الصحافة

قواعد اللّعبة بعد السنوار: لا تغيير إسرائيليّاً ولا إيرانيّاً؟

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

ما بعد إسقاط يحيى السنوار في 17 تشرين الأول، غير ما قبله. تماماً مثلما كان اغتيال السيد حسن نصرالله في 27 أيلول الماضي غير ما قبله. باتت إيران في مأزق كبير في شأن حماية أذرعها التي اتّكلت عليها لكسب موقعها الإقليمي المتقدّم. والضربات التي تلقّتها هذه الأذرع باتت تطرح على كلّ منها إجراء تحوّلات في توجّهاتها، وسط صعوبات التراجع تحت النار.

 ما لم يتغيّر في المنطقة هو بنيامين نتنياهو الذي قال إنّ “الحرب لم تنتهِ بقتلنا السنوار”. بل صنّف شطب قائد “حماس” جزءاً من صورة تتجاوز الحرب في غزة. خاطب “شعوب المنطقة من غزة إلى بيروت وغيرها”. وتحدّث عن “فرصة كبيرة للجم محور الشر وبناء السلام في المنطقة ككلّ”. ذكّر بما سبق أن دعا إليه من تغيير نحو شرق أوسط جديد. 

هل يؤدّي إسقاط السنوار إلى مراجعة حمساويّة للتوجّهات السياسية، أم بنيامين نتنياهو بمواصلته سحق غزة كما سبق أن فعل، سيحبط أيّ إمكانية لتقوم حماس بتحوّلات سياسية؟ هل هناك مساحة لاستغلال وطأة شطب السنوار على الوضع الفلسطيني وغزة، خصوصاً لمصلحة حلول سياسية؟ وكيف ستتعاطى طهران مع “التمرّد” اللبناني الرسمي عليها برفض نجيب ميقاتي تدخّلها في التفاوض على تنفيذ القرار 1701؟ فهي المرّة الأولى التي تتّخذ فيها الحكومة موقفاً كهذا بعد تصريحات رئيس مجلس الشورى الإيراني محمد باقر قاليباف بالاستعداد للتفاوض مع فرنسا على تنفيذ القرار الدولي.

لا يخرج اغتيال السنوار عن القاعدة التي تقول بأنّ الأحداث الدراماتيكية تكون فرصة للّاعبين لإحداث تغييرات في المشهد السياسي الواسع. إنّه حدث يغيّر في قواعد اللعبة المعقّدة (game changer)، بالنسبة إلى كلّ الدول والقوى المنخرطة في الحرب الدائرة منذ 7 أكتوبر 2023.

الانعكاسات فلسطينيّاً: رمزيّة السّنوار

فلسطينياً سيترك مقتل السنوار وهو يقاتل بلباس عسكري، فوق الأرض وليس في الأنفاق، رمزية لدى الشعب الفلسطيني. ومهما كان الموقف من توجّهاته السياسية فسيصنّف بين سلسلة رموز فلسطينية تاريخية تعني الكثير للفلسطينيين المقهورين في أرضهم. فالحركات التحرّرية الفلسطينية تعلي شأن هؤلاء الرموز وتقتدي بهم لمواجهتهم الاستعمار البريطاني والاستيطان منذ ثلاثينيات القرن الماضي. هذا شأن عزّ الدين القسّام الذي تحوّل اسمه عنواناً للجناح العسكري لحماس، وكذلك علي سلامة “أبو حسن” وغيرهما، وصولاً إلى ياسر عرفات… رمزية هؤلاء تشحن التصميم الاستثنائي للفلسطينيين على الحفاظ على هويّتهم الوطنية وحقوقهم على الرغم من مضيّ 70 سنة على سلبهم إيّاها.

يطرح متغيّر شطب السنوار تحدّياً آنيّاً يتعلّق بشكل استمرارية حماس، ودورها في الساحة الفلسطينية:

– أيّ قيادة منتظرة للحركة بعدما فرض الوضع الميداني تبوّؤ السنوار منصبه؟ فإثر اغتيال رئيس المكتب السياسي إسماعيل هنية كان الخيار الأقرب هو تولّي من يقود الوضع الميداني في غزة المسؤولية. قيل إنّ الرئيس السابق للمكتب السياسي خالد مشعل (الرئيس الحالي في الخارج)، فضّل أن يخلف السنوار هنية، لهذا السبب، بدلاً منه. وذهبت بعض المعلومات إلى الإشارة إلى أنّ حماس فضّلت عدم الابتعاد عن إيران التي فضّلت السنوار لقيادة الحركة.

العودة إلى القيادة السّياسيّة بعيداً عن إيران؟

– قيادة السنوار تعود إلى رؤية مثالية ومبسّطة لديه بالتصميم على ابتداع وسائل جديدة لمواجهة فظاعات إسرائيل ضدّ شعبه. وهذا مصدر مغامرة “طوفان الأقصى”، بمفاجأته إسرائيل وإثارته الإعجاب لدى الفلسطينيين وغيرهم من العرب. لكنّه لم يكن سياسياً بالمعنى التقليدي والاحترافي للكلمة إذا كانت السياسة فنّ الممكن. ولذلك لم يكن هو ولا الحلفاء في محور الممانعة يتوقّعون ردّ الفعل الأميركي الغربي الإسرائيلي. كما أنّه لم يتوقّع أن يكون الدعم الإيراني بمواجهة ردّ الفعل هذا منضبطاً، بحدود مصالح طهران الإقليمية والدولية. فاتته قراءة المناخ المحيط بأهداف طهران. فسقف الأخيرة هو استخدام تمدّدها الإقليمي للضغط من أجل تسوية مع أميركا، وتجنّب ما يضعها في خطر استهداف أراضيها.

– المرحلة المقبلة تقتضي تولّي الجناح السياسي في الحركة المسؤولية بعدما كان السنوار عملياً قائداً سياسياً وملهماً لكتائب القسام. معركة غزة جعلته قائداً لها وليس للحركة عموماً، في الضفة الغربية وسائر الأراضي الفلسطينية وفي الشتات، خارجها. وهذا الاستنتاج يذهب، حسب قول المصادر الفلسطينية لـ”أساس”، نحو خيار مشعل مرّة جديدة. فالأخير يمثّل التيار المستند إلى دعم التنظيم العالمي لـ”الإخوان المسلمين”، والذي يغلّب العلاقة العميقة مع تركيا وقطر ونسبياً مع مصر، بدلاً من حصرها بطهران. ولتنظيم الإخوان لوبي فاعل في الولايات المتحدة الأميركية يشكّل قناة خلفيّة للتفاوض.

 

في المقابل، ما آل إليه الوضع الميداني في القطاع من تدمير وفظاعات إسرائيلية يجعل من الجناح العسكري مجموعات قتالية أقرب إلى الانتحارية على الرغم ممّا تلحقه من خسائر بالجيش الإسرائيلي. خلاصة الناشطين الفلسطينيين أنّ الميدان يحتّم تعيين قيادة جديدة سريعاً ولا يحتمل الفراغ. ففي حالة الحزب في لبنان تولّى الحرس الثوري الإيراني المساعدة في ترميم هيكليّته، بينما الأمر متعذّر في غزة وسائر المناطق الفلسطينية. والعين الآن تتجه نحو دور مصر في ترجيح خيارات القيادة والتوجهات البديلة في حماس.

المصالحة الفلسطينيّة هل تتقدّم؟

– ضربة إسقاط السنوار قد تكون دافعاً للتقدّم في خطوات المصالحة الفلسطينية. توزيع قيادة منظمة التحرير الفلسطينية برئاسة محمود عباس صورة لرئاسته اجتماعاً للجنتها التنفيذية يقرأ أعضاؤها سورة الفاتحة عن روح السنوار، أعطى إشارة معنوية. وهو إظهار لرمزية الرجل كقائد فلسطيني، ويشير إلى الجدّية في السعي لتوحيد الموقف الفلسطيني في مواجهة كارثة غزة. فضلاً عن الحاجة للتضامن بوجه الهجمة العسكرية والاستيطانية على الضفة الغربية والقدس. وسبق لقياديين من حماس وحركة فتح أن اجتمعوا في القاهرة في 9 تشرين الأول الجاري لإحداث تقدّم في إنهاء الانقسام، انتهى إلى المراوحة. فكلّ فريق احتاج إلى موافقة قيادته على أفكار طُرحت.

وأفادت مصادر متابعة للشأن الفلسطيني أنّ تقدّماً حصل قياساً إلى السابق، وشمل قبول حماس بأن تسمّي منظمة التحرير الشخصيات التي يمكن أن تدير غزة بعد وقف النار… إلا أنّ هناك شكوكاً حيال قدرة قيادة المنظمة وحماس على خطوات شجاعة لإنهاء الانقسام. كما أنّ نتنياهو قال لحماس: “قياداتكم لن تستمرّ”، واعتبر أنّ مقتل السنوار “بداية اليوم الذي يلي حماس”، وأنّها “لن تحكم غزة بعد اليوم”. وخطّته المعلنة منذ أشهر ترفض أيّ دور لمنظمة التحرير في القطاع.

تبادل الرّهائن: ضيق الوقت وتشدّد نتنياهو

ثمّة عقبات تواجه مسارعة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى اعتبار الاغتيال فرصة لوقف الحرب ولاتفاق تبادل الرهائن والأسرى. فالوقت بات ضيّقاً أمام بايدن وحزبه لتوظيف الإفراج عن ستّ رهائن أميركيين لمصلحة كامالا هاريس انتخابياً. لم يبقَ سوى 14 يوماً للانتخابات حتى يستفيد من التقاط صور للرهائن المفترض تحريرهم في البيت الأبيض يحيط بهما بايدن وهاريس. وإنجاز اتّفاق تبادل بهذه السرعة متعذّر، خصوصاً أنّ نتنياهو في إعلانه موت السنوار دعا مقاتلي حماس الذين يحتجزون الرهائن الإسرائيليين إلى تسليم السلاح والإفراج عنهم مقابل السماح لهم بمغادرة القطاع.

ينطوي قرار بايدن إرسال وزير خارجيته أنتوني بلينكن إلى إسرائيل لهذا الغرض على طابع استعراضي يصعب تثميره، لا سيما مع تشدّد نتنياهو. فلا بلينكن من طينة المسؤولين الأميركيين الذين يمارسون ضغوطاً على تل أبيب. والتجارب أثبتت أنّه في كلّ مرّة يزور الدولة العبرية لتليين موقفها يخرج منها مبرّراً مناوراتها، خلافاً لغيره.

على الرغم من أنّ تظاهرات أهالي الرهائن في تل أبيب رفعت شعار: انتهى السنوار فلتنهوا الحرب، فإنّ نتنياهو أكّد استمرارها.

إيران تصعّد

إذا كان من مفاعيل شطب السنوار المزيد من إضعاف إيران فإنّ ردّها يندرج في خانة إنكار تأثير الاندفاعة الإسرائيلية على الحزب. وقد ردّت بإعلان أنّ الأخير بدأ مرحلة جديدة تصاعدية. وهو ما يعني مواجهة مطالبته من قبل الدول الغربية بأن يقبل بسحب قوّاته إلى شمال نهر الليطاني، بتصعيد القتال ضدّ الضربات الإسرائيلية المتتالية.

ما يهمّ طهران معرفة مصير الردّ الإسرائيلي على ضربتها الصاروخية التي نفّذتها في 1 تشرين الأول الجاري.

وليد شقير-أساس

شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا