الصحافة

تحذير فرنسي غير مسبوق: من يمنع "الحرب الأهلية" في لبنان؟

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

حذّر وزير الدفاع الفرنسي سيباستيان لوكورنو من حرب أهلية "وشيكة" في لبنان، وهو تحذير خطير وغير مسبوق يتزامن مع واحدة من أكثر المراحل دقّة التي تعيشها البلاد في العقود الأخيرة إثر الحرب الإسرائيلية. وإن كان التنبيه هو الأول من نوعه الذي يصدر عن جهة دولية رسمية لها تأثيرها في المجتمع الدولي، فإن التقارير البحثية والصحافية كانت قد أشارت إلى هذا الخطر.

عوامل عديدة داخلية وخارجية تعزّز الاعتقاد بأن لبنان أمام خطر حرب أهلية، على رأسها أزمة النزوح الكثيف، والتي تبدو طويلة الأمد، وتداعياتها الديموغرافية والاجتماعية والسياسية، إلى جانب أزمة الحكم التي يواجهها لبنان منذ ما قبل الحرب الإسرائيلية والتي تسبّبت بحروب أهلية في السابق، يُضاف إليها رغبة تل أبيب بتدمير هيكلية "حزب الله" وفق إعلان وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت.

لا تقتصر الحرب على المشهد الآني، بل إن لها تداعيات كثيرة، منها ما هو طويل الأمد، يرصدها الأستاذ الجامعي الدكتور علي مراد الذي يرى أن لبنان أمام "منعطف تاريخي" ستكون له ارتدادات خطيرة، ولا شيء يمنع الاتجاه نحو سيناريوات متعدّدة، في ظل اختلال توازن القوى واحتمال أن تطول أزمة النازحين.

يتفق خبراء على أن أزمة النزوح تشكّل "قنبلة موقوتة"، وإسرائيل قد تستغلها عبر استهداف مناطق خارجة عن بيئة "حزب الله" لتأليب الرأي العام ضده والدفع نحو طرد نازحين وافتعال الإشكالات، كما حصل مع استهداف الشوف وزغرتا وجونيه وكسروان، وذلك يرفع من احتمالات الاقتتال الداخلي، وخصوصاً أن النزوح يؤدي إلى اختلالات ديموغرافية حسب مراد، ويترافق هذا الواقع مع انهيار مؤسسات الدولة وعدم قدرتها على تدارك المشكلة.

وإن كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قال إن بلاده "غير مهتمة بحرب أهلية في لبنان"، إلّا أن ممارساته وحكومته ومؤسساته تشي بعكس ذلك، فتوجيه الجيش الإسرائيلي رسالة إلى اللبنانيين الذين فقدوا ودائعهم، والقول إن "حزب الله" يخبّئ أموالهم التي "سرقها منهم" في أنفاقه ومستودعاته ينضوي ضمن سياق تأليب الرأي العام ضد الحزب.

مراد يرى أن إسرائيل تشكّل نوعاً من الضغط من خلال تدميرها الجنوب والبقاع والضاحية ومطالباتها بمناطق عازلة لخلق واقع ديموغرافي جديد في البلد قد يؤدي إلى مشكلات داخلية كبرى، ويعود إلى فكرة عبء النزوح سياسياً واجتماعياً واقتصادياً. وإذ يلفت إلى التكافل الوطني الحاصل، إلّا أنه يُبدي تخوّفه من تعرّضه للاستنزاف والاستنفاد جرّاء الضغط الاجتماعي على البنية التحتية والتعليمية والصحية في حال طالت الأزمة.

من جهته، يستبعد رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات العميد الركن هشام جابر سيناريو الحرب الأهلية الواسعة، ولكنه يُشير إلى أنّ لبنان قد يواجه "ضعضعة" في الأمن في ظل الوضع الداخلي السيئ، وعدم قدرة القوى الأمنية على مواجهة تفلّت أوسع.

في حال سعت إسرائيل إلى إحداث حرب أهلية في لبنان، فإنها من غير المُستبعد أن تُرسل السلاح لتغذية هذا الصراع، كما حصل قبل الحرب الأهلية في العام 1975. وبرأي جابر، فإن إسرائيل قد تُحاول إرسال السلاح مرّة أخرى لإضعاف "حزب الله" من الداخل، لكن لا طرف داخلياً قادر على تلقّي هذا السلاح، لأن وضعه لن يكون سليماً في حال وجّهه ضد لبنانيين، عكس ما كان الحال في الحرب الأهلية حينما كان الطرف الفلسطيني موجوداً.

وإذ يقول مراقبون إن تسوية أميركية – إيرانية قد تجنّب لبنان الحرب الأهلية، يستبعد مراد هذا الموضوع، وبرأيه، فإن وعي القيادات السياسية والمجتمع الداخلي الذين اختبروا الحرب سابقاً وتخوّفهم من تداعياتها الخطيرة قد يمنعان وقوعها، والخطوة الضرورية وإن لم تكن كافية وحدها هي تحصين المؤسسات الدستورية ووقف الحرب الإسرائيلية وضمان إعادة الإعمار لتمكين النازحين من العودة.

للاعتبارات الدولية تأثير أيضاً، وقد يكون الضغط الأوروبي لمنع حرب أهلية في لبنان قد بدأ مع تحذير الوزير الفرنسي، فأوروبا التي تعيش هاجس المهاجرين السوريين والفلسطينيين والأفارقة، والأوكران حديثاً، لا تُريد تكرار هذه التجربة مع اللبنانيين وزيادة الضغط على بنيتها التحتية المنهكة أساساً جرّاء الحرب الأوكرانية، إلّا أن تأثيرها في منع وقوع الحرب محدود.

في المحصلة، فإن شبح الحرب الأهلية لم يكن يوماً مُستبعداً عن لبنان الذي سبق واختبر هذا النوع من الصدامات. ومشاريع الحروب الأهلية والتقسيم التي بدأت في العراق قد لا تقف عند سوريا، بل ربّما قد تطال لبنان الذي يواجه عوامل داخلية وخارجية من شأنها تغليب منطق التقسيم والعنف على مبدأ المؤسسات الدستورية.


جاد ح. فياض - النهار

شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا