين ثلاثة مراكز قوى:
1- الخطّ التقليدي الذي تمثّل في اعتراضات على استثناء الأمين العام للحزب حسن نصر الله للجماعة الإسلامية من خطابه الأول بعد شهر من عملية طوفان الأقصى، فخرج هؤلاء معترضين على استثنائهم وأكّدوا أنّهم حاضرون في مقاتلة إسرائيل منذ الاجتياح.
1- الخطّ المتقارب مع الحزب الذي هو على تواصل وتنسيق دائمين معه.
3- الخطّ الثالث المتمثّل بالطرف المحسوب على حركة حماس، مع تسجيل مفارقة الاندماج العسكري بين قوات الفجر وكتائب القسام، وغالباً عندما يسقط شهداء يتمّ نعيهم من قبل الجانبين.
يترافق ذلك مع محاولات حثيثة يقوم بها الحزب لتسجيل المزيد من الاختراقات في صفوف الساحة السنّية، ليس من خلال الجماعة الإسلامية فقط، بل من خلال تحالفات مناطقية. فهو يتحضّر منذ الآن لخوض الانتخابات النيابية في المناطق السنّية، مع التركيز الأساسي على طرابلس التي أصبح فيها عشرة مكاتب مموّهة محسوبة على الحزب تقدّم المساعدات والخدمات، بالإضافة إلى عكّار والضنّية.
السُّنّة مع فلسطين لا الحزب
لا بدّ من التفريق بين تعاطف سُنّة لبنان التاريخي والوجداني مع القضية الفلسطينية، وجعل جنوب لبنان ساحة للأعمال العسكرية لتنظيمات متعدّدة بما فيها الجماعة الإسلامية الساعية إلى فرض نفسها في المعادلة بالتنسيق مع الحزب. أيّ تعاطف مع فلسطين وقضيّتها لا يمكن أن يكون تعاطفاً مع الجماعة الإسلامية أو تأييداً لها أو كسباً من قبلها للمزيد من الشعبية أو الحيثية السياسية. وهنا لا بدّ من الانتقال إلى سؤال مستقبلي حول الدور الذي يمكن أن تلعبه الجماعة الإسلامية سياسياً بعد انتهاء الحرب؟ أرقام الانتخابات تظهر أنّ الجماعة خارج بيروت لم يكن لها أيّ وزن تمثيليّ، إلا إذا كان المشروع هو العمل وفق منظور أمنيّ وعسكري لاستقطاب المزيد من التأييد وتحسين تمثيلها السياسي. فحسابات الحرب مختلفة جداً عن حسابات السلم، وخصوصاً لدى السنّة في لبنان، وهذا ما يبدو أنّ الجماعة غير قادرة على تحقيقه أو النجاح فيه بالمعنى الإنمائي أو المشاريع الاقتصادية والاجتماعية التي يمكنها تقديمها.
إلى جانب هذه المشكلة البنيوية في هذه المرحلة، هناك مشكلة أخرى تتّصل بمستقبل أيّ تسوية سياسية سيتمّ الوصول إليها لاحقاً مع طرح سؤال أساسيّ عمّن سيقرّر رئيس الحكومة المقبل؟ في مرحلة ما بعد عام 2005 كانت الأكثرية النيابية لتيّار المستقبل تفرض سعد الحريري مرشّحاً طبيعياً لرئاسة الحكومة، باستثناء المرحلة الانقلابية على الحريري أو من يسمّيه التي أتت بنجيب ميقاتي رئيساً للحكومة، وكانت حكومته للمرّة الأولى هي حكومة اللون الواحد.
دور دار الفتوى
اليوم توزيع النواب السنّة في المجلس النيابي لا يسمح لهم بخلق أكثرية تتيح تسمية رئيس للحكومة، والجميع يعوّل على دور لدار الفتوى في هذا الأمر. وهنا يُطرح سؤالان أساسيّان. الأوّل: هل يستطيع مفتي الجمهورية إيجاد قواسم مشتركة بين الجميع لتسمية رئيس للحكومة؟ وهنا سيكون الأمر مشابهاً لمحاولات البطريرك الماروني التي لا تنجح في خلق مساحات تفاهم مشتركة بين المسيحيين لتقديم اسم أو أكثر لرئاسة الجمهورية. والسؤال الثاني: هل يستطيع المفتي بمعزل عن التوافق أو التفاهم أن يفرض اسماً لرئاسة الحكومة؟ يمارس المفتي أداءً غير خصاميّ لا يتيح له لعب دور فارض لاسم رئيس الحكومة.
تجعل حالة التشرذم السنّية سياسياً ونيابياً من انخراط أيّ دولة إقليمية لفرض وقائع جديدة أو تكريس معادلة أمراً صعباً إذا لم يتمّ العمل على إنتاج حالة سياسية قادرة على استعادة التوازن السياسي، لا سيما أنّ أيّ دولة قد تنخرط في فرض شخصية معيّنة لرئاسة الحكومة ستتحمّل كلّ المسؤوليات التي ستنجم عن تبنّيه وفرضه نظراً لتشعّب الأزمات السياسية، الاقتصادية، الماليّة والاجتماعية.
من هنا، يصبح من الصعب إنتاج صفقة شاملة لإعادة إنتاج أو تشكيل السلطة. وهذه الصفقة من شأنها أن تؤخّر الوصول إلى تفاهم. لذلك تلجأ القوى المعنيّة بالملفّ اللبناني إلى اعتماد مبدأ سياسة الخطوة خطوة، فتبدأ بالتفاهم على رئيس الجمهورية، ثمّ يتمّ الانتقال إلى رئاسة الحكومة، ثمّ التعيينات الأخرى. ولذلك كانت القوى المعنيّة رافضة لمعادلة رئاسة الجمهورية مقابل رئاسة الحكومة تحت عنوان رفض مبدأ المقايضة.
خالد البوّاب - اساس ميديا
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|