الصحافة

في 14 أيلول 1982...هكذا أنقذني من الموت

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

في مثل هذا اليوم قبل أثنتين وأربعين سنة أنقذ حياتي. وله يعود الفضل، بعد ربّ العالمين، بأني لا أزال أتنفس حتى الساعة.

لأنني كنت أعتقد أن صداقة غير كل الصداقات كانت تجمعني به، مع ما يصاحبها من احترام ورهبة، كلفتني إدارة "الوكالة اللبنانية للأنباء"، ومنذ اليوم الأول لانتخابه رئيسًا للجمهورية، أن أرافقه في حلّه وترحاله؛ وكانت كثيرة. كأنه كان يدرك أن أيامه على الأرض ستكون قصيرة، ولذلك أراد أن يملأ كل ثانية مما تبقّى له من وقت حركة لا تستكين ولا تهدأ. كنت أقصد منزله الزوجي في الأشرفية صباح كل يوم لننطلق في جولاته على النواب، سواء الذين صوتوا له أو الذين لم يصوتوا. وكان يكّن لمن رفض التصويت له الاحترام نفسه الذي في قلبه لمن رأى فيه مشروعًا إنقاذيًا، ومن بينهم الرئيس كامل الأسعد والنائب عثمان الدنا.

ومن بين النواب الذين رفضوا النزول إلى المدرسة الحربية في الحازمية لتأمين نصاب جلسة الانتخاب النائب الدكتور ألبير مخيبر. وبعد انتخابه رئيسًا أصر بشير الجميل على أن تكون أولى زيارات الشكر لمخيبر في منزله في بيت مري. لا أزال أذكر تلك اللهفة وتلك الحفاوة، التي لاقاه بها "الحكيم". وما قاله له في تلك اللحظة لا تزال كلماته تصدح، وقد سبقني إلى تدوينها الوزير والنائب الصديق ملحم الرياشي، وكان من بين أكثر المقربين إلى النائب مخيبر. وعلى رغم أهمية الكلام الذي قاله الدكتور مخيبر للشيخ بشير، وفيه الكثير من الحكمة والفروسية، فإن ما قاله يومها الرئيس المنتخب للنائب المسيحي الوحيد في المنطقة الشرقية، الذي تجرأ ولم ينزل إلى المدرسة الحربية، ولكنه قال للوزير السابق المرحوم ميشال المر ما معناه إذا كان النصاب يحتاج إلى صوتي فأنا على استعداد لتأمينه، ولكني لن انتخب بشيرًا، أذهل جميع الحاضرين وكانوا كثرًا، وأتحفظ على ذكر الأسماء لئلا تخونني الذاكرة وأنسى ذكر من لا يجب أن يُنسى. قال له، وبشيء من الخجل؛ وكانت هذه سمة مميزة لدى بشير الجميل، الذي جمع بين قوة الشخصية وذاك الخجل، الذي جعله قريبًا أكثر من الناس: جيت يا حكيم حتى أشكرك لأنك بعدم تصويتك لي أعطيت صورة جلية عن الديمقراطية الحقيقية، وخليتني أشعر بأنو بعد في رجال بهيدا البلد بتقول رأيها بكل حرية وراحة ضمير من دون ما تحسب حساب لأي شي آخر. هيك عرفناك حكيم وهيك بدنا ياك تضّل. جيت اتشكرك لأنك بعدم تصويتك ألي عطيتني تدرس مش راح انساه طوال حياتي. وعندها قال له الدكتور مخيبر الكلام الذي ورد في كتاب "البير مخيبر" الصادر عن دار المشرق العام 2022.
 

وبالعودة إلى يوم 14 أيلول من العام 1982، وكالعادة رافقته في جولته؛ وكان له لقاء غداء مع راهبات دير الصليب، ومن بينهن شقيقته الأخت أرزة. بعد الغداء قال لي، وهي آخر كلمات سمعتها منه، "الله يقويك "دده". بكفّيك اليوم. روح ارتاح وبشوفك بكرا. أنا بعد الظهر ما عندي شي ورايح بس على اجتماع حزبي ببيت كتايب الأشرفية". ودعته وانصرفت إلى "تفريغ" كلمته، و"ترجمتها" من اللغة المحكية إلى اللغة العربية ومن ثم توزيعها. عدت إلى البيت على غير عادتي، فتفاجأت بي زوجتي أرليت وسألتني عن سبب عودتي باكرًا، فقلت لها إن ليس لدى الشيخ بشير أي نشاط غير اللقاء في بيت الكتائب. وما أن أسندت رأسي على المخدة، وكانت الساعة الرابعة وعشر دقائق، حتى سمعنا صوت انفجار، وكان منزلنا في حي البرجاوي في الأشرفية، فأفقت مذعورًا، وقلت لزوجتي "راح بشير". أسرعت إلى بيت الكتائب في الأشرفية، فوصلت إليه مشيًا على الأقدام بصعوبة. لم نـتأكد عن حقيقة استشهاده، لأنني رأيت يومها الصديقين عاطف زلاقط وايلي اندريا خارجين من تحت الركام مدممين، وكانا يجلسان بالقرب من بشير في اللقاءات الحزبية. قصدت مبنى جريدة "العمل" في الكرنتينا، حيث كنت أعمل أنا وأرليت. وكانت ساعات ثقيلة قضيناها بين الشك واليقين حتى جاءنا أستاذ جوزف أبو خليل وقال لنا بأنه تم التعرف على جثة "البشير" من محبسه السداسي الأضلع.
كان حلمًا وأنطفأ.

شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا