الصحافة

التّفاهة السّياسيّة وانتخاب رئيس

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

يخيّل إلى متلقّف تصريحات السياسيين اللبنانيين عن عملية انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية، بعد طول فراغ رئاسي، أنّه يتابع عمليةً انتخابيةً لبنانيةً بحتة. الفاعلون فيها لبنانيون لا تشوب ولاءهم للبنان شائبة. قرارهم لبناني صرف. لا تؤثّر فيه الأحداث الجارية في المنطقة والعالم.

نحس الرقم 13

كأنّ الحديث عن انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية يدور في بلد استقلاله ناجز، ومؤسّساته ضاربة في الديمقراطية والعراقة والقدم. رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري يدعو إلى جلسة حوار في البرلمان، ينتقل المتحاورون بعدها إلى صناديق الاقتراع لينتخبوا رئيساً للجمهورية.

يؤيّده في طرحه هذا الأمين العامّ للحزب السيّد حسن نصر الله، ورئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل. بينما يعارضه رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، إذ يصرّ على التوجّه فوراً إلى صناديق الاقتراع عملاً بالدستور، لانتخاب رئيس.

مواقف المسؤولين والسياسيين اللبنانيين هذه، عملياً، تمحو تاريخاً لبنانياً عمره على الأقلّ ثمانون سنة. وكأنّ لبنان لم يشهد عملية انتخاب لرئيس للجمهورية سابقاً. وكأنّ 13 رئيساً لم يتداولوا حكم البلاد منذ الاستقلال عام 1943. ربّما هو النحس الذي يرافق الرقم 13. ربّما كان علينا أن ننتقل من الرئيس الثاني عشر إلى الرابع عشر تلقائياً، لتجنّب هذا الفراغ وهذا الدرك الذي وصلنا إليه. ولكنّ الذي حدث حدث وقُضي الأمر، أو قضت الجمهورية اللبنانية.

شيء من التّاريخ

نظرة سريعة إلى معارك انتخاب رؤساء الجمهورية السابقين والاستحقاقات الرئاسية السابقة، تدحض دحضاً كاملاً التصريحات المنظّرة لعملية الانتخاب. لم يصل رئيس لبناني واحد قطّ إلى سدّة الرئاسة، بإرادة لبنانية لا تشوبها إرادات إقليمية ودولية.

يستثني البعض الرئيس سليمان فرنجية الجدّ من هذه المعادلة، ولا يستثنيه منها قسم كبير منهم، على الرغم من فوزه بالرئاسة بفارق صوت واحد عام 1970. فاز الشيخ بشارة الخوري عام 1943، نتيجة صراع فرنسي ـ إنكليزي، تحت ناظرَي سوريا ورعايتها. بعده تولّى كميل شمعون الرئاسة نتيجة تسوية إنكليزية ـ سورية ـ مصرية. يومها نام حميد فرنجية رئيساً وصحا على منافسه كميل شمعون في قصر الرئاسة.

عام 1958، وصل إلى سدّة الرئاسة اللواء فؤاد شهاب نتيجة توافق أميركي ـ مصري. تجدّد التوافق نفسه عام 1964 على شارل حلو. عام 1970 كانت موازين القوى متعادلةً. فاز سليمان فرنجية بصوت واحد. بعده، عام 1976، توافق السوريون مع الأميركيين على الياس سركيس. عام 1982، انتُخب بشير الجميّل بقرار أميركي، وبلا رعاية إقليمية وفي ظلّ اجتياح لبنان من قبل إسرائيل. ربّما لذلك انتُخب ولم يصل إلى القصر. اغتيل على الطريق من الأشرفية إلى مقرّ الرئاسة الأولى. كانت تلزمه رعاية عربية، وتحديداً سوريّة.

بعد بشير وصل إلى سدّة الرئاسة شقيقه أمين الجميّل. أيّد ذلك الأميركيون، وكذلك السوريون ومنظمة التحرير الفلسطينية. عام 1988، لم يتّفق الراعي الدولي والراعي الإقليمي على رئيس. تأجّل الأمر سنةً كاملةً وانتُخب رينيه معوّض. لكن سرعان ما خرج من المعادلة. اغتيل معوّض قبل أن يحكم.

بعده مباشرةً توافق السوريون والأميركيون على الياس الهراوي، فحكم وجدّد. عام 1998، اتّفق السوريون مع الأميركيين على قائد الجيش العماد إميل لحّود، فحكم ستّ سنوات ومُدّد له أيضاً. عام 2004، لم يتّفقوا على التجديد له، فمدّد لو السوريون بقرار أحاديّ.

آنذاك دخل لبنان نفقاً مظلماً انتهى إلى فراغ ثمّ تسوية برعاية مصرية وموافقة أميركية أوصلت قائد الجيش العماد ميشال سليمان إلى سدّة الرئاسة. ثمّ عاد الفراغ، وبقي مخيّماً إلى حين انتخاب العماد ميشال عون، بتسوية على مضض سرعان ما أعادت البلاد إلى الفراغ، لكن بانهيار اقتصادي وشلل مؤسّساتي لا تزال جمهورية الأرز ترزح تحت أعبائهما حتى اللحظة.

لا تسوية… لا مستقبل

كلّ عهد وصل رئيسه إلى سدّة الرئاسة من دون تسوية أو اتّفاق إقليمي دولي واضح المعالم، انتهى إلى كارثة:

ـ في عهد سليمان فرنجية اندلعت حرب أهلية استمرّت 15 سنةً. بشير الجميّل لم يحكم. رينيه معوّض كذلك. إميل لحّود الممدَّد له كادت سنوات التمديد له تطيح بلبنان وطناً ومجتمعاً ودولةً، وأطاحت بسياسيّين كثر على رأسهم الرئيس الشهيد رفيق الحريري الذي قضى اغتيالاً. ثمّ عهد ميشال عون الذي أوصل البلاد إلى جهنّم كما قال، ولا نزال نكتوي بنيرانها إلى اليوم.

إذاً المطلوب اليوم تسوية واضحة المعالم تأتي برئيس يوصل البلاد إلى برّ الأمان. من دون ذلك ستكون النتيجة معروفة والشواهد عليها والأدلّة أكثر من أن تحصى. في ما سبق شيء منها. لكن كيف تكون تسوية في ظلّ مواجهة مفتوحة في المنطقة والعالم؟ الحرب الإسرائيلية على غزة وربطها بجنوب لبنان مستمرّة منذ 11 شهراً، ولا أفق لحلّ قريب لها في ظلّ فشل مساعي وقف إطلاق النار كلّها. والحرب هذه مواجهة واضحة المعالم والأركان: من جهة إيران وأذرعها العسكرية دولاً وأحزاباً وفصائل، ومن جهة ثانية أميركا ورأس حربتها إسرائيل مدجّجةً بغالبية دول العالم.

الراعي الدولي أو الطرف الدولي الأقوى والجهة الإقليمية الأبرز والأكثر حضوراً في مواجهة علنية في ظلّ شبه غياب عربي، فكيف تُنجَز تسوية، وكيف ننتخب رئيساً؟ وإذا ما تجاسر النواب اللبنانيون وتوافقوا على رئيس، وهذه من المستحيلات بناءً على تاريخنا الطويل، وانتخبوه، فكيف سيحكم؟ كيف سيعيد العرب إلى لبنان لينهض الاقتصاد اللبناني مجدّداً؟ وأيّ وجهة في السياسة الدولية سيختار: الشرق فينفضّ الغرب بمفاتيحه عنّا، أو الغرب فيحرق الشرق الأخضر واليابس؟ أم ننتخب رئيساً أشبه بلاعب السيرك، يمشي بخطى بهلوانية على حبل يلتفّ حول عنق الجمهورية اللبنانية فيقطع عنها كلّ أوكسيجين؟

الديمقراطية متعثّرة في لبنان منذ كان. وتتوافق عن قصد أو بغيره “جبهة السيادة” و”جبهة الممانعة” على السجال السياسي مصحوباً بمخاطبة المنحطّ والأقذر في طبيعة الغلبة الغالبة من اللبنانيين. يتناسى الجميع أنّ الشرق مظلم سياسياً، وعلى خلاف مع الديمقراطية الليبرالية وتطوّر الأنظمة. ولا أحد يسأل: كيف ننتخب رئيساً والبلد في مواجهة مفتوحة داخلياً ومع الخارج؟ إذاً نحن أمام تفاهة سياسية في “متلازمة” انتخاب رئيس للجمهورية، كما غيرها من تعقيدات الاجتماع السياسي اللبناني.

أيمن جزيني - اساس ميديا
 

شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا