خارطة انتشار الكوليرا تتسع في لبنان : مخاوف كبيرة واستعدادات خجولة.. وماذا عن تلوّث مياه الصهاريج؟
تتّسع خريطة انتشار الكوليرا في لبنان، فيما تتصرّف الدولة ببطء لمواجهة مرض يمكن احتواؤه، في حال خضوع المريض للعلاج مع السّاعات الأولى لبدء العوارض، كما أنّ الوقاية منه ليست بهذه الصعوبة. لكنّها عادة الدولة، التي لم تفعل شيئاً لتحدّ من وصوله إلى لبنان، بعد شهور من انتشاره في كلّ من سوريا والعراق.
حال المنظمات الدولية ليست أفضل، وهي التي احتجّت بالجهات المانحة لتحجب المياه النظيفة عن النازحين السوريين وتوقف نقل مياه الصرف الصحي. وعندما تقرّر اليوم أن تعيد هذه الخدمات إليهم، تميّز بين سوري ولبناني، علماً أن مياه الصرف الصحي التي تنتجها المخيّمات تصبّ في أراضي اللبنانيين.
أما المقيمون، فيتصرّف بعضهم بلامسؤولية واضحة. في البقاع يهرب مريضان في حالة خطرة من المستشفى، وفي طرابلس يتصدّى الأهالي لمحاولة قوى الأمن إقفال سبيل مياه ثبت تلوّثه. في ظلّ هذا الواقع، لا تشكل الأخبار عن فحوصات تثبت تلوّث المياه إلا في رفع نسبة الخوف والقلق لدى المواطنين، ولا يجد المسؤولون سبيلاً إلى الحلّ إلا بالدعوة إلى استخدام الكلور!
في محاولة تتبّع المريض الرقم صفر بالكوليرا في لبنان، لا تكفي العودة إلى سوريا فقط، بل إلى العراق أيضاً، الذي تشهد محافظاته الشمالية تفشياً جديداً للمرض لم يحصل منذ 10 سنوات، من دون تسجيل وفيات حتى اللحظة. أما في سوريا، وعلى مقربة من الحدود اللبنانية، فتنتشر الكوليرا بشكل كبير. ولمكافحتها أنشأت الدولة السورية مستشفيات الاستجابة الأولية، ومستوصفات مخصّصة لإعادة ترطيب أجسام المرضى فقط (تعليق الأمصال)، وذلك في طرطوس، القصير، وقرى الجرود على السلسلة الشرقية، إلا أنّ المناطق الأشدّ تضرراً هي المحافظات الشمالية، سيّما الرقة ودير الزور حيث يزيد عدد الحالات المشتبه بها عن الألف في كلّ مقاطعة (قضاء) من المحافظة، وحيث تمّ إنشاء مستشفيات متخصّصة في علاج الكوليرا فقط، وصل عددها إلى 14.
ما سبق، يدفع للاستنتاج أنّه رغم وجود حالة طوارئ في بلد مجاور، بقيت حركة الناس عبر المعابر البرية معه طبيعية، لا تشهد أي إجراءات استثنائية. بالتالي، كان وصول الكوليرا إلى لبنان مسألة وقت فقط، وتطوّرت لبنانياً نتيجة لانهيار الخدمات الصحية في البلاد تبعاً للأزمة الاقتصادية.
حركة الناس بحرية بين بؤر التفشي وبين المناطق السّليمة ستؤدي حتماً إلى انتشار أوسع على الخارطة اللبنانية، أمس دخلت الضاحية الجنوبية وقرية زفتا الجنوبية سجلّ الحالات، ولا يُستبعد أن تنضمّ مناطق أخرى في الأيام المقبلة في حال بقي العلاج على عاتق منشورات التوعية فقط، من دون معالجة الأسباب المتعلقة بتوفر الكهرباء، وتشغيل محطات تكرير المياه وضخّها.
إلى ذلك أثار إعلان بلدية الغبيري عن نتائج الفحوص التي أجرتها لعيّنات أُخذت من مياه الصهاريج حالة من القلق لدى المواطنين بسبب عدم مطابقتها للشروط الصحية التي تتيح استخدامها. وفي انتظار الإعلان عن نتائج تحاليل عيّنات أُخذت مباشرة من النواعير التي تُملأ منها الصهاريج المياه، تبقى النصيحة المتاحة تعقيم المياه بالكلور.
وكشفت نتيجة الفحوص التي أجرتها بلدية الغبيري لعيّنات من مياه الصهاريج التي توزّع على المنازل عن وجود جراثيم ناجمة عن خلط المياه مع الصرف الصحي، وعن جراثيم مقاومة للحرارة. وهذا يعني أن مياه الاستعمال التي نشتريها يومياً ملوّثة، ما يؤكّده مدير عام مؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان جان جبران في حديث مع «الأخبار»، بقوله «كثير من هذه الآبار غير نظيفة وغير مطابقة للمواصفات».
الوضع في عرسال
وصل عدد المصابين بالكوليرا في بلدة عرسال إلى 17 حالة مؤكدة، من النازحين السوريين المقيمين فيها، في انتظار نتائج فحوص ثلاثين مريضاً يعانون من عوارض المرض.
هذا الوضع «المقبول» حتى الآن، يقابله «تراخ» في متابعة أحوال المصابين بالكوليرا، فقد كشف النائب ملحم الحجيري عن «نقله حالتين بسبب خطورة وضعهما إلى مستشفى شتورا، إلا أنهما تمكنتا من الفرار منها»، محذّراً من أن يؤدي «تفشي المرض إلى كارثة صحية كبيرة، لذا لا بد من حصر المصابين ومعالجتهم بالإضافة إلى زيادة عدد العيّنات للأشخاص الذين يعانون من عوارض شبيهة بعوارض الكوليرا».
ماذا عن طرابلس؟
لم يتجاوز عدد المصابين بالكوليرا في طرابلس أصابع اليد الواحدة، حتى الآن، بحسب تقرير الترصّد الوبائي الذي تصدره وزارة الصحّة يومياً، إلا أنّ أحداً في المدينة لا يخفي مخاوفه من احتمال تفشّي المرض فيها. وهي مخاوف مشروعة في ظلّ عدم اتخاذ الإجراءات الوقائية اللازمة على صعيد تلوّث مياه الشرب، واهتراء قسم كبير من شبكة مياه الصرف الصحّي خصوصاً داخل المناطق الشعبية والفقيرة، وعدم وجود رقابة جدّية على المنتجات الزراعية التي تبيّن أنّ قسماً كبيراً منها يُسقى بمياه ملوّثة.
في هذا الوقت، يحضّر مستشفى طرابلس الحكومي نفسه لمواجهة تحديات انتشار المرض الكوليرا، ويوضح مدير المستشفى ناصر عدرة لـ»الأخبار» أنّه تم تخصيص «35 سريراً لمرضى الكوليرا، وخلال أسبوع إلى 10 أيّام سيكون هذا القسم مُجهزاً ومهيئاً بالكامل»، لكنه لا يخفي قلقه من «عدم قدرة المستشفى على الاستيعاب في حال تفشي المرض، عندها سنكون في أزمة حقيقية».
أصحاب الصهاريج: لا داعي للقلق!
تتولى أكثر من 10 شركات توزيع مياه صهاريج الخدمة المنزلية في بيروت. خزاناتها ممهورة بعبارة «مياه حلوة» مع رقم الهاتف. أبرزها: أبو الذهب، علاء الدين، رسلان، أبو الشوق، نعمة، الأسمر، مصطفى، زعيتر، فنيش، صقر، عليان... تطوف يومياً في شوارع المدينة وضواحيها، لتلبي خدمة يزداد الطلب عليها يوماً بعد يوم، بعدما غابت مياه الدولة هذا الصيف بحجة غلاء المحروقات وعدم توفر «الفريش دولار» لإجراء الصيانة اللازمة للإمدادات.
تأتي هذه الصهاريج بالمياه من «النواعير» الموجودة في الحازمية وتحويطة فرن الشباك والدكوانة، علماً أن المياه غنية في المنطقة الممتدة من خط خلدة مروراً بالشويفات، الحازمية، فرن الشباك وصولاً إلى المرفأ. أما أبرز النواعير التي يلجأ إليها أصحاب الصهاريج فهي ناعورة مرهج، جوزيف، بيتر النداس، أمّ بشارة. وثمة نواعير في قلب الضاحية الجنوبية، في برج البراجنة ومحيط المطار، تعتمدها بعض الصهاريج رغم ملوحة مياهها. والنواعير عبارة عن آبار.
يرى مالك أحد الصهاريج في إثارة موضوع الصهاريج اليوم «ضجة إعلامية فقط. لا جديد في الأمر، أجروا فحوصات للمياه أكثر من مئة مرة، وتبيّن أنها غير صالحة، ولم يقوموا بأي إجراء». رغم ذلك، يؤكد أن لا شيء يستدعي الخوف والقلق «إلنا عمر بهالمصلحة مش يوم واتنين».
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|