الصحافة

مخطط العدو.. شريط حدودي خالٍ من السكان

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

أحد أهمّ المشاريع التي يسعى العدو الإسرائيلي لتنفيذها في ظل الحرب القائمة، هي جعل منطقة بعمق يتراوح بين 3 إلى 5 كيلومتر مربع من جنوب الليطاني منطقة غير قابلة للحياة. منطقة منزوعة السلاح من طرف واحد حيث لا وجود للناس أو للبشر أو للسكان. وهو يبدي إشارات واضحة في هذا الإتجاه وحول رغبته بتحويلها إلى "أرض محروقة".

هذا بالضبط ما يُفسّر مقولة العدو الدائمة: خلق منطقة مناسبة لعودة المستوطنين، أو توفير ظروف آمنة لعودة المستوطنين. لهذا السبب يدّعي أنه بدأ حربه على لبنان. شعارٌ يتلطى خلف الهدف الأساس المتمثل بتوجيه ضربة قاضية للمقاومة وإخراجها من على مقربة من الحدود، ما يتيح للعدو الإسرائيلي ضمان العيش براحة من دون خطر أو تهديدات، وفي ما بعد يتسنّى له تطبيق وعد "توراتي" بالتوسع ووضع شمال الجليل الأعلى في قاموسه (جنوب الليطاني) ضمن نطاق سيطرته الأمنية.


لقد اختبر العدو زهاء 11 شهراً من المواجهات المتواصلة مع "حزب الله" عند الحافة الأمامية دون تحقيق هدفه المتمثل بـ"إعادة المستوطنين"، وأن التطبيق لا تستوفى شروطه من خلال وجود سكان داخل هذا المربع، ببساطة لأن الحزب كمقاومة، ربط وجوده بوجوه السكان (أهالي القرى) فيما المقاتلين أنفسهم يمثلون السكان وهم منهم. بالإضافة إلى ذلك إختبر العدو طيلة 11 شهراً من المفاوضات الجوالة التي رعاها المبعوث الأميركي عاموس هوكشتين، أن المفاوضات لن تُعيد المستوطنين، وإن الحزب لا يضع في قاموسه مسألة الإنسحاب لمسافة 10 كيلومتر (أو أي مسافة أخرى) نحو شمال الليطاني.

إذاً الشيء الوحيد الذي يكرّس "عودةً آمنة" للمستوطنين يتمثل في خلق منطقة عازلة. بيئة آمنة وفق المفهوم الإسرائيلي، تكاد تكون أشبه بالحالة الأمنية التي تعيشها الضفة الغربية منذ زمن أو تضاهيها، أو أشبه بالحالة العسكرية التي يرزح تحتها الآن شمال قطاع غزّة.

ما أُبلغ إلى دوائر القرار السياسي في بيروت، أمس واليوم، يوضح أن العدو الإسرائيلي يعمل على تطبيق هذا السيناريو المترافق وطرد أهالي قرى جنوب الليطاني من أراضيهم. ولن يسمح العدو لهم بالعودة إن لم يضمن اتفاقاً على قياسه يتصل بإيجاد ترتيبات أمنية عند الحدود. وهو سيستمر في محاولات طردهم وملاحقتهم إلى ما بعد شمال الليطاني وصولاً إلى ما يطلق عليه شمال نهر الأولي. أي أنه أنجز باعتقاده ما كان يسمّيه "التهجير مقابل التهجير".

ما يسعى إليه العدو بالضبط هو طرح هذا الملف بنداً على جدول أعمال أي مفاوضات دبلوماسية تتوفر عندما تتوقف الآلة العسكرية عن إلحاق الدمار والقتل، بحيث يقرن تحقيق عودة اللبنانيين من أهالي قرى جنوب الليطاني بخروج "حزب الله" من شريط لا تقلّ مساحته عن عمق 5 كلم تشكل عملياً مدى الصواريخ المضادة للدروع التي أنهكت المستوطنين، كمرحلة أولى، على أن يتمّ إجراء ما تسمّى "ترتيبات" تشمل مسافة الـ5 كلم المتبقية كمرحلة ثانية.

هذه المسألة، تتجاوز التوصل إلى تسوية حول موضوع وقف لإطلاق النار، الذي بنظر العدو إليه بأنه لا يحقق مسألة إعادة النازحين طالما لم يتمّ التوصل إلى تسوية تفضي لإيجاد حل لمسألة الحزب وضرورة تراجعه كيلومترات إلى الوراء. ويخيّل للعدو أن بإمكانه ترسيخ احتلال معين لهذه المنطقة على ظهر أي تسوية تصدر حول وقف إطلاق النار، على الرغم من نفيه المتكرّر والتطمينات التي تقدمها واشنطن، معتقداً أن المقاومة تلتزم تحت النار أو تقبل بما طُرح عليها من حلول خلال الأشهر الماضية، متجاهلاً التحوّل الذي دخل على أدائها خلال المرحلة الحالية، والذي مكّنها، باعتراف الإسرائيليين أنفسهم، من الإنتقال إلى مرحلة أخرى من الحرب أصبح خلالها أكثر فتكاً وقدرةً، هذا فضلاً عن جهوزيتها للإستمرار في القتال طويلاً.

ما رُدَّ عليه في بيروت، كان على قياس رفض أي محاولات تسوية للأزمة أو وقف لإطلاق النار لا يشمل لحظ مسألة إعادة النازحين إلى قراهم فوراً (أي بعد سريان وقف إطلاق النار)، لا سيّما نازحي جنوب لبنان، (وليس جنوب الليطاني فقط) أو لا يترافق والإتفاق على انسحاب القوات الإسرائيلية الغازية التي تتموضع في أجزاء قريبة من الحدود الدولية، إنما تشكل مسألة عودة النازحين، الأساس الذي ينطلق منه أي تفاوض مقبل. بالتالي يمكن فهم الأسباب التي تدفع الدولة إلى التشدد حيال تطبيق القرار 1701 حرفياً، وسط توفر معطيات لديها حول رغبة إسرائيلية بنسفه وإحلال بديلٍ عنه ربما يشمل محاولة إيجاد ترتيبات للجنوبيين أيضاً!

في الأخير، يبدو أن العدو في باله مهمة وظيفية يريد لملف النازحين أن يؤديها، تتمثل في جعله ملفاً ضاغطاً على المقاومة، وضاغطاً على بيئة المقاومة، بحيث تصبح، إن طال أمد المعركة، تمارس ضغطاً على المقاومة، وضاغطاً أيضاً على البيئات المستضيفة للنزوح من بيئة المقاومة، معقداً أن هذه البيئات، لا بدّ في عامل الوقت، أن تنفر أو تخرج عن إحتضان هذه البيئة، لا سيّما عندما يدخل التخويف بنداً على مسار ما يصطلح تسميته "شيطنة النازحين" أو "التخويف من وجودهم بين الناس".

"ليبانون ديبايت" - عبدالله قمح

شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا