الصحافة

لبنان مات عندما فقد حرية إعلامه

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

كتب محمد سلام لـ”هنا لبنان”:

حرية الصحافة في لبنان هي وحدها التي تحول دون مواكبة مراسلي وسائل إعلام دولية لعمليات الجيش الإسرائيلي على الأراضي اللبنانية، وإنعدام حرية التغطية الإعلامية الميدانية في لبنان هي التي لا تحفّز هذه المؤسسات على منع صحافييها من مواكبة الجيش الإسرائيلي في إعتدائه على الأراضي اللبنانية.

وجّه وزير الإعلام اللبناني زياد المكاري كتباً إلى “واشنطن بوست”، “وول ستريت جورنال”، “التلغراف”، “أسوشيتد برس”، “فوكس نيوز”، “رويترز”، “نيويورك تايمز”، “بي بي سي”، تعتبر في إحدى فقراتها ” أن دخول صحافييكم مع جيش العدو الإسرائيلي في هذه الظروف، يجعلهم مشاركين غير مباشرين في الصراع وفي الأعمال العدائية التي تنتهك سلامة أراضينا، وهو ما قد يضفي الشرعية على العمل العسكري الإسرائيلي غير القانوني ويقوض سلامة جميع المشاركين.”

علماً بأنّ الصحافة الحرة هي التي مكنت لبنان في أواخر سبعينات القرن الماضي من منع الإعلام الدولي من البحث عن الحقيقة عبر إسرائيل.

كنت مراسلاَ لوكالة “أسوشيتد برس” في بيروت عندما فوجئت بخبر على نشرة الوكالة من أحد مراسلينا المعتمدين في تل أبيب عن جولة في الشريط الحدودي اللبناني برفقة اليونيفل.

أزعجني الموضوع جداً وإعتبرته تعدياً على “صلاحيات مكتب بيروت” كون الشريط الحدودي أرضاً لبنانية، فإتصلت بالصديق تيمور غوكسيل، الناطق الرسمي بإسم اليونيفل على رقم مكتبه في قيادة القوة الدولية بالناقورة، وأبلغته الإعتراض، كما رفع مكتب بيروت إلى إدارة الوكالة في نيويورك إعتراضه على تجاوز مكتب تل أبيب لصلاحياته.

وجاء الرد من اليونيفل بأنه “طالما أنّ صحافيي لبنان لا يغطون منطقة عملياتنا ، لا يمكننا أن نمنع صحافياً أجنبياً غير إسرائيلي معتمد في إسرائيل من البحث عن الحقيقة في جنوب لبنان.”

إستفزني الجواب فإتصلت “بمخابرات الإعلام” في الجيش اللبناني وأبلغت بأنني سأحاول الدخول إلى الشريط الحدودي، وشرحت تفاصيل الموضوع، فلم أسمع أي إعتراض.

ذهبت مع زميلي المصور إبن بلدة الطيبة إلى موقف السيارات التابع لبلدات الشريط الحدودي، تعرفنا على سائق مسن من بلدة الخيام، شرحت له الوضع فطلب منا أن نصور بطاقاتنا الصحافية الصادرة عن وزارة الإعلام في بيروت ورسالة من أسوشيتد برس غير موجهة لطرف محدد تعبّر عن رغبتها بإرسالنا إلى الشريط الحدودي للتغطية الصحافية. أمّنا ما طلبه، وبعد 3 أيام إتصل وقال غداً نغادر .

ذهبنا، وغطينا، وصورنا ولم يعد أي مراسل أجنبي معتمد في إسرائيل يدخل الشريط الحدودي، لأن مكتب مؤسسته في بيروت يغطي المنطقة.
في إحدى زياراتي المهنية إلى الشريط الحدودي بعد غياب عن لبنان إستمر ست سنوات لتغطية الحرب العراقية-الإيرانية أجريت مقابلة مع اللواء أنطوان لحد في منزله ضمن ثكنة مرجعيون، سألته: هل تعتبر الإسرائيليين قوات إحتلال في الشريط الحدودي؟

أجابني بعصبية: “إي، شو لكن عم يرعوا معزي هون.”

أنهينا المقابلة وتوجهنا إلى موقف سيارتنا في باحة الثكنة حيث كان العلمان اللبناني ونجمة داوود مرفوعين، كل على سارية.

جاءني شاب لبناني وقال لي: “شلومو بدو يشوفك”.

شلومو هو اللقب الذي كان يطلق على أي إسرائيلي في الشريط من قبل السكان، وشلومو الذي أراد أن يراني هو ضابط الأمن الإسرائيلي في الثكنة.
قلت للشاب اللبناني بالحرف: “قللو ما بدي شوفو”.

وقف الشاب ينظر إلي، كررت له الجواب، فغادر.

لم أكن قوياً، أو مدعي قوة أوشجاعة. لكني كنت أمثّل إحدى أكبر وكالات الأنباء العالمية، وهي كانت قوتي.

عاد الشاب بعد فترة وقال: عم يسأل كيف شفت اللواء لحد وما بدك تشوفو؟

قلت له: بلغو إني قابلت المواطن اللبناني أنطوان لحد المتحالف مع إسرائيل والذي ما زال يتقاضى راتبه التقاعدي اللبناني حتى هذه اللحظة، كما سبق وإستصرحت المواطن اللبناني عاصم قانصو أثناء مغادرته إجتماعاً في السراي الكبير ببيروت وهو المتحالف مع الإحتلال الأسدي.

وأضفت: قل له سأقابله إذا قابلت يوماً غازي كنعان (مسؤول المخابرات السورية في لبنان بذلك الوقت قبل رستم غزالة، لمن لا يعرف ).

الحمد لله، لا يتضمن تاريخي مقابلة شلومو ولا غازي كنعان ولا رستم غزالة ولا أي كائن من طرازهم.

عاد الشاب اللبناني من مقابلة شلومو وقال لي: “يقول لك إبق بقدر ما تشاء.” وغادرنا مسرعاً.

وكرت سبحة الزيارات التنافسية إلى الشريط الحدودي بين وسائل الإعلام العالمية المعتمدة في لبنان، ولم تسجل بعد ذلك حتى الإنسحاب الإسرائيلي في العام 2000 أي زيارة إلى الشريط الحدودي من قبل مراسل أجنبي معتمد في إسرائيل.

حرية الإعلام في لبنان هي التي تحول دون إضطرار الصحافيين الأجانب المعتمدين في إسرائيل لمرافقة الجيش الإسرائيلي بحثاً عن حقيقة ما يجري في جنوب لبنان.

فهل تسمح الحرية المتاحة للصحافيين الأجانب بتغطية الحقائق في لبنان، خصوصاً الحقائق المتعلقة بالحرب بين إسرائيل وحزب الله؟

في هذا الصدد بدا لافتاً، ومحزناً، ومعيباً، التراجع الكبير لمستوى لبنان في التصنيف العالمي لحرية الصحافة لعام 2024، حيث انخفض ترتيبه 21 نقطة، ليحتل المرتبة 140 بعد أن كان في المرتبة 119 خلال عام 2023، وفق المؤشر العالمي لحرية الصحافة الذي تصدره منظمة “مراسلون بلا حدود” ويغطي 180 دولة.

إنه الغرق في مستنقع الإعتداء على الإعلاميين الذي سجل في لبنان خلال سنة طوفان السنوار بغزة وعام مساندة حركة حماس من لبنان الذي نقله الشيخ نعيم قاسم إلى المواجهة، فإلى أين المصير.

من أبرز الاعتداءات على الإعلام خلال عام إنحدار مستوى الحرية بلبنان، حسب قناة “الحرة”، ما تعرّ ض له طاقم قناة “VTM NEWS” البلجيكية، والذي شمل المراسل الحربي روبن راماكيرز والمصوّر ستيجن دي سميت، حيث أصيب دي سميت برصاصة في ساقه، بينما تعرض راماكيرز لكسور في وجهه، وذلك بعد أن هاجمهما عناصر من حزب الله أثناء محاولة تغطيتهما لنتائج الغارة الإسرائيلية على الهيئة الصحية الإسلامية التابعة لحزب الله في منطقة الباشورة ببيروت.

لماذا منع حزب الله تغطية ما خلّفته الغارة الإسرائيلية على هيئته “الصحية”، علماً بأن جميع دول العالم والمعاهدات الدولية تدين الإعتداءات على الهيئات الصحية ما يستدعي تغطية إعلامية واسعة لنتائجها لحشد المزيد من الإدانه لمن إعتدى عليها؟؟؟

المرة الأولى التي لاحظت فيها أن الحاكم الفعلي بلبنان هو حزب الله الذي يسيطر على قرارات المنظومة الحاكمة كانت في معركة مسجد بلال بن رباح وإمامه الشيخ أحمد الأسير بضاحية عبرا شرقي مدينة صيدا في 23 تموز سنة 2013 عندما فرض الجيش اللبناني على الصحافيين موقع التغطية فنصبوا كاميراتهم ولم يصوروا المعارك التي حصلت في محيط المسجد، بل إقتصرت تغطيتهم على مشاهد دخان حرائق وملالات الجيش من طراز إم-113 تمر من مفترق يؤدي إلى ما كان ساحة معركة حقيقية. وشارك الجيش اللبناني في المعركة من محور خاص به منفصل عن ممر مجموعات حزب الله.

يومها إتصل بي هاتفيا صحافي ميداني أميركي وأبلغني أنه لا يُسمح للصحافيين بتغطية القتال، وشرح لي الوضع وطلب مني أن أدله إلى طريق توصله إلى منطقة القتال، موضحا أن معه نسخة عن خريطة لبنان الطبيعية.

نصحته بالتوجه إلى بلدة جون الشوفية الواقعة على بعد نحو 11 كيلومترا شمال شرق صيدا، وهي زاوية وصل بين محافظتي الجنوب وجبل لبنان.
حدد بلدة جون على الخريطة، فنصحته بالتوجه إليها، ومنها الإنتقال إلى بلدة مجدليون إحدى بلدات شرقي صيدا، ففعل وإلتقى النائب بهية الحريري وصور تبادل إطلاق النار.

يومها أدركت أن لبنان مات لأنه فقد روحه الممثلة بحريته الإعلامية…

شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا