عربي ودولي

مُسَيّرة بنيامينا هل كانت الضربة المدوّية الأولى بالفعل؟

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

أدت هالة الهلع التي عصفت بالكيان الإسرائيلي، غداة هجوم حزب الله المدوّي في قاعدة تدريب قوات غولاني في مستوطنة بنيامينا، دوراً خادعاً في تكريس السردية الإسرائيلية الرسمية أنها الضربة الأولى الكبرى منذ بداية طوفان الأقصى، بمعنى أنه لم يسبق بالفعل أن نجحت الضربات السابقة ضد القواعد العسكرية الإسرائيلية، وهي ضربات يتجاوز عددها المئات بآلاف الصواريخ ومئات المسيّرات من لبنان والعراق واليمن، ولم يعترف الإسرائيلي بآثارها المدوية إلا في حالات نادرة رغم توفّر عشرات القرائن الدامغة بهذا الخصوص.

وللتاريخ جاءت هذه الضربة اللبنانية لتنعش الذاكرة الفلسطينية الجمعية، بضربة قاسية سابقة في هذه المستوطنة، وتحديداً في محطة قطاراتها والتي نفّذها استشهادي من السرايا في منطقة جنين هو نضال أبو شادوف، وقد أسفرت في حينه بمنتصف 2001 عن مقتل وإصابة 13 جندياً إسرائيلياً.

وهي ذاكرة أكتوبر المجيدة التي أنعشتها ضربات حزب الله الراهنة في قلب حيفا، منذ أيام قليلة عندما سقط صاروخ لبناني في مطعم مكسيم، وصادف قدراً ذكرى الهجوم الاستشهادي الكبير للمحامية هنادي جرادات من السرايا أيضاً ومن جنين، والذي أودى بحياة قائد القوة البحرية السابق في "الجيش" الإسرائيلي الجنرال زئيف ألموغ مع أكثر من عشرين مستوطناً.

يأتي سؤال المضبوعين بالسردية الإسرائيلية ساذجاً، وهم يتساءلون ببراءة مكشوفة عن سبب كشف هذه الخسارة الكبيرة في بنيامينا نحو 70 بين قتيل وجريح، ما زال معظم الجرحى في المشافي في حالة بين حرجة وخطيرة ومتوسطة، وكان الأولى بالكيان التكتّم عليها ما دام عنده استراتيجية تكتّم خاصة مع الجبهة اللبنانية؟

يتبع الكيان الإسرائيلي استراتيجية التكتّم على كلّ الجبهات، والهدف منها إحباط المقاتلين ومن خلفهم الحاضنة الشعبية، باعتبار أن جهادهم يذهب سدى ولا يؤدي إلى نتيجة في إرهاق العدو ميدانياً، ولا دفعه إلى التراجع الاستراتيجي نتيجة عجزه عن تحمّل الخسائر البشرية، كما يؤدي نجاح هذا التكتّم إلى تنشيط الطابور الخامس وتيار المنافقين المرجفين الباحثين عن كل سبب في توهين فاعلية المقاومة.

وسبق للكيان وما زال عندما نجح بهكذا سياسة تكتّم، في احتواء فاعلية المواجهة في شمال الضفة ومنعها من التدحرج إلى جنوبها على مدى ثلاث سنوات متتالية، عبر إغراق الشعور الجمعي الفلسطيني بالإحباط من كثرة الضحايا في مقابل قلة الإنجازات، ولكن الكيان وعند منعطفات معيّنة كان يضطر للإفراج عن اعترافات محددة بخسائره.

يعمد "جيش" الاحتلال ومن خلفه المنظومة الأمنية بين فترة وأخرى، وبحسب الزخم الميداني إلى التنازل عبر ثغرات يعترف فيها ببعض الخسائر، مثل ثغرة بنيامينا الأخيرة ضمن ظروف ضاغطة:

-عندما ينكسر حاجز التكتّم بمعطيات واسعة يستحيل ضبطها، وهنا يمكن المقارنة بين الظرف الجغرافي لقاعدتَي بنيامينا وجليلوت، حيث انكسرت عملية التكتّم في بنيامينا عندما خرج عرب الداخل الفلسطيني المحتل في قرى وادي عارة المجاورة، مثل قرية كفر قرع المجاورة، وبدأوا بالنقل المباشر لمشهد خمسين سيارة إسعاف في مدخل القاعدة وسط حالة من الذهول في عموم المنطقة، وهي حالة لم يكن بالإمكان ضبطها رغم أن الرقابة العسكرية واصلت إصدار الأوامر بمنع أيّ نشر ما جعلها موضع سخرية الإسرائيليين أنفسهم.

والحديث هنا عن قاعدة تدريب وليس قاعدة ضباط نخبة، في المقابل أمكن الكيان احتواء هجوم حزب الله الكبير على قاعدة جليلوت بعد اغتيال القائد فؤاد شكر، وهو الهجوم الذي نجح بضرب القاعدة بست طائرات مسيّرة، ولكن طبيعة القاعدة باعتبارها تتبع الوحدة السرية 8200، وهي تقبع في منطقة "تل أبيب" المحصّنة جغرافياً من الاختراق الإعلامي، وطبيعي أن أفرادها يحظون بالسرية والتكتّم مع التعهّد الخطي بحرية المؤسسة الرسمية في التعامل عند القتل أو الإصابة، وهو ما سبق لوزير داخلية الاحتلال أن اعترف به صراحة مع مقتل ضابط في مواجهة فتمّ الإبلاغ عن مقتله في حادث سير، وقد تكشّف الكذب الإسرائيلي مع استقالة قائد هذه الوحدة العميد يوسي سريئيل مباشرة عقب هذا الهجوم.

- عند الحاجة الملحة لشحن الشارع الإسرائيلي، بالتهيّؤ لوقوع خسائر بشرية أكبر تخرج عن السيطرة، للتدرّج النفسي في عدم الانكسار عند وقوع هزات كبيرة سواء نتيجة اتساع هجمات حزب الله الدفاعية براً، وهذا محتمل في كل لحظة، أو هجمات تطال المستوطنين، وهو أيضاً مرشح في حال نفّذ الكيان وعيده بتوسيع هجماته ضد المدنيين اللبنانيين والبنى التحتية، وأيضاً في ظل تهيئة الشارع الإسرائيلي لمواجهة أوسع مع إيران ستجلب معها خسائر واسعة يعيها الإسرائيلي، خاصة بعد أن افتضح بعد فشله في التكتّم على قواعد سلاح الجو التي دمّرتها الضربة الإيرانية الأخيرة.

- عند تحريض الشارع الإسرائيلي للقيام بجرائم إضافية بحقّ الشعبين الفلسطيني واللبناني، لتجاوز انعطافات سياسية ضاغطة في الداخل أو الخارج، مثلاً لشغل الرأي العام الإسرائيلي عن قضية الأسرى الإسرائيليين، واستحقاقات التفاوض في سبيل ذلك.

- عند ضرورة استجلاب مساعدات أميركية أوروبية إضافية، فالغرب يهرع لنجدة الكيان عند أيّ خسارة تصيبه، وهو بحاجة لتمرير هكذا دعم من دون اعتراض شعوب الغرب ما يتطلّب انحناءة في هذا السياق.

- عندما تتراكم القرائن والأدلة في ساحة معيّنة، وهو ما حفلت به ميادين غزة، بعد نجاح المقاومة هناك بتوثيق كمائنها بفيديوهات حيّة تؤكد حجم الخسارة الإسرائيلية في الجنود والدبابات، وهو ما جعل العناد في سياسة "ذان من طين وذان من عجين" سياسة غبية يتطلّب تجاوزها بين الفينة والأخرى.

يمكن رؤية مدى التعثّر أو الخبث الإسرائيلي في إحاطة خسائره بالتكتّم، عند كل اعتراف إسرائيلي ببعض الضربات، على سبيل المثال لم يتمّ الاعتراف بخسائر الضربات اليمنية إلا مرة واحدة في مسيّرة يافا داخل "تل أبيب"، والضربات العراقية أيضاً مرة واحدة في قاعدة لقوات جولاني شمال الجولان السوري المحتل، وهي الضربة التي اعترف بها الكيان بعد يومين من وقوعها ونتج عنها 25 بين قتيل وجريح، ما يطرح سؤالاً جوهرياً حول هكذا اعتراف بعد عمليات قصف مستمرة على مدى عام متواصل؟!

كما يمكن معاينة أزمة استراتيجية التكتّم الإسرائيلية في كل أحوالها، في مجمل سياسة الكيان وحربه النفسية ضد حزب الله خصيصاً، في سياق انكشاف خططه بعد نجاحاته الأمنية المتتابعة في تفجيرات البيجر والاغتيالات، ضمن سياسة عمد من خلالها أن يتخيّل أن بمستطاعه القضاء على حزب الله بالضربة القاضية، عبر خلق جو موازٍ للضربات في بيئة المقاومة بإشاعة أجواء الإحباط وتفكّك البنية وانفلات الحاضنة، ليس فقط في الجنوب إنما تحويل الضاحية إلى مكان غير مستقرّ من الناحية الأمنية، وهو ما استرعى ضرورة تبهيت كلّ إنجاز لحزب الله ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، وخلق انطباع كاسح بالخرق الأمني الواسع والمستمر.

فشلت سياسة الحرب النفسية الإسرائيلية تجاه حزب الله، وجاء الاعتراف بضربة بنيامينا كتتويج لهذا الفشل، واضطرّ الكيان إلى التراجع النسبي عن هذه السياسة مع أول كلمة للشيخ نعيم قاسم، ومنذ نجحت قوات الرضوان في احتواء كل الهجمات البرية على قرى الحافة اللبنانية، وقد تراجع عن زعمه في بياناته الرسمية أن حزب الله ينهار، ليقول إنه استعاد ترميم بنيته وأخذ يتعافى، خاصة أن سيل إصابات ضباطه وجنوده بدأ يغرق مشافي الاحتلال الشمالية في صفد ونهاريا وحيفا، ما اضطره لنقل مئات الإصابات حتى إلى مشافي الوسط في القدس و"تل أبيب"، والتي بدأت تصدر بيانات بمدى استيعابها لكمّ الإصابات، وهو ما دفع "جيش" الاحتلال إلى الاعتراف ببعض هذه الخسائر التي طفحت بها المشافي عبر سياسة التنقيط.

وعند النظر في البون الشاسع بين عدد إصابات جنوده الهائل المعترف به وهو بالمئات، وبين عدد القتلى المعترف به ولم يتجاوز العشرين، يظهر مستوى التضليل والكذب الإسرائيلي، ما يعزّز رواية المقاومة التي تعطي الرقم مضاعفاً ضمن معطيات تفصيلية دقيقة، والحديث هنا عن مواجهة برية، وليس عمّا يروّجه المحتل عن إصابات المستوطنين بالهلع وشظايا الصواريخ في شوارع مدنه التي يطالها القصف وشظايا مضادات القبّة، وطبيعي أن يكون ثمة فارق واسع بين عدد الإصابات والقتلى في هذا الإطار، بخلاف الواقع الميداني في المواجهة العسكرية التي لا ينقل الجندي إلى المشفى إلا عند الإصابة المتوسطة في حدها الأدنى.

محمد جرادات - الميادين

شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا