الصحافة

السُنّة والترسيم: شكراً بشّار الأسد

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

يستحقّ منّا نظام بشار الأسد للمرّة الأولى أن نقول له "شكراً"، بعد رفضه استقبال وفد العهد الراحل بعد أيام لبحث مسألة ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وسوريا. يستحقّ هذا النظام الذي قتل منّا من قتل، وشرّد من شعبه مَن شرّد أن نقول له شكراً لسببين: الأوّل لخذلانه العهد في محاولاته اختراع الإنجازات قبل أيام من نهايته. أمّا الثاني فلأنّه حفظ ماء وجه رئاسة الحكومة المغيّبة عن ملف الترسيم بشقيّه الإسرائيلي والسوري، مشاورةً وتشكيل وفود وقراراً. وفي هذا الإطار تُستعاد صورة الرئيس نجيب ميقاتي متأبّطاً عدداً  كبيراً من الملفات داخلاً الى القصر الجمهوري في بعبدا للمشاركة في اجتماع الرؤساء الثلاثة في 3 تشرين الاول الفائت لمناقشة اتفاق ترسيم الحدود البحرية أو ماعُرف باتفاق هوكستين. يوحي إليك مشهد الميقاتي أنّه كان عرّاب الاتفاق والمفاوض الأوّل أو الرئيسي فيه، بخاصة أنّه عند التقاط الصورة التذكارية للّقاء لم يكن بيد الرئيسين ميشال عون أو نبيه برّي أيّ ملف.

يخالف الانطباع الذي تركته صورة ميقاتي وملفّاته الواقع المحيط بملف الترسيم، فالذاكرة حاضرة، وهي تستذكر أنّ المفاوضات جرت على قسمين:

- الأوّل حصل على امتداد عشر سنوات عبر رئيس مجلس النواب نبيه بري (المنصب الشيعي الأوّل  في السلطة)، وانتهى العام 2021 باتفّاق إطار، جرى الاحتفال به في قصر عين التينة. أعلن خلاله الرئيس بري انتقال الملف الى عهدة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون (المنصب المسيحي الأوّل)، الذي شكّل اللجان ثمّ أعفاها وعيّن المستشارين والناطقين والمفاوضين من المقرّبين منه، وآخرهم  وليس أوّلهم نائب رئيس مجلس النواب الياس بوصعب، مع الإشارة إلى أنّه كان باستطاعته تعيين وزير الخارجية عبد الله بوحبيب المحسوب عليه، أي من حصّة رئاسة الجمهورية، وأحد أبرز أصدقائه كما هو معروف، حفظاً لماء وجه الحكومة ورئاستها على صعيد الشراكة الوطنية والمنطق السياسي والدستوري.

خلاصة ماسبق أنّ مفاوضات الترسيم كانت محصورة مابين المكوّن الشيعي والمكوّن المسيحي، فيما المكوّن السُنّي كان غائباً أو مغيّباً.

استعراض هذا الواقع ليس خافياً على أحد. لكنّ المخفيّ في الأمر يكمن في السؤال الآتي: إذا لم يشارك الرئيس ميقاتي في المفاوضات لا من قريب ولا من بعيد، فما هي الملفّات التي تأبّطها إلى قصرا بعبدا؟ هل هي أوراق بيضاء أم كانت الحقيبة خالية؟!

تغييب السُنّة عن مفاوضات الترسيم ليس صدفة، ولا خطأ تقنيّاً عارضاً، بقدر ماهو استمرار لمسلسل إقصاء السُنّة عن المعادلة الوطنية، واعتبارهم ملحقاً فاقداً للتأثير لزوم "الديكور الوطني" للادّعاء في المناسبات والاحتفالات، أنّ لبنان الكبير مازال قائماً.

أراد الرئيس ميقاتي بالملفّات الفارغة التي كان يحملها أن يوحي لنا نحن السُنّة أهله وناسه، ولا لأحد غيرنا، أنّه حاضر وشاطر وفاعل في كلّ ما يحصل فأصدر مكتبه الاعلامي بياناً جاء فيه: "قدّم الرئيس ميقاتي ملاحظاته حول الاتفاق وجاءت متطابقة مع ملاحظات الرؤساء". يعني بالتفسير الشعبي "ياعيد ليتك ما جيت"...

بالمقابل، قد يُسجّل للسُنّة أنّ في عملية تغييهم عن ملفّ الترسيم فرصة لعدم دخولهم بأي نوع من أشكال التطبيع مع العدوّ الإسرائيلي. هو انجاز لا يُكتَب فضله لأحد وإن كان يُمثّل ايماناً في داخل عقول وقلوب سُنّة لبنان، بل هو إنجاز يُسجّل لكيديّة البعض وسعيهم الدؤوب إلى إخراج السُنّة من المعادلة الوطنية.

في  22 تموز 1987, صعد أوّل رائد فضاء سوريّ من مواليد مدينة حلب يدعى محمد فارس إلى الفضاء الخارجي ضمن برنامج الفضاء السوفياتي في مركبة الفضاء"سويوزM3". فور إعلان الخبر في وسائل إعلام النظام، انتشرت نكات بالجملة في الشارع السوري تهكّماً على ماحصل، وأطرفها يقول إنّ رائد الفضاء محمد فارس عاد إلى الأرض وقد لُفّت يداه بالضمادات الطبيّة، والسبب أنّه كلّما أراد لمس أحد أزرار المركبة الفضائية كان الروّاد الروس يصفعونه على يده قائلين زاجرين "لا تلمس هذا الزر"، وانتهت الرحلة من دون السماح له بلمس أيّ زر في المركبة.

انتهى اجتماع بعبدا الرئاسي نهار الإثنين في 3 تشرين الأوّل، وكان لافتاً أنّ الرئيس ميقاتي خرج من دون ملفّاته التي جاء بها. فهل تركها داخل قاعة الاجتماع؟ أم أنّه رماها قبل أن يخرج من القصر؟

زياد عيتاني - نداء الوطن

شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا