محليات

متى يعود اللبنانيون الى لبنانهم..؟

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

طفلاً حزيناً يولد القمر أمام القطار المجنون بين لندن وباريس وتمسح مع مي رفيقة العمر دمعة الشيخوخة والشباب وقلق الإنسان وبؤسه الدفين هناك وهنا وفي أنحاء الأرض الفاقدة لصحّتها أو لمعاني قوتها الضائعة الذابلة. هي أرجوحة السفر بين البدايات والنهايات وأزمنة وأسئلة أطفالِ وإمبراطوريات متلاهلة لا أجوبة عنها سوى الصمت والتأمّل والإنتظار. ما أن تفكّ عقدة اللبناني أمام مستقبل بلاده ووحدتها حتى تبرز عشرات العقد الجديدة الغريبة المظلمة كما تحت بحر" المانش" أو فوق الغمام وأمامك السهوب التي تعميك بتحيات الخضرة الصباحية الراقصة أبداً تفرك عيونها. قد يسحبك الفكر والعلاقات المندثرة المندثرة بين "ساكس" البريطاني و"بيكو" الفرنسي وقد دمغا أرض العرب وإنتباهاتهم وثوراتهم وأفكارهم وماضيهم ومستقبلهم بعدما سحبت الدولتان تلك البلدان وتقاسمتهما من أيدي آل عثمان المقعدة في فراشها المرمية بين يدي رئيسها الحائر لاعب الكرة أردوغان قافزاً من زاويةٍ لأخرى وهو لم... ولن يصل. هو مستقبل الحكام المعاصرون في العالم! هو الشباب الراكض نحو الشيخوخة والعجز.
 

بصراحة، لسنا أهل للديمقراطيات في بلادنا؟ نحن لم نتذوق بعد طعم الديمقراطية والحرية. لم تتحرّر بلداننا في المشرق العربي بعد، لا بالمعنى السياسي ولا الثقافي، لأنّ أوروبا وأميركا ومعهما الصين ومعظم الدول الكبرى والصغرى تداهمنا مجددا وقد داهمتنا متزاحمة فوق طريق الحرير هناك بكلّ المعاني التجارية والعسكرية والإجتماعية والثورية. لا تدفعك المعضلات المطروحة هنا للبحث عن المستقبل بقدر تأخذك إلى الوراء للسؤآل مجدّداً مع أندره مالرو عن مستقبل هذا الإنسان الغربي إن كان ميتاً أو مقهوراً فوق هذه الأرض القديمة/الجديدة أم لا وتأخذك صفات الضياع لهذا الإنسان التائه الباحث المجنون عن لقمة الخوف من المستقبل في أرجاء الأرض.
أنا أتلمّس هذا الصباح اللبناني المنفوح ميّتاً بدوره اليوم فوق أرض لبنان أكثر من أية بقعة أخرى. جسّد نصّ ل: "بول فاليري"، كيفية إدراك الإنسان لفنائه في سعيه المجنون كاتبا:
"نحن نعرف أنّ حضارتنا فانية. سمعنا أحاديث عن عوالم زالت وإمبراطوريات إنهارت بكلّ ما تحمله وتظهره من رجالها وعتادها. كلّها سقطت في غور الزمان الذي يتعذّر كشفه مجدداً وتنظيفه وإظهاره جيّداً من بين الركام. سقطت مع ألهتها وقوانينها وقواميسها. إنّنا نرى هاوية التاريخ كبيرة بما يستوعب الجميع، ونشعر بأنّ للحضارة هشاشة الحياة ذاتها". أكاد أتقمّص مشاعر فاليري ونصه، مظهراً أنّ رغبة الحفر البشري في جبال المستحيلات قد تعيدنا إلى الكوارث والبربرية الأولى. يمكن دعم هذا الشعور وإظهاره عندما ندرك أنّ "الحضارة" المجنونة التي نركض خلفها مهدّدة مجدداً بما يعيد الأرض إلى ما قبل العصر الحجري بعدما ظهرت وأزدهرت الأسلحة النووية وشغلت شهية الدول، وكأنّ تلك الأرض قطعة مرمية جاهزة في اي لحظةٍ من تخلّيات الإنسان أو إلتوآت خياله وجنونه وحنينه إلى أجداده القرود، للتبدّد كما الرماد في مجرّات الفضاء.

 

أفكّر في القطارالذي ينهب الأرض بالوطن العربي لا العالم العربي أو الأوطان العربيّة وكأنّها لا تفترق عمّا أستعيده من صور قديمة قرأت عنها وعشتها في الجامعات في احضان لبنان والدول المدمّرة والمقسّمة والمهزومة والمدمّاة والمهدّمة في ذاكرات المدن العظيمة. لا فرق كبيراً بين مدن أوروبا ومدن العرب في العراق وسورية واليمن وغيرها وبين القارات والدول الأخرى في الصعود والهبوط.
لا أدري إن كان ما يحصل في فلسطين مثلاً هو خاتمة المطاف في بشاعة الرماد والتدمير والتبديد. هناك مشاعر يومية تجتاح جسد العرب اليوم من أنّ تغريدةً واحدة من بين أصابع مجنونة، قد تعيدهم إلى الجحيم أو الى الصحاري في إستعادة جاهزة للحروب الكونية كلفظة تتناقلها الألسن العظيمة وتردّدها الألسن التي تلثغ بكلّ اللغات.
لنعترف: منذ أن صارت القدس عاصمة فلسطين عفواً عاصمة "إسرائيل" يتروّض المصير عبر لوحات/فرمانات أميركا اليومية الممهورة بالمقعدين من رؤوساء العظمة أمام كاميرات العالم كان آخرها منح إسرائيل مثلا هضبة الجولان.

لا يمكن القول او الإحاطة بمعاني الجولان لمن لا يعرفها أو يعاينها من بعيد. الأخطر من كلّ هذا بما يتجاوز بكثير كلّ الأفكار الواقعية أو السيناريوهات الخيالية التي يتشاطر المحللون العرب في إظهارها حول "مستقبل القرن" ، أن نستفيق يوماً على ضمّ جبل الشيخ أو حرمون او قريتي الكفير وغيرها إلى "إسرئيل"بتغريدة سخيفة وكأنك طائر في قلب الغرب وكأنّك لم تخرج من رحم جبل حرمون وفيه ولدت ومهرت نصوصي بـ: "نسر حرمون".
هو جبل التجلّي فوق تاريخ الثلج "توران ثلجي" المحتضن مليار و250 مليون متر مكعب من المياه وفقا لدراسات النسر الجنوبي الدكتور الزميل بشارة حنّا. ليس هو جبل هاردوف الذي يزعم اليهود بأنّ إبراهيم الخليل قد صعد إليه مقدّماً إبنه ذبيحةً للخالق.

 

لا فضل للعرب في إقتباسهم لملامح أوروبا الجديدة بعد التهديم. أمس، عادت بلادنا إلينا وكانت مستعمرات أوروبا المرشوشة والزاهية أحياناً في الجنوب وسيطرنا إلى حدود معقولة على مصائرنا، بعدما عادت أوروبا المنزوعة السلاح والمبتورة للإعتناء بجروحها والبحث عن محو قرون من العداوات والأحقاد والنزاعات الحدودية والمنافسات العسكرية والكراهية.
هل نصدق وكيف نفسّرمن يدعون علناً أو يتمنون بعودة السيطرة علينا وهو ما هو حاصل وبأشكالٍ مختلفة؟
الجواب: عادت أوروبا إلى أوروبا ولا أعرف إلى أين تذهب أمامي الحدود المرسومة بين دول الشرق الأوسط في وزارات الخارجية لأحفاد سايس وبيكو وغيرهما الكثر؟
أجهل تماماً متى يعود العرب إلى العرب لأنهم لم يطلعوا بعد إلى فوق. العودة المجهولة والمرذولة لا تعني ابدا التحلّق والصراخ في سرير الجامعة العربيّة للإسترخاء والنوم والشخير، وخصوصاً أننا في الدنيا فوق حفافي الماء والكلأ مجدّداً عبر تغليب الإيمان والخوف على العقل وتصاعد الإيمانية الكارهة المنبعثة بقوّة هائلة في أميركا والروسيا وباكستان والهند وإيران ولبنان والعديد من البلدان العربيّة والعالم. صحيح أنّ لا فروقات كبيرة بين القارات والدول أو بين إنسان وآخر لكننا محاصرون بالإجابة على السؤآل:
هل يعود العرب إلى العرب؟
ومتى يعود اللبنانيون إلى لبنانهم؟
سؤآل اخير يعنينا جميعا ويحمل جوابه الصعب والمعقد، لسبب وحيد هو أن الحدود قد إندثرت وهي قيد الزوال فوق ألسنة فطاحلنا الصارخين ب لبنان الساحة، وإندثر معها بالطبع مصطلحات مثل السيادة والحريات واملأوا الفراغات ليبقى وطني في مهب الريح عبر سكك من قطارات لا تنتهي في العالم.  
بروفسور نسيم الخوري

شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا