الصحافة

هل كان يعلم؟

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

نقل إغتيال الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله الصراع إلى مستوى آخر قد يكون الأشد خطورة منذ بدء الحرب في 7 تشرين الأول 2023، وخصوصاً أن نصرالله ليس شخصاً عادياً، بل قاد “الحزب” منذ 32 عاماً، ولا شك في أنه شكّل جزءاً كبيراً من هالة محور الممانعة والصراع مع اسرائيل.

لكن أي متابع لمسيرة نصرالله يعلم أنه كان مستهدفاً لإبعاده عن الصورة وكسر العمود الفقري لـ”الحزب”، وقد أقرّت اسرائيل مرات عدة أنها تخطّط لتصفيته، وربما الأكثر صراحة كانت معلومات نشرتها المخابرات الاسرائيلية أن اسرائيل لم تتوقّف يوماً عن استثمار موارد هائلة في محاولة لتحديد مكانه والقضاء عليه. وذكرت أنه في اليوم الثامن من حرب تموز 2006، أسقط الجيش الإسرائيلي 23 طنّاً من المتفجرات على مخبأ لـ”الحزب” في بيروت، ولكن تم إنقاذ نصر الله. وتكررت المحاولات في الحرب الحالية منذ أسبوعين، لكنه نجا منها كلّها، حتى أعلن “الحزب” مقتله بعد الهجوم على المربع الأمني لـ”الحزب” في الضاحية.

أمام هذا الحدث المهيب، يتساءل كثيرون: هل نصرالله كان يعلم أنه المستهدف في الدرجة الأولى؟ من الواضح أن التهديدات الاسرائيلية وصلت إليه مراراً وتكراراً، وهو كان يأخذ ما يكفي من احتياطات منذ عام 2006 عبر وجوده في مخابئ محصّنة تحت الأرض، ولو ذهبت المخيّلة الشعبية منذ تصاعد الأحداث في الفترة الأخيرة إلى أنه سافر إلى إيران ولم يعد موجوداً في الأراضي اللبنانية، كونه الهدف رقم واحد بالنسبة إلى اسرائيل! لذلك استبعد كثيرون من أنصاره أن يكون في المربّع الأمني في الضاحية الجنوبية الذي اخترقته الصواريخ الاسرائيلية الذكيّة مرات عدة في الأسابيع الأخيرة، وربما نصرالله نفسه لم يظنّ أن اسرائيل ستستخدم 85 قنبلة خارقة للتحصينات، وبالتالي هي خرقت بالفعل كل الخطوط الحمر، ويبدو أنها عازمة على إنهاء خطر “الحزب” على حدودها الشمالية بشكل نهائي، ولن توفّر أي وسيلة لتحقيق ذلك.

أمام هذا الوضع، يرى نائب أميركي سابق من الحزب الجمهوري أن حسابات نصرالله في الآونة الأخيرة خرجت عن الواقعية والمنطق، وأخطئ كثيراً، حتى بدا كأنه يغرّد خارج سرب محور الممانعة ومرجعيته الإيرانية، ولفت إلى “أن كل ما كان يحيط به كان سلبياً، بدءاً من حالة الشعب اللبناني وبيئته الشيعية تحديداً الفقيرة والمعزولة، اليائسة، وغير القادرة على تحمّل أي حرب مع اسرائيل، وحاولت دول القرار مساعدته على حفظ ماء وجهه ولو ببعض التنازلات مثل الكفّ عن ربط جبهة الجنوب بجبهة غزة، وبدء عملية التفاوض، إلا أن كلمته الأخيرة كانت “قاتلة”، بحيث أقفل كل الطرق وصمّم على المضي في الحرب، وهنا كان مكمن الخطأ الأساسي”.

قد يكون نصرالله وقع في الفخ الكلاسيكي للزعماء العرب أو الشرقيين، بحيث لم يعد يقبل بالرأي الآخر، وأحاط نفسه بمن يؤيده فقط، وفق النائب الجمهوري الذي يعتبر أن هذا المناخ حدّ من إدراكه للواقع. وعندما برر “حربه لدعم غزة”، لم يعر أي اهتمام للتكلفة والتأثير. بل برر ببساطة الذهاب إلى الحرب بقوله إنه في يوم الحساب “سيسأل الله كل واحد منا ماذا فعلت لمساعدة غزة؟”. وهنا خلط نصرالله الإيمان بالعقل، وهذه ليست وصفة للنجاح.

ويعتبر النائب الجمهوري “أن نصرالله اقتنع بما روّج له منذ حرب تموز 2006، بأن إسرائيل ضعيفة وفي آخر أيامها. لكن الحقيقة لم تكن كذلك، بل جهّزت نفسها جيداً للحرب، عتاداً وسلاحاً متطوراً وتدريباً، إضافة إلى تعزيز العامل النفسي لمواطنيها للصمود”، مشيراً إلى “ان نصرالله وثق أن حزبه لا يُقهر وبالغ في تقدير قوته. وخُيّل له أن صواريخه بإمكانها أن تبيد إسرائيل أو أي دولة أخرى، وتباهى بالمسيّرات التي يطلقها نحو حيفا وشمال اسرائيل، وكل ذلك ما كان سوى وهم”.

أما الخطأ الثاني الذي ارتكبه نصرالله، فيؤكد النائب الأميركي السابق ان رهانه على وحدة الساحات تبيّن أنه فاشل، بدءاً من إيران زعيمة المحور التي أدركت محدودية قوتها العسكرية، وعوّلت على مفاوضاتها وصفقاتها مع إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، إلى الحوثيين الذين أدركوا ان اسرائيل قادرة على إيذائهم أكثر بكثير مما يمكنهم إلحاق الضرر بها، بعد قصف ميناء الحديدة. وبدت صواريخ ومسيّرات الميليشيات العراقية من دون فعالية، هكذا استفردت اسرائيل بنصرالله، وهو صمّم على نحو غير عقلاني القتال حتى الموت نيابة عن كل المحور، جنباً إلى جنباً مع “حماس” المذبوحة”.

واللافت أن مسار المعارك التي بدأت في غزة، دفعت نصرالله ليعيش وهماً آخراً بأن فتح جبهة الجنوب مع التهاء اسرائيل بغزة سيبقي مواجهتها مع “الحزب” في إطار قواعد الإشتباك، ويلفت النائب الجمهوري السابق إلى أنه “عندما انتهت إسرائيل من حماس، حولت ثقلها العسكري شمالاً وبدأت في الالتفاف حول “الحزب” مع ضربات نوعيّة مؤلمة، الذي وقف عاجزاً عن الردّ عليها”.

تلقّى نصرالله نصائح كثيرة من الموفدين الديبلوماسيين الأميركيين، إضافة إلى القوى السياسية اللبنانية بضرورة وقف ربط جبهة الجنوب بغزة، لكنه أصرّ على موقفه، وربما حقيقة الموقف الإيراني لا يزال مبهماً إذا كانت شجّعته على المضي في الحرب أو التراجع، إلا أنه لو كان لبنان حراً وسياسات “الحزب” في الحرب والسلام مفتوحة للنقاش، لكان امتنع عن جرّ البلاد إلى الجحيم. ولكن نصرالله وكل مسؤولي “الحزب” السياسيين أتهموا الأصوات اللبنانية المعارضة بالخيانة ونظروا إليها على أنها “جزء من الحرب النفسية للعدو”، لذلك إذا لم يعيد “الحزب” حساباته ويعود إلى التمييز بين الحقيقة والخيال، بعد النكبة الكبيرة المّت به، سيسقط لبنان في المزيد من طبقات الجحيم في المرحلة المقبلة.

جورج حايك - لبنان الكبير

شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا