وليد جنبلاط… السهل الممتنع
جنبلاط الذي يقرأ جيداً التطورات ويستشرف القادم ولا يأبه كثيراً لردات الفعل والتفاعلات فضل الخروج من قوى 14 آذار، وأمس كان المبادر في التصدي لمحاولة تدخل وزير الخارجية الإيراني لفرض وصاية طهران المباشرة بعد اغتيال نصرالله
كتب سعد كيوان لـ”هنا لبنان”:
وليد جنبلاط معتق أم مخضرم أو صانع قرار؟ عندما اغتيل والده كمال جنبلاط عام 1977 كان شاباً يافعاً لم يكن قد تخطى الـ 27 من عمره، ولم يكن يتعاطى السياسة وإنما كان يعيش حياته كابن بيك. ألبِس عباءة الزعامة الجنبلاطية والدرزية وهو بشعره الطويل وسوالفه المتدلية وسط حشد من مشايخ الدروز المعممين.
وما لبث جنبلاط أن فاجأ الجميع بتوجّهه في ذكرى أربعين والده إلى دمشق للقاء حافظ الأسد، وكأنّه أراد القول (والفعل) أنّ السياسة هي فنّ الممكن. إلّا أنّه حقيقةً ما زال مقتنعاً بنظرية “الجلوس على ضفة النهر ينتظر مرور جثة عدوّه”. كما سارع إلى تطهير أو تغيير في قيادة أركان الحزب التقدمي الاشتراكي الذين كانوا يحيطون بكمال جنبلاط أمثال توفيق سلطان ومحسن دلول ورياض رعد وآخرين. وفي موازاة ذلك كان كمال جنبلاط مؤسساً ورئيساً للحركة الوطنية اللبنانية التي كانت تخوض حرباً في مواجهة الجبهة اللبنانية، وكان جورج حاوي أمين عام الحزب الشيوعي ومحسن إبراهيم أمين عام منظمة العمل الشيوعي الركنين الأساسيين في الحركة الوطنية ومن المقربين من كمال جنبلاط. ومع ذلك تمكن وليد جنبلاط من الإمساك بزمام الأمور لعدد من الأسباب لا مجال للدخول في تفاصيلها الآن.
على إثر الضغوطات التي مارسها النظام السوري بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، حلت الحركة الوطنية وأصبح وليد جنبلاط حراً طليقاً يتحرك نحو أكثر من طرف وفي أكثر من اتجاه. وبعد اغتيال بشير الجميل وانتخاب أخيه أمين مكانه عقد مؤتمرين لأقطاب الحرب اللبنانية في لوزان 1983 ثم جنيف 1984 للتوصل إلى وقف إطلاق النار، أي نفس وضع اليوم قبل أربعين سنة، شارك فيهما الرئيس الجميل ورئيس الحكومة رشيد كرامي والرئيس الأسبق سليمان فرنجيه وبيار الجميل والرئيس الأسبق كميل شمعون، الخصم التقليدي لجنبلاط الأب ولابنه وليد في الشوف وعلى الصعيد الوطني. إلّا أنّ وليد حافظ على علاقة بالحد الأدنى معه.
ومع جنبلاط شارك نبيه بري لأول مرة كرئيس لحركة أمل (1980). واستمرت علاقتهما وتطورت لتصبح في مرحلة معينة ما يشبه الثنائي قبل أن يتكرس “الثنائي الشيعي” الطائفي مع “حزب الله” فيما بعد مع دخول إيران على الخط. لكن هذه العلاقة تخللتها بعض الإشكالات المسلحة مثل “معركة العلم” بين أمل والاشتراكي في 1986 لكي تنقلب بعد سنة إلى تحالف من أجل القضاء على تنظيم “المرابطون” الناصري السني، وتصبح مرجعية الاثنين دمشق.
ثم كان مؤتمر الطائف في نهاية عام 1989 الذي لم يشارك فيه الاثنان بشكل مباشر لأنه جمع ما بقي من نواب دورة 1972 النيابية، إذ لم يكن جنبلاط قد دخل المجلس النيابي، ولا بري ولا أمل كانا قد دخلا الساحة السياسية. غير أنّ بري كان قد أصبح زعيماً للحركة ووزيراً مثل جنبلاط، وأدّت الصيغة التي تمت في الطائف إلى استيعابهما كأطراف في الحرب وبالأخص كممثلين لطائفتيهما الشيعية والدرزية. وكانت فطنة جنبلاط تدفعه في الثمانينات للبحث عن حليف يقوي موقع الدور لديه طالما أنّ الحزب الاشتراكي يتجه أكثر فأكثر نحو الطابع الطائفي.
أما مع “حزب الله” فسيطر على العلاقة طابع الصراع في أغلب الأحيان نظراً للاختلاف في الخيارات والنهج والتضارب في المصالح والمرجعيات. فمنذ عام 2000 بدأ يظهر التباين مع تقارب جنبلاط من الكنيسة المارونية التي أطلقت في أيلول 2000 نداءها الشهير الذي تطالب فيه بخروج الجيش السوري من لبنان. ثم بدأ ينسق مع حليفه رفيق الحريري ولاحقاً قرنة شهوان صنيعة بكركي، إلى أن تم اغتيال الحريري في 14 شباط 2005 وتحول جنبلاط إلى رأس حربة قوى 14 آذار في المواجهة مع النظام السوري، ما أجبر بشار الأسد على سحب جيشه من لبنان بعد نحو ثلاثين سنة. بعدها خاض جنبلاط الانتخابات لدورتي 2005 و2009 متحالفاً مع “القوات” والكتائب. إلّا أنّ “حزب الله” تنطح للعب دور الجيش السوري بعد خروجه من لبنان مدعماً موقفه بالدخول لأول مرة إلى الحكومة في 2005 ثم احتل وسط بيروت التجاري بالسلاح محاولاً إسقاط حكومة فواد السنيورة في ربيع 2007، التي اتخذت قراراً بتفكيك شبكة الاتصالات غير الشرعية التي مددها “حزب الله”. وهاجم يومها نصرالله في كلمته جنبلاط معتبراً أنه وراء القرار وواصفاً إياه بـ”القاتل”، ثم قام مسلحو الحزب في 7 أيار بغزو بيروت الذي انتهى في مؤتمر الدوحة الذي جاءت مقرراته في صالح التحالف الثنائي نصرالله-عون حكومياً وانتخابياً.
جنبلاط الذي يقرأ جيدا التطورات ويستشرف القادم ولا يأبه كثيراً لردات الفعل والتفاعلات فضل الخروج من قوى 14 آذار الذي صادف مع تاريخ ميلاده الستين الذي كان يخشى عدم تجاوزه كما حصل مع والده وجده اللذين اغتيلا في العمر نفسه. وأمس كان جنبلاط المبادر في التصدي لمحاولة التدخل من قبل وزير الخارجية الإيراني لفرض وصاية طهران المباشرة بعد اغتيال نصرالله.
بالمقابل، فإنّ علاقته مع السياسيين الموارنة كانت علاقة “حب وكراهية” فهو الذي أطلق عليهم ذات يوم وصف “الجنس العاطل” رغم الصداقه التي كانت تجمعه مع سمير فرنجيه وإصغائه إلى آراءه، ثم العلاقة التي طورها مع البطريرك نصرالله صفير في مصالحة الجبل وعلاقته بقرنة شهوان, والتي دفعته إلى”عدم التدخل” كما كرر مجدداً أمس في حديثه إلى “النهار” عندما رفض طرح أي اسم لرئاسة الجمهورية. فهل كانت هفوة؟
وعلى الرغم من تسليمه كل المناصب والصلاحيات لابنه تيمور يبقى هو وليد جنبلاط!
المصدر: هنا لبنان
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|