مصالحة الأسد وإردوغان تغرق مجدّداً بالصراع مع طهران وأميركا؟
لا تيأس القيادة الروسية من محاولات ترتيب المصالحة التركية السورية، على الرغم من ممانعة الرئيس السوري بشار الأسد. فموسكو تدير الوضع في سوريا كميدان رئيس بمواجهة الاندفاعة الأميركية ضدّها في أوكرانيا. استعادة العلاقة بين دمشق وأنقرة خطوة رئيسة بالنسبة إليها لتحصين أوضاع النظام، ونفوذها، بموازاة اختراق القوات الأوكرانية منطقة كورسك.
أظهرت أنقرة إشارات إيجابية، وأتبعتها موسكو بإعلانها اشتراك طهران في جهودها. فهل تنجح المحاولة الجديدة أم الأخيرة المتوجّسة من تأثير المصالحة على نفوذها تبدي ليونة متّكلة على تشدّد الأسد؟ ثمّ أين واشنطن من خطوة كهذه؟
بعد تجديد فلاديمير بوتين جهوده لمصالحة الرئيسين السوري والتركي خلال زيارة الأسد موسكو في 25 تموز الماضي، تكرّرت شروط دمشق. فالأسد يصرّ على جدول زمني لانسحاب القوات التركية من الشمال السوري.
ومن دون العودة إلى المسلسل المملّ لوقائع جهود فلاديمير بوتين منذ عام 2022 لإنهاء القطيعة التركية السورية، ظهرت بوادر تفاؤل من موسكو، وتدرّجت المواقف كالآتي:
تصنيف الأسد لمواضيع الخلاف و”ورقة المبادئ”
1- قدّم الرئيس السوري في خطاب أمام مجلس الشعب في 25 آب مقاربة مرنة حيال أنقرة للمرّة الأولى. دعا إلى “إصلاح ما يمكن بعيداً عن آلام الجروح من طعنة صديق”، قاصداً وقوف إردوغان مع المعارضة ضدّ نظامه بعد ثورة الشعب السوري في آذار 2011. واعتبر أنّ سوريا “تعاملت بهذا الموقف مع جهود روسيا وإيران والعراق في شأن العلاقة مع تركيا”. بهذه العبارة أوحى الرئيس السوري باستعداده لتجاوز الأحقاد الشخصية مع إردوغان، بعد خيبته من صداقتهما “العائلية” في سنوات ما قبل الثورة. لكنّه ذكّر بمطلبه الانسحاب التركي من شمال سوريا. ورأى أنّ عدم وجود مرجعية للّقاءات والمبادرات السابقة كان سبباً في عدم تحقيق نتائج، مقترحاً التوقيع على “ورقة مبادئ” مشتركة.
وأضاف: “لا نعتقد أنّ هناك مشكلة في كلّ العناوين، سواء التركية أو السورية، وعندما يتمّ الاتفاق على هذه العناوين، يجب أن يصدر بيان مشترك من خلال لقاء بين المسؤولين من الطرفين”. لكنّه حصر الخلاف بأربع نقاط، مطلبَين لتركيا هما إعادة اللاجئين وموضوع الإرهاب، وما تصرّح به سوريا عن الانسحاب التركي من الأراضي السورية وموضوع الإرهاب.
إلا أنّ الرئيس السوري تجاهل دعوة القيادة التركية المتواصلة إلى الحلّ السياسي وفقاً لقرار مجلس الأمن الرقم 2254. فمن دون هذا الحلّ ترى أنقرة صعوبة في تحقيق هدفها، وهو إعادة النازحين، وضمان أمن الشمال وحدودها وبالتالي انسحابها. الأسد يرفض ربط المصالحة بالحلول السياسية للأزمة السورية، ويؤكّد المتّصلون عن قرب بالدائرة الحاكمة في سوريا لـ”أساس” الآتي:
– دمشق ترفض نقاش الحلول السياسية للأزمة مع الجانب التركي باعتباره “شأناً داخليّاً سوريّاً لا علاقة لأنقرة به”.
– حديث تركيا عن إجراء انتخابات سوريّة جديدة وفق تعديلات دستورية، أمر يقرّره السوريّون وحدهم.
– تجديد اجتماع اللجنة الدستورية التي تشكّلت بعد اجتماعات أستانا التي تضمّ روسيا وإيران وتركيا (وسوريا) في أيلول 2019 يواجه صعوبات. فبعد 8 جولات فاشلة في جنيف، يشترط النظام انعقادها في دمشق، وهو ما ترفضه المعارضة. وحين أبدى الطرفان استعداداً لقبول اجتماعها في السعودية، سألت الأخيرة عن ضمانات نجاحها قبل استقبالها.
2- جاء الصدى التركي في 31 آب على لسان وزير الدفاع يشار غولر فاعتبر كلام الأسد “إيجابيّاً” للغاية. وأكّد “مصلحة البلدين إنهاء حالة الصراع في أقرب وقت والعودة إلى الأنشطة الطبيعية بينهما”. هذا مع استمرار العقبات الكثيرة المذكور جزء منها أعلاه، وعلى الرغم من الجديد في موقف الأسد. وإذ اعتبر غولر أنّه “لا توجد مشكلة بين تركيا والنظام السوري لا يمكن حلّها”، لم تفُته الإشارة إلى الآتي:
– تركيا هي الدولة التي تحمّلت العبء الأكبر مادّياً ومعنوياً واجتماعياً للأزمة الإنسانية الناتجة عن النزاع في سوريا.
– أنقرة لا يمكن أن تناقش التنسيق بشأن الانسحاب من سوريا إلا بعد الاتفاق على دستور جديد وإجراء انتخابات وتأمين الحدود.
– قال غولر: حالياً تُعقد الاجتماعات مع النظام السوري فقط في أستانا بمشاركة إيران وتركيا وروسيا. وكان “أساس” أشار سابقاً إلى التحضيرات لتنسيق أمنيّ على الحدود في اجتماعات ثلاثية روسية تركية سورية عام 2023. ووصف وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف تلك الاجتماعات قبل يومين بأنّها عقدت “بشقّ النفس”.
– رأت موسكو أنّ هذه الاجتماعات تقارب الهواجس الأمنيّة لأنقرة من وجود الـ”بي.كي.كي” (حزب العمّال الكردستاني). فأنقرة تعتبره إرهابياً، وتتّهمه بالعمليات ضدّ قوّاتها عبر الحدود في سوريا والعراق. وبعض الاجتماعت عُقدت في بغداد. وللجيش التركي هدف معلن هو إقامة حزام أمنيّ متّصل على حدود البلدين.
– لكنّ غولر قال أيضاً إنّ تعاون أميركا مع حزب العمّال الكردستاني وقوات حماية الشعب لا يتوافق مع روح التحالف مع تركيا. وبدا أنّ أنقرة تشدّد على خيارها التعاون مع روسيا على الرغم من عدم تسامح واشنطن مع الدول التي تقوم بذلك بسبب حرب أوكرانيا. ويذهب الجانب التركي إلى هذا القدر من الخلاف مع أميركا لدعمها الأكراد في سوريا لأنّ الأمر يمسّ بالأمن القومي لتركيا.
– 2254 قال غولر إنّ هدفنا حلّ سياسي في دمشق على أساس قرار مجلس الأمن الرقم.
3- في اليوم نفسه أعلن لافروف أنّ اجتماعاً سيعقد بين روسيا وتركيا وسوريا وإيران “في المستقبل المنظور لبحث التطبيع بين أنقرة ودمشق”. لم يذكر مستوى الاجتماع، لكنّ التسريبات أشارت إلى أنّه على مستوى وزاري لا رئاسي. فالتكهّنات التي ساهم إردوغان في استعجالها مطلع آب الماضي عن قرب لقائه الأسد، تبدّدت بسرعة بشروط الأسد. كان ذلك تكراراً لما حصل طوال عام 2023. وانطوى إعلان لافروف على الجديد الآتي:
– في اليوم التالي 1 أيلول، حذّر لافروف “الإدارة الذاتية” في شمال شرق سوريا من “مصير مشابه للأفغان الذين وثقوا بواشنطن”. أشار بذلك إلى انسحاب الأميركيين من أفغانستان عام 2021، مخلّفين وراءهم الأفغان الذين تعاونوا معهم لقمة سائغة لـ”طالبان”. كشف رئيس الدبلوماسية الروسية بذلك بعض خلفيّات إصرار موسكو على التطبيع بين تركيا وسوريا. فما يهمّ الكرملين التخلّص من الوجود الأميركي كي يستفرد هو ببلاد الشام. ولطالما كان ذلك هدفاً لموسكو في صراعها مع الغرب منذ اندلاع حرب أوكرانيا. وموسكو تعتمد سيناريو للبحث في انسحاب تركيا من شمال سوريا، يوازيه إفقاد الجيش الأميركي مبرّر وجوده. يقضي السيناريو بتبديد هواجس أنقرة الأمنيّة عن طريق فتح حوار بين “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) والنظام بداية. وهذا يعيد مناطق سيطرة “قسد” إلى كنف دمشق، ويطمئن أنقرة إلى أمن حدودها. وعليه تفضّل أن يُبحث انسحاب تركيا في الاجتماعات السورية التركية. وطمأن لافروف إلى استعداد تركيا لمناقشة انسحابها.
– إنّ ضمّ إيران إلى جهود التطبيع السوري التركي هو استدراك روسي للتحفّظ الضمنيّ لطهران على المصالحة. فـ”حرس الثورة” الإيراني يخشى أن تخلط الأوراق حول تموضع النفوذ العسكري في بلاد الشام. فضلاً عن الأثر السلبي لعودة النازحين السوريين من تركيا إلى شمال شرق البلاد، الذي يفرض تصحيحاً ديمغرافياً وسياسياً وانسحاب ميليشيات موالية لطهران… كما يرتّب وجوداً اقتصادياً واستثمارياً تركيَّين في البلاد ينافسان طهران. تكرّر بهذا الاستدراك اضطرار موسكو إلى إشراك طهران في جهود التقارب التركي السوري عام 2023، لأنّ شروط الأسد حينها، وحالياً، انعكاسٌ للتحفّظ الإيراني.
وللتذكير أنّ الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي زار دمشق في 3 أيار 2023 ووقّع اتّفاقات مع الأسد في سياق التمسّك بتفوّق مصلحة طهران على مصالح تركيا. وإيران ليست في وارد خفض وجودها في سوريا ما دامت المواجهة مع أميركا مستمرّة، سواء بسبب دورها عبر أذرعها في حرب غزة وفي الإقليم، أو بفعل ملفّها النووي… وبالحصيلة تتوقّع أوساط سورية متابعة لـ”أساس” أن تتهاون طهران وتترك للأسد أن يتشدّد، فيحيل الآمال الروسيّة إلى “طبخة بحص”.
4- ما لم يأخذه الكرملين والقيادة التركية وإيران في الحسبان أنّ واشنطن متوثّبة بفعل رصدها للدورين الروسي والإيراني. ففي اليوم نفسه لتصريحات لافروف السبت الماضي، تقصّد مساعد نائب وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى، إيثان غولدريتش، الإعلان أنّ القوات الأميركية لن تنسحب من سوريا. على العكس، تسرّبت أنباء بثّها “المرصد السوري لحقوق الإنسان” عن “وصول تعزيزات عسكرية أميركية إلى شمال شرق سوريا، عبر الجوّ والبرّ لدعم وحماية وتأمين القواعد الأميركية”.
ذكر المرصد أيضاً أنّها وصلت عبر 12 طائرة شحن، وعبر البرّ في 107 شاحنات وسيّارات، “بعضها محمّل بأسلحة متطوّرة وصواريخ ومعدّات عسكرية وذخائر، توزّعت على قواعد ريف الحسكة، حقل العمر النفطي وقاعدة “كونيكو” بريف دير الزور”.
هذه التعقيدات وغيرها من تأثير حسابات حرب أوكرانيا ومواقع الدول في حرب غزة… تفرض حسابات كثيرة على اللاعبين على المسرح السوري والطموحات الروسية للتقارب السوري التركي.
وليد شقير - اساس ميديا
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|