عربي ودولي

فرنسا الباهرة والكافرة

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

فادي الأحمر - أساس ميديا

اتّفق الكلّ على أنّ الفرنسيين قدّموا عرضاً تاريخياً في حفل افتتاح الألعاب الأولمبيّة. وفي الوقت نفسه الغالبيّة اتّفقت على أنّهم تخطّوا المعقول والمقبول في عروضهم الفنّيّة. فهم بقدر ما أبهروا العالم استفزّوا شريحة كبيرة منه. وأبرز استفزاز كان للمسيحيّة والمسيحيين.

كما كان منتظراً أبهر الفرنسيون العالم ليل 26 تموز. قدّموا افتتاحاً تاريخياً للألعاب الأولمبيّة التاريخيّة جرى للمرّة الأولى في التاريخ خارج الملاعب. الشتاء لم يمنع تقديم العروض. فهو رافق حفل الافتتاح منذ لحظة انطلاقه حتى النهاية. وكان غزيراً أحياناً. على الرغم من ذلك لم يؤثّر على الصوت ولا على الصورة. عزف الموسيقيون تحت زخّات المطر. واشتعلت النيران فوق البيانو. فلم تلتهم خشباته الثمينة ولم يُطفئها الشتاء. ولم يؤثّر المطر على ظهور الليدي غاغا ولا على الاستعراض الغنائي الراقص الذي قدّمته من على عوّامة في نهر السِين. كذلك لم يمنع “البهلوانيين” على الدرّاجات الهوائية من تقديم عروضهم المذهلة في قلب النهر. وقدّم الراقصون لوحاتهم المقرّرة من على سطوح مباني باريس القديمة غير آبهين بالانزلاق من فوقها. ولم يسجّل أيّ حادث.

الخيل وسيلين دِيون

مشهدان كانا الأكثر تأثيراً في افتتاح الأولمبياد الفرنسيّ:

1- الخيل الإلكتروني المصنوع من الحديد وقد ركبته الشخصيّة السريّة في الاحتفال وعلى ظهرها علم الألعاب الأولمبيّة بدوائره الخمس التي ترمز إلى قارّات الأرض الخمس. مشهد حبس الأنفاس وأعاد الحماسة إلى الاحتفال بعد مرور حوالي ساعتين على بدئه. مشهد استُكمل بمشهد الفارس/أو الفارسة على صهوة جواد حقيقيّ أمام برج إيفل لتسليم الشعلة إلى لاعب كرة القدم الأسطوري زين الدين زيدان، ومنه إلى رياضيين تناقلوها وانتقلوا بها ليشعلوا الشعلة الأولمبية في منطاد طار في سماء باريس.

2- المشهد الثاني كان للمغنّية سيلين دِيون. بعد أربع سنوات انقطاع عن تقديم العروض الفنّيّة بسبب مرضها أطلّت الفنّانة الكنديّة من الطابق الثاني لبرج إيفل. إنّها حقّاً الـ”ديفا”. غنّت “نشيد الحبّ” على أنغام البيانو تحت المطر. صدح صوتها الرائع في سماء باريس والعالم، فأبكت الملايين لا بل المليارات من البشر الذين تابعوا مباشرة حفل الافتتاح، وصلّوا كي يبقى صوتها بجماله ينشد حبّاً وفرحاً.

الشّخصيّة السّرّيّة

ككلّ عمل فنّيّ ناجح، هناك سرّ في قصّته. والسرّ في افتتاح الأولمبياد الفرنسيّ تلك الشخصيّة السرّيّة التي حملت الشعلة الأولمبيّة وراحت تقفز بها فوق سطوح أبنية باريس القديمة. ودخلت بعض المعالم التاريخيّة مظهرةً إرث العاصمة الفنّيّ والثقافيّ بأحدث الوسائل التكنولوجيّة ومؤثّراتها السمعيّة والبصريّة.

دخلت متحف اللوفر بحثاً عن لوحة “لا جوكوند” الشهيرة. لم تجدها! فإذ بها تطوف فوق نهر السِين تشارك في حفل افتتاح الألعاب.

كما دخلت مكتبة باريس الوطنيّة، وهي إحدى أكبر مكتبات العالم وتضمّ إرثاً ثقافيّاً عالميّاً عظيماً. جالت بين الكتب التي استبدلها العديد منّا بالهواتف واللوحات الذكيّة. فهذه خطفت الاهتمام والوقت. تقدّمت التكنولوجيا فتراجعت الثقافة.

تخلّلت الحفل عدّة رسائل إنسانيّة عالميّة مثل الحرّيّة والتضامن والسلام وغيرها. وهي قيم عالميّة لا يختلف عليها اثنان مهما اختلفا في الدين والعرق والحضارة والثقافة واللغة… وبذلك أبرز حفل الافتتاح دور فرنسا التاريخيّ والسبّاق في الحفاظ على القيم الإنسانية، وأبرزها الحرّيّة. المشكلة أنّ المخرج لم يعرف حدود هذه الحرّيّة، فتجاوزها ليتعدّى على حرّيّة الآخرين، وتحديداً المسيحيين بالتعرّض لمقدّساتهم.

مشهد العشاء السّرّيّ

لقد نصب توما جولي على أحد الجسور فوق نهر السِين مسرحاً على شكل طاولة. جلس على جانبيها فنّانون قدّموا من فوقها عروضاً فنّيّة. وقد تعمّد المخرج أن يُجلس في منتصف الطاولة امرأة وضع خلف رأسها الهالة التي تحيط عادةً برأس المسيح والقدّيسين في اللوحات الدينيّة الفنّيّة. كما تعمّد أن يُظهر الفنّانين المشاركين في هذا المشهد من فئة المثليين والمتحوّلين جنسياً. ووضعهم حول تلك المرأة في مشهد بدا إلى حدّ بعيد شبيه بلوحة ليوناردو دافينشي الفنيّة ليسوع مع تلاميذه في العشاء الأخير، والمعروف بـ “العشاء السرّيّ”. شخصياً لم أستطع تقبّل المشهد. كيف لمن يطلق رسالة التضامن في احتفاله أن يتعرّض لمن نادى بعيادة المريض وتعزية الحزين وزيارة السجين وإطعام الجائع…؟ وكيف لمن ينادي بالسلام أن يتعرّض لمن سامح وغفر لقاتليه؟ وكيف له أن يستعمل المثليين والمتحوّلين جنسياً للسخريّة ممن رفض الحكم على الزانيّة وقال “من منكم بلا خطيئة فليرجمها بحجر؟”، وأضاف قائلا لها: “لا تخطئي من جديد”…

إنّه تعرّض واضح ومقصود للمسيحيّة ولقمّة ما يؤمن به المسيحيون. فذاك العشاء الأخير ليسوع مع تلاميذه أسّس للذبيحة الإلهيّة التي يحتفل بها المسيحيون كلّ يوم. وهي جوهر عبادتهم وقمّة احتفالاتهم. إنّه تدنيس متعمّد للمقدّسات. ما أثار استياء المسيحيين وغير المسيحيين في العالم، وموجة ردود شعبيّة وسياسيّة في فرنسا نفسها. وهو أيضاً ما استدعى ردّاً من مجمع الأساقفة في فرنسا. ففي بيان أصدروه أشادوا “بحفل الافتتاح الذي قدّم للعالم لحظات رائعة من الجمال والمرح، وغنيّة بالمشاعر، وقد حيّاها العالم”. بيد أنّ الحفل “تخلّلته مشاهد ساخرة من المسيحيّة. وهذا ما نأسف له بعمق”.

لم يكتفِ مخرج حفل الأولمبياد بالاعتداء على شعور المسيحيين، إنّما تعمّد خدش حياء العديد من الشعوب والأديان والمجتمعات في العالم التي ترفض المثليّة الجنسيّة
مثليّة وتعرٍّ!

فخلال الحفل ظهر شابّان يقبّل أحدهما الآخر على الطاولة – المسرح التي ظهر حولها “العشاء السرّيّ”. مشهد بدا مصطنعاً في الحفل، وكأنّ هدف المخرج الاستفزاز. ربّما حقّق هدفه. فقد استفزّ ملايين المشاهدين.

قام الفنّان فيليب كاترين بتقديم عرض يجسّد مشهد قيصر روماني عارٍ يغنيّ لحرّيّة التعرّي وخلفه امرأة وعلى رأسها الشعاع. مشهد باهت لا قيمة فنّيّة له. بدا وكأنّ المقصود منه فقط الاستفزاز وخدش الحياء، فقطعت بثّه بعض شبكات التلفزة في العالم، بينهم شبكة “إن.بي.سي” الأميركيّة.

عكس حفل افتتاح الألعاب الأولمبيّة الواقع السياسيّ والمجتمعيّ الفرنسيّ: “لوبي المثليين قويّ جداً في الطبقة الحاكمة”/ كما قال لي أحد المتابعين عن قرب لهذه الطبقة. وهذه لا تعاني من الإسلاموفوبيا فحسب، إنّما من حقد دفين على الدين، كلّ دين، تحت مسمّى العلمانيّة، التي دعا اليها يسوع نفسه بقوله: “أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله”.

لقد بَدَت فرنسا، “الابنة البكر للكنيسة الكاثوليكيّة”، في حفل افتتاح الألعاب الأولمبية: باهرة وكافرة.

شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا

فيديو إعلاني