الصحافة

سرقة القرن العراقية: الكاظمي في دائرة الاتّهام؟

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

ليست مصادفة إعادة قضيّة “سرقة القرن” التي شاركت فيها خمس شركات وهمية قامت بتزوير وثائق ومستندات وتحرير شيكات بنكيّة مزوّرة واستولت على “الأمانات الضريبية” العائدة في غالبيّتها لشركات النفط العاملة في العراق، وبلغت قيمة الأموال المسروقة أو المنهوبة أكثر من 2.5 مليار دولار. وقد يصل إلى 8 مليار دولار..

أكّدت الحكومة العراقية برئاسة محمد شياع السوداني أنّ سرقة الأمانات الضريبية قد جرت في عهد حكومة سلفه مصطفى الكاظمي، وبالتالي قد ورثت حكومته هذه القضية، لكنّ ذلك لن يحول دون متابعتها وعدم التهاون في التوصّل إلى كلّ الرؤوس المدبّرة والمستفيدة والعمل على استرداد تلك الأموال المنهوبة، وهي من أجل ذلك استطاعت عبر جهاز الأمن التابع لوزارة الداخلية من توقيف الرأس المدبّر أو الأبرز في المجموعة التي قامت بالنهب المسمّى نور زهير. إلا أنّها بعد التحقيقات مع زهير لجأت إلى عقد صفقة معه قضت بإعادة جزء من الأموال وإطلاق سراحه مقابل التعاون من أجل استعادة الأموال الباقية.

ما بين السوداني والكاظمي

الرئيس السوداني، خلال لقاء أجراه على هامش زيارته للعاصمة الأميركية واشنطن العام الماضي، كشف أنّ نصف الأموال المنهوبة قد تمّ تهريبها إلى خارج العراق، وأنّ أجهزة الدولة القضائية والأمنيّة وهيئة النزاهة عملت على متابعة أملاك المتّهمين بالقضية المنقولة وغير المنقولة داخل العراق، ووضعت اليد عليها ومنعت التصرّف بها بانتظار انتهاء الجهات المختصّة من تقدير قيمتها.

على الرغم من محاولة رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي إبعاد التهمة عن فريقه، سارع إلى التأكيد أنّ حكومته هي التي كشفت عن هذه السرقة وأصدرت الأوامر من أجل التحقيق بها. إلاّ أنه في المقابل، كانت الخطوة الأولى التي صدرت عن القضاء العراقي في عهد السوداني هي إصدار أوامر إلقاء قبض واعتقال بحقّ أربعة من كبار الشخصيات المقرّبة من الكاظمي العاملين في مكتبه.

إذا ما صحّت لائحة الأسماء التي سرّبت في حينها، فإنّ الفريق الخاصّ بالكاظمي هو المتّهم الرئيسي بتسهيل السرقة وتوفير الغطاء السياسي والقانوني للسارقين للقيام بالنهب. وقد ضمّت الأسماء وفقاً لمصادر غير رسمية:

1- القاضي رائد جوحي مدير مكتب رئيس الوزراء السابق ورئيس جهاز الأمن الوطني.

2- السكرتير الخاصّ لرئيس الوزراء أحمد نجاتي.

3- المستشار السياسي لرئيس الوزراء مشرق عباس.

4- بالإضافة إلى اسم وزير المالية علي علاوي، الذي سبق أن استقال من حكومة الكاظمي، معلّلاً قراره بعدم قدرته على تحمّل وتغطية التجاوزات الماليّة التي تمارسها الحكومة من دون أن يقدّم شرحاً دقيقاً عن هذه التجاوزات، ومن بينها سرقة القرن. كما تمّ التحقيق مع النائب السابق هيثم الجبوري، الذي عيّن في تلك الفترة مستشاراً ماليّاً لرئيس الحكومة الكاظمي، حول الآليّات التي سمحت بإصدار قرارات ماليّة تسمح بالوصول إلى هذه الأمانات من دون انتظار رأي دائرة التدقيق المالي في وزارة المالية والأمانة العامة لمجلس الوزراء.

لماذا أُعيد فتح الملفّ؟

إعادة فتح ملفّ هذه القضية كشف عنها رئيس هيئة النزاهة حيدر حنون بعد اكتشاف أسماء جديدة متورّطة بهذه السرقة إلى جانب مديري الشركات الوهمية الخمس التي شكّلت الغطاء الإداري للنهب والاستيلاء على الأموال، وقد تجاوز العدد 30 متّهماً. وتتحدّث التقديرات الأوّلية عن مبلغ يصل إلى نحو 8 مليارات دولار منهوبة من الأمانات الضريبية وغيرها.

أكّد حنون أنّ الحكومة في بغداد بالتعاون مع الشرطة الدولية “الإنتربول” استطاعت استعادة عدد من المتّهمين الفارّين في عاصمة إقليم كردستان، وتتابع التواصل مع دولة الإمارات العربية لاستعادة الفارّين إليها، في حين أنّ أحد المتّهمين الرئيسيين ينتقل بين العاصمة اللبنانية بيروت والعاصمة التركية أنقرة.

من الواضح حسب الإجراءات التي أعلنها حنون أنّ هذه القضية مفتوحة على الكثير من المفاجآت، وقد تأخذ المزيد من الوقت لتتّضح معالمها وملابساتها بناء على الطلب الذي تقدّم به رئيس هيئة النزاهة إلى وزارة المالية ودعا فيه المسؤولين في هذه الوزارة إلى تقديم تقرير دقيق عن الأرقام المالية النهائية التي تمّت سرقتها ونهبها تحت عنوان الأمانات الضريبية.

الإبقاء على هذا الملفّ مفتوحاً وعدم التقدّم في موضوع الصفقة التي عقدتها الحكومة مع رأس المجموعة نور زهير لاسترداد الجزء الأكبر الباقي من مبلغ 2.5 مليار دولار الذي أعلن عنه، يدفعان إلى الاعتقاد بأنّ ضغوطاً على الحكومة لعقد هذه الصفقة قد مارستها جهات نافذة وقادرة على تعطيل القرارات وحتى تهديد الحكومة ورئيسها.

يعتقد كثير من الأوساط والناشطين السياسيين والإعلاميين بأنّ حجم الأموال المنهوبة يشير إلى وجود تواطؤ بين قوى سياسية والأشخاص الذين قاموا بهذه العملية، وأنّ هذه الجهات تمثّل قوى حزبية وفصائلية إمّا خارج الحكومة وإمّا شريكة فيها، إلا أنّها جميعاً تشكّل جزءاً من إدارة الدولة، ومن مصلحتها أن لا تصل التحقيقات إلى نتيجة محدّدة أو واضحة حتى لا تكون في دائرة الاتّهام في هذه القضية، على الرغم من أنّ حجم الأموال المنهوبة في التقدير الأوّل لا تشكّل سوى جزء من فساد تمارسه القوى والأحزاب والفصائل على مدى عقدين من تاريخ الدولة الجديدة في العراق.

ولهم فيها مآرب أخرى..

لا تستبعد هذه الأوساط وجود عوامل أخرى ذات أبعاد سياسية واجتماعية وراء إعادة إثارة أو فتح ملفّ هذه القضية، منها صرف الأنظار عن أحداث ووقائع يعيشها العراق في هذه المرحلة، وهي من الخطورة بحيث قد تشكّل مأزقاً اجتماعياً ودينياً للدولة من جهة، وتضع الحكومة والعراق أمام تحدٍّ أمنيّ كبير قد يعيد وضع البلاد في دائرة الخطر والانهيار من جهة أخرى.

تعتقد هذه الأوساط أنّ الجدل الدائر حول قانون الأحوال الشخصية الجديد الذي يدور حوله الكثير من اللغط والجدل حول موقع المرأة ومسألة زواج القاصرات، كان أحد أسباب إعادة إثارة قضية سرقة القرن لإلهاء الرأي العامّ وتقديم مادّة له قد تساعد في تقليل تصاعد التوتّر بين القوى الدينية المؤيّدة للقانون والقوى السياسية والاجتماعية والمدنية الرافضة له وللتعديلات التي أدخلت عليه، وإمكانية أن يؤدّي ذلك إلى انفجار الشارع في ما يشبه حرباً أهليّة.

لا تسقط هذه الأوساط أيضاً من حساباتها التطوّرات الأمنيّة التي تشهدها المناطق الصحراوية في المنطقة الغربية من العراق على طول الحدود المشتركة مع سوريا، وتصاعد وتيرة الاشتباكات مع عناصر داعش على مدى هذه الجغرافيا، وبالتالي فان التحدّي الأمنيّ الذي تواجهه الحكومة والمؤسّستان العسكرية والأمنيّة بسبب إمكانية عودة داعش إلى النشاط، بات يشكّل قلقاً حقيقياً يستدعي نمطاً جديداً من التحرّك والتعاطي الأمنيّ.

دفع هذا التطوّر مجموعات من قوات الحشد الشعبي، خاصة القوى المعروفة بحشد المرجعية، إلى دعوة عناصرها إلى الاستنفار العامّ والالتحاق بمراكز خدمتهم للانتقال سريعاً إلى منطقة “جزيرة نينوى” التي تشكّل إحدى مناطق انتشار خلايا داعش في الصحراء العراقية بمحاذاة الحدود السورية، الأمر الذي دفع الحكومة للتحرّك وتأكيد قيادة العمليات المشتركة للقوات المسلّحة أنّ هذه الدعوة غير مسوّغة ولا وجود لأيّ تطوّر أمني يستدعي هذا التحرّك.

على الرغم من كلّ هذه الملابسات، فإنّ الخطوة التي قام بها رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي أعادت وضعه في سياق ملفّ قضية سرقة القرن، فالدعوة التي أقامها ضدّ الصحافي قيس حسن بتهمة القدح والذمّ، ومطالبته بدفع تعويض مالي يقدر بنحو 173 ألف دولار أو ربع مليار دينار عراقي، دفعتا الأوساط العراقية لإعادة الحديث عن علاقته بهذا الملفّ من باب مسؤوليّته عن الفريق المقرّب منه والمتّهم بالتورّط بهذه السرقة ما دام جميع المتّهمين خارج العراق ولم يمثلوا أمام القضاء العراقي.

حسن فحص - اساس ميديا

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا