الصحافة

التطبيع الأوروبي – السوري... بين شعبية اليمين المتطرّف وصفقة ترامب وبوتين!

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

بين معارض ومؤيّد، تشكّل إعادة العلاقات بين سوريا والدول الأوروبية ملفاً شائكاً وسط كل الأزمات التي تعصف في الشرق الأوسط على رأسها الحرب الدائرة في غزة ولبنان والقضايا الأوروبية الداخلية، وفي مقدمها صعود نجم اليمين المتطرّف في عدد من دول الاتحاد الأوروبي ما يشكّل تحدّياً لواقع حكم جديد.

مع توالي الأحداث كان لافتاً قرار تعيين إيطاليا سفيراً لها في سوريا في 26 تموز (يوليو) 2024 ما جعلها أول دولة من مجموعة الدول السبع تستأنف عملها الدبلوماسي في دمشق منذ عام 2011.

وفي تموز (يوليو) أيضاً، دعت 7 دول في الاتحاد الأوروبي (النمسا، إيطاليا، تشيكيا، سلوفاكيا، سلوفينيا، اليونان، كرواتيا وقبرص)، مفوض السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل إلى مراجعة استراتيجية الاتحاد الأوروبي تجاه سوريا. 

وأكّد وزراء خارجية الدول الثماني أنّهم يسعون إلى إرساء "سياسة أكثر نشاطاً وعملية تجاه سوريا" من أجل "زيادة نفوذنا السياسي وفعاليّة مساعداتنا الإنسانية"، وقالوا إن الهدف هو تحسين الوضع الإنساني في سوريا، وكذلك المساعدة في إعادة المهاجرين إلى مناطق معيّنة من البلاد، والأهم أن الوثيقة الأوروبية شدّدت على ضرورة تحسين العلاقات مع الرئيس السوري بشار الأسد.

بين "اللاءات الثلاث" الأوروبية، "لا للتطبيع مع دمشق، لا لرفع العقوبات، لا لإعمار سوريا ما لم يتمّ تحقيق تقدّم ملموس في العملية السياسية حسب القرار الدولي رقم 2254"، والوضع القائم في الشرق الأوسط وطبول الحرب، يعود ملف التطبيع الأوروبي – السوري إلى الواجهة، وسط تساؤلات عن المسار بين النجاح والفشل.

"الهجرة أولاً"
وفي قراءة لمواقف عدد من الدول الأوروبية بشأن التطبيع مع سوريا، أكّد الأستاذ في العلاقات الدولية د. كريم بيطار في حديث لـ"النهار" أن الهاجس الأساسي لدى اليمين المتطرّف هو ملف الهجرة، وهو دافع أساسي لرئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني خاصة من أجل التقارب مع الأسد ونظامه.

وأضاف: "في عام 2018، وقبل وصولها إلى رئاسة الحكومة، اعتبرت ميلوني (رئيسة حزب إخوة إيطاليا) أن استمرار وجود المجتمع المسيحي في سوريا كان بفضل حكومة الأسد وروسيا وإيران وحزب الله. وبالتالي، هي ترى أن النظام السوري يحمي الأقليّات الدينية". 

وعن هذا الموقف، لفت بيطار إلى أن "نظرة ميلوني وبعض اليمين المتطرّف في بلدان أوروبية أخرى خاطئة، خاصّة مع وجود علاقات بينهم وبين مطارنة في سوريا وبطاركة مقرّبين من النظام السوري"، معتبراً أنّهم "لا يعرفون الحقائق الميدانية إذ إن عدد المسيحيين قد تقلّص قبل الثورة السورية عام 2011 وبلغ 4.6% فقط من إجمالي عدد السكّان في سوريا بحسب يوسف كرباج، أحد أهم المتخصّصين في الشؤون الديموغرافية، بينما كان الرقم المعلن هو 10%".

إلى جانب الهجرة وهاجس وصول المهاجرين بأعداد كبيرة إلى البلدان الأوروبية، لفت بيطار إلى أن أسباباً أخرى تدفع إلى تطبيع العلاقات مع سوريا أبرزها ما حدّده بـ"الانسجام الإيديولوجي" وتقارب في وجهات النظر بين اليمين المتطرّف والأنظمة ا في بعض الدول العربية، إذ "يعتقدون أن العالم العربي بحاجة إلى رؤساء  استبداديين وظيفتهم الأساسية حماية حدود بلادهم ومنع المهاجرين من الوصول إلى أوروبا".

وأوضح في حديثه أيضاً أن هاجس الهجرة يشكّل حيّزاً أساسياً ليس فقط عند اليمين المتطرّف، بل عند اليمين المعتدل واليسار خاصّة في آخر 20 عاماً نظراً لانخراط الأحزاب بقضية الهجرة والخوف منها، بالإضافة إلى الواقع الموجود في البلدان التي تنتقل منها قوارب المهاجرين وحكّامها، إذ تتشكّل العلاقة بين الطرفين على قاعدة "إمّا أنا أو الهجرة والفوضى، إمّا أنا أو تنظيم القاعدة".

إلى ذلك، عانت دول أوروبية على رأسها إيطاليا من تجارة الكبتاغون وعمليات التهريب إلى أراضيها، في وقت تتّجه أصابع الاتّهام إلى نظام الأسد بالاعتماد على تجارة المخدّرات وتصديره كمدخول مالي في ظل العقوبات المفروضة على سوريا، أهمّها قانون "قيصر" الأميركي.

"عن تجربة"
شهد العالم العربي في 7 أيار (مايو) 2023 عودة سوريا إلى مقاعد جامعة الدول العربية بعد غياب دام 11 عاماً، وأعادت أيضاً دول عربية عدّة علاقاتها مع سوريا على رأسها الإمارات والسعودية. 

انطلاقاً من الانفتاح العربي مع سوريا، رأى بيطار أن التجربة ليست مشجّعة بالنسبة إلى الأوروبيين للتطبيع، إذ أن الانطباع السائد في أوروبا هو أنّه لم تتضح التنازلات التي قدّمها الأسد مع عدم ملاحظة أي تغيّر جذري حتى الآن في سياساته.

وأردف: "هذا المسار كان قبل الحرب الدائرة في المنطقة منذ 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023. ولكن اليوم مع إضعاف حزب الله والنظام الإيراني، قد يبدأ الأسد بالتفكير بالتقرّب أكثر من الأنظمة العربية والخليجية. ولكن حتى  اليوم لم تظهر ولم يقدّم الأسد أي تنازلات في القراءة السياسية، وعلى الرغم من ذلك نرى وبشكل ملفت أن دولاً أوروبية تسعى إلى التقارب معه".

تشكّل إيران وروسيا إحدى أهم الدعائم الرئيسية للأسد، ومن هنا، رأى بيطار أن "العودة الأوروبية إن حصلت لن تقلّص نفوذ هاتين الدولتين في سوريا لشركاتهما الأساسية في بقاء الرئيس السوري ودعمه"، مشيراً إلى أن "التطبيع الأوروبي إن حصل سيأخذ منحى تقنياً واقتصادياً خصوصاً في ملف الهجرة والاستثمارات وإعادة الإعمار. ولكن في الملف السياسي، ليس واضحاً كيف "سيتحرّر الأسد" من القيود المفروضة عليه من قبل الإيرانيين والروس".

خلطت الحرب الدائرة أوراق المنطقة، ومن هذا المنطلق قال بيطار لـ"النهار": "قبل الحرب، لم يتّضح أي عودة لدور سوريا، فمعظم الحكومات الأوروبية لا تزال متريّثة تجاه إعادة العلاقات"، وقال متابعاً: "شهدت هذه الحكومات تجارب عدة منذ عام 1979، ففي كل محاولة لإعادة سوريا إلى الحضن العربي، أصرّ الرئيس الراحل حافظ الأسد سابقاً وحالياً ابنه على المحافظة على علاقة سوريا الاستراتيجية بإيران، بالرغم من استفادتهما في مراحل عدّة من الدعم المالي الخليجي".

"صفقة ترامب"
وعن تبدّل موقف ترامب من سوريا في حال عودته إلى البيت الأبيض، ذكر بيطار أن ما يهم المرشّح الجمهوري هو إبرام صفقات، وسيحاول في حال انتُخب رئيساً، إلى عقد صفقة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشأن أوكرانيا، فهو صرّح مراراً أنّه سيوافق ويسمح للرئيس الروسي بالمحافظة على الأراضي الأوكرانية التي سيطر عليها الجيش الروسي.

واعتبر الأستاذ في القانون الدولي أن هذه الصفقة ربّما لن تنحصر بحرب أوكرانيا فتتوسّع لتشمل الشرق الأوسط وسوريا بطبيعة الحال، وتوزيع الأدوار فيه. إلّا أن هذا الموقف برأي بيطار لن يبدّل الموقف الأوروبي تجاه سوريا إذ أن هناك شبه إجماع بأن عودة ترامب هي انتصار لبوتين وهزيمة لأوكرانيا، ومعظم الدول الأوروبية مصرّة على الاستمرار بدعم نظام كييف مع وجود بعض الأصوات المعارضة.

أمام كل هذا العرض، تتسارع الأحداث على الأرض من الشرق الأوسط إلى أوروبا والعالم وسط غموض النتائج حتى الآن، والسؤال: متى يحين توقيت الاستدارة الأوروبية؟


شادي طنوس - النهار

شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا