محليات

بعد الليلة الأطول في حياتهم.. بيروت تتحول "عاصمة النازحين"

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

"تجمّعت أنا وأطفالي في غرفة واحدة. أغار الطيران الإسرائيلي عدة غارات متتالية على الصرفند. أعمدة الدخان الأبيض تُحاوط المنزل. القصف تواصل من جميع الجهات. صوت الطيران لا يهدأ، والدمار في كلّ مكان. توجهنا إلى الشارع، وانطلقنا عند الثانية عشر ظهرًا في سيارة جارنا نحو مدينة بيروت. عائلتان في سيارة واحدة فقط".

السيدة خديجة (41 عامًا، والدة لطفلين- من بلدة الصرفند)، نازحة لبنانية في بيروت، تروي لـ"المدن" تفاصيل يوم أمس، فتقول: "يوم أسود. أهالي الصرفند في الشوارع، زحمة سير خانقة. استغرق الوقت أكثر من ساعة ونصف الساعة للخروج من مدخل البلدة".

ليلة قاسية
"في الغازية، توقف السير بشكل كامل، علقت العائلات داخل سياراتها. بدأ أطفالي بالبكاء، يطلبون الماء والدخول إلى المرحاض، لكن هذه الأمور غير متوفرة ومستحيلة. كان الخوف الأكبر من أي غارة فُجائية على شارع الغازية، فتموت آلاف العائلات. بدأت شبكة الاتصالات تضعف، وانطفأت الهواتف الخلوية نتيجة نفاد البطارية. حاولنا البحث عن محطات للوقود، وإلى جانبي العديد من السيارات التي توقفت بسبب نفاد مادة الوقود منها أيضاً. كما إن إحدى النساء الحوامل احتاجت إلى ممرضة لتساعدها على الولادة، لكن هذا الأمر لم يتوفر أيضًا وكان وصول سيارات الاستعاف إلى المنطقة صعبًا جدًا".

وتتابع: "كان الليل طويلًا، حاولت تهدئة الأطفال، لم يُغادرنا الخوف بأنواعه؛ الخوف من الموت، أو من عدم القدرة على تأمين احتياجات الأطفال الأساسية كالماء والحليب والحفاضات، أو من قصف المدنيين فجأة. استغرق الوصول إلى بيروت 15 ساعة، رافقنا الأرق والقلق، وصلنا إلى مدينة بيروت وتوجهنا نحو مدرسة رسمية في منطقة رأس النبع".

وتضيف لـ"المدن": "لم نتمكن من تأمين أي منزل، سنبقى لأيام في هذه المدرسة، وعلى ما يبدو أن جميع المناطق لم تعد آمنة. لكن المشكلة التي نواجهها اليوم هي حاجتنا إلى الطعام واللباس وللمال أيضًا، فالكثير من العائلات تركت منازلها فجأة ولا تملك المال الكافي للتحرك". الثالث والعشرون من أيلول العام 2024 تاريخ طُبع في ذاكرة اللبنانيّين، وهو تاريخ جديد يُضاف إلى سجلات الدولة اللبنانيّة مع المآسي والأحداث السوداء منذ عقود طويلة. عاش اللبنانييون يوم أمس، ساعات قاسية لن تُمحى آثارها بسهولة.

اكتظاظ مراكز الإيواء
صباح يوم الثلاثاء، 24 أيلول، تبدّلت ملامح العاصمة بيروت، وصل عشرات الآلاف من اللبنانيين إلى بيروت، توزعوا في شوارعها، قضوا ليلتهم داخل سياراتهم التي ركنوها عند أطراف الشاطئ البحري في بيروت، افترشت العائلات النازحة الكورنيش البحري، الغارات العنيفة لم تترك لهم وقتًا كافيًا للتفكير في أي شيء آخر، جلّ ما احتاجوه هو الهروب من الموت، فوصلوا إلى مدينة بيروت من دون تأمين أي منزل للبقاء فيه.

أما العائلات المقتدرة ماديًا، فلجأت إلى فنادق بيروت، التي ارتفعت أسعارها بشكل خياليّ، الليلة الواحدة لشخصين تجاوزت الـ300 دولار أميركي. وحسب بعض العائلات، طُلب منهم الدفع مسبقًا عن أسبوع كامل.

جالت "المدن" في مدينة بيروت اليوم، عشرات العائلات متوزعة في الحدائق العامة (حرش بيروت-قصقص، حديقة الصنائع). الباصات المتوجهة من بيروت نحو الشمال- عكار ممتلئة بالنازحين. وخلال ساعات قليلة، امتلأت مراكز الإيواء بشكل كامل في بيروت.

عمليًا، امتلأت مدرسة العاملية الرسمية في بيروت بالكامل. وحسب مدير المدرسة، محمد حويلا في حديثه لـ"المدن"، توافدت حوالى 60 عائلة فجر اليوم إلى المدرسة، وهناك حوالى 560 شخصًا، وزعوا على الغرف. منذ ليل أمس، بدأنا بتأمين الفرش الإسفنجية والمخدات، ونحتاج إلى مزيد من الفرش الإسفنجية وأدوات التنظيف، والحاجات الأساسية للأطفال كالحليب والحفاضات. فهناك أكثر من مئة طفل بداخل المدرسة. ويشرح قائلًا: ليل أمس لم نطفئ المولد الكهربائي على العائلات، لكن هذا الوضع لن يستمر طويلًا، فنحن بحاجة ملحة إلى مزيد من مادة المازوت.

الحاجة إلى الحليب والمازوت 
وزعت العائلات في أكثر من 60 غرفة، وفي الغرفة الواحدة أكثر من 10 أشخاص على الأقل، وطلب حويلا خلال الساعات الماضية من الأطباء التطوع لمتابعة الحالة الصحية للنازحين، وباشر بتجهيز المستوصف الموجود داخل المدرسة. ووفقًا لأقواله، تم الاتفاق مع طبيبين لزيارة المدرسة بشكل يومي ومتابعة كبار السن، أصحاب الأمراض المزمنة، وكل من يحتاج لرعاية صحية.

بالتوازي، أكد محمود بيلون، التابع لجمعية الرسالة للاسعاف الصحي، والمسؤول عن تسجيل بيانات النازحين في مدرسة ابتهاج قدورة الرسمية- بئر حسن، أن المدرسة باتت ممتلئة بالكامل، وهناك أكثر من 400 شخص داخل 30 غرفة. ويقول لـ"المدن": "العدد الأكبر من النازحين وصلوا عند ساعات الفجر، من جنوب لبنان، وتحديدًا من مدينة صور وجوارها، وهناك 3 عائلات سورية. وصباح اليوم، غادرت بعض العائلات اللبنانية نحو سوريا، وقرروا الهروب إلى منطقة دمشق.

في حرب تموز العام 2006، فُتحت المدارس الرسمية، وقُدمت كل الاحتياجات. لكن المفارقة اليوم، أن هذه الحرب أتت في زمن "الانهيار". ولذا، ستكون الأقسى والأصعب على الشعب اللبنانيّ، وعلى النازحين خصوصاً.

فرح منصور -المدن

شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا