عبارات قليلة كانت كافية لفضحهم ولكشف حقيقتهم الكاملة!...
غريب كيف استفزّت تصريحات مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، مجموعة من دول منطقتنا وشعوبها، حصراً، من دون سواها حول العالم، وذلك رغم أن المسؤول الأوروبي لم يقصد دولة بذاتها، بل تحدّث بشكل عام.
فهل هي "المسلّة" الموجودة "تحت باط" البعض، والتي "تنعرهم"؟ أو هل هذه هي عقدة الدونيّة التي تتمتّع بها بعض الشّعوب، والدول حول العالم، التي مهما تقدّمت بامتلاك الأموال، والتكنولوجيا، والعلوم، والصناعات... إلا أنها تبقى أسيرة ما في ماضيها من تخلُّف، وعقد، وأحقاد، ينقلها حكامها ورجال مالها وأعمالها معهم، الى كل مكان؟
تفسيرات
في جزء من كلمته التي ألقاها الأسبوع الفائت، خلال افتتاح الأكاديمية الديبلوماسية الأوروبية، قال بوريل إن "أوروبا حديقة. لقد بنينا حديقة، أفضل مزيج من الحرية السياسية، والرخاء الاقتصادي، والترابط الاجتماعي استطاعت البشرية أن تبنيه. لكن بقية العالم ليس حديقة تماماً. بقية العالم، أغلب بقيّة العالم هو أدغال".
وأضاف:"الأدغال يمكن أن تغزو الحديقة، وعلى البستانيين أن يتولوا أمرها، لكنهم لن يحموا الحديقة ببناء الأسوار. حديقة صغيرة جميلة محاطة بأسوار عالية لمنع الأدغال لن تكون حلّاً، لأن الأدغال لديها قدرة هائلة على النمو، والأسوار مهما كانت عالية فهي لن تتمكّن من حماية الحديقة. على البستانيين أن يذهبوا الى الأدغال، وعلى الأوروبيين أن يكونوا أكثر انخراطاً مع بقية العالم، وإلا فإن بقية العالم سوف تغزو أوروبا".
هذا ما قاله المسؤول الأوروبي، الذي لم يقصد منطقة من العالم بحدّ ذاتها. ولكن اللافت للانتباه، هو تباري معظم دول وشعوب الخليج، بضفتَيْه العربية والفارسية، بانتقاد كلامه، وبربطه بالعنصرية، وبالكراهية، وبالتعصّب، وبالتمييز، وبالتاريخ الاستعماري للأوروبيّين.
وحتى إن بعض دول الخليج استدعت القائم بأعمال رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي لديها، للحصول على تفسيرات حول كلام بوريل.
"أموال غزيرة"
قد تكون بعض الظّروف، والأموال، والصّدف، التي تلاقت مع بعضها البعض منذ عقود، سمحت لبعض دول منطقتنا بأن تكذب كذبة أنها نموذج للتسامح، والتعايُش، ونبذ العنصرية في هذا العالم، وبأن تصدّقها. ولكن الكذبة هي كذبة، ولا يُمكنها أن تكون حقيقة في أي يوم من الأيام.
والمُضحك بالأكثر، هو كيف أن تلك الدول التي تعتقد شعوبها أن العالم ينطلق من أموالها، ويعود إليها، تحمّست كثيراً لانتقاد كلام المسؤول الأوروبي، بينما كان يُمكن لشعوب الدول التي "تزوّد" أوروبا باللاجئين بشكل سنوي، أن تتفاعل مع كلامه (بوريل) على أنه إهانة ربما. ولكن ما حصل، هو أن بلدان "الأموال الغزيرة" في منطقتنا، هي التي شعرت بالإهانة.
كما كان يُمكن للأميركيين مثلاً، أن يتفاعلوا مع كلام بوريل على أنه "لطشات" مقصودة، خصوصاً أن الولايات المتحدة الأميركية تجني الكثير من ثمار الحرب الروسيّة على أوكرانيا، على حساب أوروبا. ولكن ما حصل، هو أن بلدان الأموال، والاستثمارات، والأعمال الكثيرة في منطقتنا، هي التي تعاملت مع الكلام الأوروبي "كمسلّة" "تنعرها" من "تحت باطها".
ثقة بالنّفس
فلماذا يا ترى، شعرت بعض دول الخليج بالإهانة الشخصيّة من كلام بوريل؟ وما هي هذه الثّقة بالنّفس، التي تظهر على الخليجيّين، خلال زياراتهم الدول الغربية، أو استقبالهم زعماء الغرب في بلدانهم، وتوقيعهم الاتّفاقيات الكثيرة معهم؟ هل هي ثقة مُفتَعَلَة بالنّفس؟
وماذا عن الأدغال التي لديها قدرة هائلة على النمو، والتي تحدّث عنها بوريل؟ هل هي الأدغال التي تموّل بعض دول منطقتنا نموّها، لإرسالها الى أوروبا والغرب، على سبيل "الغزو النّاعم" مثلاً؟ وإذا لم يَكُن الوضع كذلك، لماذا لا تستقبل دول الخليج آلاف اللاجئين، بدلاً من أن تتفرّج عليهم يموتون في البحار، في طريق هربهم الى القارة الأوروبيّة، خصوصاً أن تلك الدول (دول الخليج) باتت أرض الفرص والأحلام الكثيرة لمثل هؤلاء، الذين يرتبطون بالعُمق الخليجي ارتباطاً إيديولوجياً أيضاً، وقبل أي شيء آخر؟
الغرب "الكافر"؟
وماذا عن "أدغال" دعم وتمويل مدارس ومؤسّسات تابعة لـ "الأخوان المسلمين" في أوروبا والغرب، من جانب بعض دول الخليج، وذلك رغم قول حكامها إنهم يقاتلون هذا التنظيم؟
فهل هذا ما أحزن تلك الدول من جراء كلام بوريل مثلاً؟ وهل ان الأدغال تكون أدغالاً، عندما تهدّد بعض العروش في منطقتنا، فيما تتحوّل الى واحات من الحضارة الإنسانية، عندما تحقّق بعض الأهداف الإيديولوجية في الغرب "الكافر" مثلاً؟
الحقيقة
جوزيب بوريل اعتذر عن تصريحاته التي استفزّت مجموعة من أغنى دول منطقتنا، وشعوبها، الذين تباروا في مهاجمة كل ما له علاقة بأوروبا، مُخرجين من خزائنهم الكثير من الأحقاد الدّفينة.
ولكن الواقع هو أن تلك التصريحات فضحت ما في الكوامن، وما في عمق أعماق حقيقة البعض، الذين مهما كثرت زياراتهم، وابتساماتهم، وتوقيع اتّفاقياتهم، في أعرق الصّروح الأوروبيّة، إلا أن قلوبهم تحتفظ بالكثير الكثير ضدّ قارّة، يقبّلون يدها في العَلَن، و"يدعون عليها بالكَسْر" في سرّهم.
أنطون الفتى - وكالة "أخبار اليوم"
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|