الصحافة

من طهران إلى بيروت... للتحوّل من الصخَب العسكري إلى العمل الأمني الصامت والاستخبارات السرية

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

يجد حلف المقاومة نفسه اليوم أمام مواقف ووضْع عسكري، مثل اغتيال عضو المجلس الجهادي في «حزب الله» القائد فؤاد شكر، يفرض عليه العملَ الصاخب للردّ على إسرائيل.

وتجد إيران أيضاً نفسها أمام عمل أمني مماثل مثل اغتيال زعيم «حماس» السياسي إسماعيل هنية في عاصمتها طهران، وقد وعدتْ بالرد عليه مباشرة وعلناً.

ولكن صواريخ طهران المتطوّرة وتحضيراتها ومسيّراتها تحتاج إلى الخروج علناً للانطلاق مع فريقٍ كبير تراه الأقمار الاصطناعية دائمة الوجود فوق غرب آسيا وتحديداً إيران.

وفي الوقت عيْنه، يتحضّر حلفُ «الناتو» وعلى رأسه أميركا بطائراته وصواريخه المُعْتَرِضَة لاستقبالِ الضربة الإيرانية التي ستنطلق من بُعد 1700 كيلومتر أقلّه في اتجاه إسرائيل عبر حدود دولٍ عدة.

وهذا ما يُجْبِرُ «الجمهورية الإسلامية» على إبلاغ هذه الدول بأن هذه الصواريخ غير موجَّهة إليها، وهو ما يساعد الولايات المتحدة على المعرفة المسبَقة من خلال حلفائها وليس فقط المعلومات الاستخباراتية بأشكالها المتعدّدة.

وهذا يعني أن عدداً من الصواريخ فقط سيصل إلى هدفه، مع عدم تَجاهُل طبقات الدفاع الاعتراضي الغربي - الإسرائيلي، ما يسمح لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بأن يتحمل الضربة الإيرانية ما دامت تطول أهدافاً عسكرية بحتة، وما دامت أميركا تعمل على منع التصعيد والرد على الرد التصعيدي من جانب الطرفين.

ويعتمد نتنياهو على حاجته لأن يرى المجتمع الإسرائيلي أنه استطاع جر الولايات المتحدة لتدفع بقواتٍ ضخمة إضافية إلى الشرق الأوسط ومعها قوات من العالم الغربي للدفاع عنها.

وتالياً، فإن عملياته الأمنية الناجحة في بيروت وطهران تربك العدو وتحشره أمام خيارات صعبة: إما الرد (الذي لا بد منه) المتوازن المقبول، وإما الحرب المفتوحة مع الغرب المتأهّب.

علماً أن هذه الخطوات التصعيدية قدّمت له الدعمَ من أكثر من ثلثي الإسرائيليين في وقتٍ كانت شعبيته في انخفاض مستمر، ليتغلّب - بحسب إحصاءات الإعلام - على منافسيه السياسيين الداعين لوقف الحرب والذهاب إلى صفقة نهائية مع المقاومة الفلسطينية.

وثمة مَن يعتقد في ضوء هذه الوقائع، أن العمليات الصاخبة تعطي انتصارات تكتيكية يجب الخروج منها والتوجّه نحو العمل الأمني الصامت، خصوصاً ان هناك آلاف الفلسطينيين من سكان 1948 ويحملون الجنسية الإسرائيلية مستعدّون للتضحية من أجل قضية فلسطين.

وقد أثبتت عشرات العمليات المنسَّقة والفردية الروحيةَ العالية والاستشهادية لدى الشباب الفلسطيني الصاعد الذي ضرب إسرائيل في مناطق عدة داخل فلسطين.

وتالياً فإن الإمكانات وكذلك الأدوات اللازمة موجودة لتنفيذ عملياتٍ مؤلمة ضد أهداف فردية أو أعمال تخريبية مهمّة تساهم في إرباك إسرائيل وضرْب حالة اليقين التي يعيشها هذا الكيان إذا تطورتْ لمستوى أمني أعلى وأكثر إيلاماً.

لكن يبدو أن الإبداعَ والتوجّه نحو العمل الأمني المركزي والمُبْدِع الذي يحتاج إلى الصبر والنفَس الطويل لم يكن حاضراً بما فيه الكفاية لمواجهة الأساليب الإسرائيلية الخلاقة والمتنوّعة والموجعة، العلنية والخفية، مع الأخذ في الاعتبار أن إسرائيل تتمتع بدعمٍ غير مسبوق من جزء كبير من دول العالم.

إيران تواجه تحدياتِ كبيرة

ويبدو أن إيران تواجه تحدياتِ كبيرةً في إجراء عملياتٍ استخباراتية خلف خطوط العدو والتي تحتاج فَهْماً عميقاً للثقافة المحلية والديناميات الاجتماعية للاندماج واستقطاب الموارد البشرية للمحافظة على شبكة من العملاء المحليين في بيئاتٍ معادية حيث تكون الولاءات معقّدة ومتغيّرة.

بالإضافة إلى ذلك، يجب الأخذ في الاعتبار قدرات العدو المتعلقة بمكافحة التجسس والتكنولوجيا اللازمة للكشف عن أنشطة التجسس وتحييدها، خصوصاً تدابير الأمن السيبراني القوي وقدرات تتبُّع الاتصالات واختراق الأنظمة والتدابير المضادّة للتجسس التي تملكها إسرائيل.

ومما لا شك فيه أن الحفاظ على سرية العمليات الاستخباراتية أمرٌ معقّد وصعب في عصر المراقبة والتسريبات.

إلا أن ذلك لا يمنع دولةً مثل إيران تتمتع بدعمٍ من حلفاء على علاقة وثيقة بالمجتمع الفلسطيني، من البحث عن طرق أخرى تبتعد عن العمل الظاهر لأن الحربَ مع إسرائيل مازالت في بدايتها، خصوصاً ان أميركا وإسرائيل والمجتمع الغربي لديها قدرات التسلل إلى المجتمع الإيراني واللبناني والعراقي والسوري على الرغم من جهود حلف المقاومة بالحفاظ على الأمن المشدَّد وإنشاء وحدات مكافحة الإرهاب والتجسس.

إذ تملك أميركا وإسرائيل تقنياتِ مراقبةٍ متطورة للاتصالات وتَتَبُّع التحركات وجمْع المعلومات عن بُعد وعن قُرب. كما تملكان قدرات حرب سيبرانية متقدّمة يمكنها اختراق الشبكات الإيرانية وجميع البيانات الحساسة.

الشتات الإيراني حول العالم

إضافة إلى ذلك، هناك شتات إيراني كبير في جميع أنحاء العالم يقدّم معلومات استخباراتية قيّمة. إذ توظّف استخبارات إسرائيل وأميركا عملاء يتمتّعون بفهْم عميق للغة الفارسية والثقافة الإيرانية ما يساعد على الاختلاط وجمْع المعلومات.

كذلك تدعم أميركا معارضين وتزوّدهم بالموارد والمنصات اللازمة، وتستغلّ الصعوبات الاقتصادية لتجنيد متعاونين بسهولةٍ أكثر، الأمر الذي سمح ببناء شبكة واسعة من المخرّبين داخل إيران ومجتمعها وكذلك داخل مجتمع حلف المقاومة.

وتَستخدم أميركا وسائل الإعلام التقليدية والاجتماعية لنشْر معلومات مضلِّلة والتأثير على الرأي العام وإيجاد ظروف مؤاتية لجمْع المعلومات الاستخباراتية وزرْع الشقاق بهدف إضعاف الأمن الداخلي.

ومن الطبيعي أن تتسبّب العقوبات والوضع الاقتصادي المتردي بحالة من اليأس والسخط داخل المجتمع الإيراني واللبناني والسوري، ما يسهّل عمليات التجنيد.

كما تَسَبَّبَ العداء لإيران منذ أكثر من 40 عاماً بوجود إستراتيجية تسلُّل استخباراتية راسخة وفعالة تتطلّب جهداً أكبر بكثير من أي دولة أخرى لمكافحتها وإقتلاعها أو التخفيف من أضرارها.

ولن تستطيع بيروت وطهران تقليص الفراغ الذي يسبّبه التفوّق التكنولوجي والخبرات الواسعة والاستخدام الإستراتيجي للنفوذ الاقتصادي والعمليات ذات البُعد النفسي لأميركا وإسرائيل والتسلل لمجتمعاتهما إلا بالاستثمار الطويل الأمد وتعزيز الأمن السيبراني والاستفادة من الذكاء الاصطناعي وتعزيز القدرات البشرية مع التركيز على الأفراد الخلاقين والكفاءة الثقافية واللغوية وتحسين البنية التحتية للاستخبارات والأمن وترقية القدرات التكنولوجية لمواكبة التطورات وحماية الاتصالات الحيوية وفرْض بروتوكولات أمنية تشغيلية صارمة على كل المستويات في الحكومة والجيش والقوة الأمنية، لمنع التسريبات والوصول غير المصرَّح به إلى المعلومات الحساسة وإجراء عمليات التقييم الأمني لتحديد نقاط الضعف المحتمَلة وتصحيحها ومكافحة التضليل وتعزيز المرونة النفسية بين السكان للحدّ من التعرض الأجنبي والتلاعب بالمعلومات.

... إنها حرب طويلة، حرب أدمغة وتكنولوجيا ولكن أيضاً بشرية تتطلب العمل المبدع غير الصاخب في غالبية الأحيان.

إيليا ج. مغناير- "الراي"
 

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا