إنذارات إخلاء شبه مستمرة للضاحية تضع بيروت عموماً ضمن مرحلة جديدة من الحرب...
مسارات ثلاثة أساسية...
"مرّ أكثر من شهر ونصف الشهر على خروجنا من منزلنا، لم نتلقَّ مساعدات من أي جهة، لم يسأل عنّا أحد، استفسروا هنا فقط عن عددنا داخل الشقّة وعمل كل منّا، وصاحب الشقة يتحجّج بـ"زبون دفّيع" لإخراجنا. فمن سيسأل كيف سنوفّر التدفئة لصغارنا يا ترى؟". بهذه الكلمات يصف أحد النازحين من الضاحية الجنوبية لمدينة بيروت إلى إحدى المناطق الجبلية حجم المعاناة التي يخشاها مع قدوم فصل الشتاء.
هي الحرب الإسرائيليّة التي أرخت بثقلها على جوانب الحياة كافّة، من مأكل إلى ملبس، تعليم وطبابة، نزوح وتهجير، حتى بات سيناريو اليوم التالي يُرعب من لم تتمكّن آلة القتل من الوصول إليه.
الاستعدادات لفصل الشتاء ليست تفصيلاً عند الحديث عن الآلاف من المواطنين الذين تركوا منازلهم ونزحوا إلى مناطق أكثر أماناً. فهل من حلول منتظرة على هذا الصعيد؟
يواجه مستأجرو الشقق غير المفروشة، مصاعب كبيرة، كونها لا تخضع للإجراءات المتّبعة في مراكز الإيواء المعتمدة من قبل الحكومة اللبنانية. مناشدات الجمعيات والناشطين في مواقع التواصل، المطالبة بتأمين "حرامات" و"كنزات صوف"، لا تتوقّف.
تقول إحدى الناشطات من منطقة الشوف "تمكّنا من تأمين حوالي 300 بطانية بسعر الجملة وبمبادرات فرديّة لتوزيعها على العائلات النازحة. كما تمكّنا من تأمين حوالي 50 سجادة أيضاً و30 مدفأة على الغاز".
تعوّل الناشطة على "الناس الميسورة" في مساعدة النازحين مع قدوم فصل الشتاء، إلّا أنّها تشدّد على أنّ هذه المبادرات وحدها لا تكفي، خصوصاً أنّ معظم النازحين لم يعتادوا على موجات الصقيع في المناطق الجبليّة، وتقول: "انشالله تخلص الحرب قبل التلج وتسكير الطرقات".
سيدة نازحة من إحدى القرى الجنوبيّة الحدوديّة إلى منطقة القماطيّة، هي و17 من أفراد عائلتها تقول لـ"النهار": "منذ حوالي الشهر، وُضعنا أمام 3 خيارات إمّا الموت تحت القصف في منازلنا أو النزوح إلى مركز إيواء أو استئجار شقّة. وبعد أن تمكّنا من العثور على شقة بسعر خياليّ والدفع 6 أشهر سلف، وبين المرّ والأمرّ منه، قرّرنا استئجار المنزل وتقاسم المصاريف".
تضيف: "تمكّنا من تأمين عدد من فرشات النوم وكذلك ثلاجة وغسّالة، ولكن اليوم وعلى أبواب فصل الشتاء ماذا سنفعل في نقص وسائل التدفئة؟ الوضع صعب للغاية، والمكان غير مهيّأ للسكن في فصل الشتاء".
من جهته، يقول نازح من منطقة البقاع إلى منطقة عيتيت لـ"النهار": "أوضاعنا هنا في تدهور مستمر. لم أتمكّن من إخراج قطعة ثياب واحدة من منزلي. يعاني والدي وهو رجل مسن وكذلك أطفالي الثلاثة من نزلات البرد وأعراض صحيّة أخرى بسبب تغيّر الطقس. وعلاوة على ذلك، أوضاعي الماديّة لا تسمح بتأمين لا وسائل تدفئة ولا حتى طبابة وبالكاد أدفع بدل إيجار المنزل والحاجات الأساسيّة".
يطلب النازح من الدولة اللبنانيّة والجهات المعنيّة أن تلتفت لمعاناتهم، ويقول: "فليتحرّكوا قبل أن يأتي الشتاء ويزيد من معاناتنا، هل سننتظر المبادرات على مواقع التواصل لتأمين "الحرامات"؟".
نازحة أخرى من بلدة عدشيت القصير إلى منطقة جبيل تقول لـ"النهار" إنهم يفتقرون إلى كل تجهيزات الشتاء، من ثياب ووسائل تدفئة.
تضيف: "أقوم بتسخين المياه كي أتمكّن من غسل ثياب أطفالي".
وعن شبح فصل الشتاء الذي يثير هواجس النازحين، يؤكّد ممثّل موزّعي المحروقات فادي أبو شقرا لـ"النهار"، أنّ كميّات المازوت المتوفّرة في السوق كبيرة، وأنّ البضاعة تصل بشكل مستمرّ.
ويشير إلى أنّ بعض اللجان والمقتدرين في المناطق الجبليّة التي نزح إليها المواطنون يحاولون المساعدة قدر الإمكان لاجتياز هذه المرحلة.
يشرح أبو شقرا أنّ هناك طلباً كبيراً على المازوت من المدارس والثانويات التي تحاول تأمين المادة في المناطق كافة، ويأمل أن تؤدي خطة وزارة الطاقة إلى انفراجة، لاسيّما بعد الأموال التي رصدتها الحكومة لفتح اعتماد لتأمين المازوت في مراكز الإيواء على ارتفاع 300 متر وما فوق.
وفي هذا الشأن، كشف رئيس لجنة الطوارئ الحكومية، الوزير ناصر ياسين، في حديثه لـ"النهار"، أنّ العمل جارٍ الآن على تنظيم بيانات الناس الموجودة في المنازل بالتعاون مع المحافظين ووزارة الشؤون الاجتماعية، وسيتمّ البدء بتوزيع مساعدات غذائيّة أيضاً.
وقال: "نعمل على مسارات ثلاثة أساسية، المسار الأول متعلّق بتأمين مازوت للتدفئة في المراكز الموجودة في المناطق الباردة على ارتفاع 300 متر وما فوق، في الجبل، البقاع، الشمال، جزين وغيرها، وهي 541 مركزاً بين مدارس حكوميّة وخاصة ومراكز إيواء".
وأضاف: "أجرينا مسحاً مفصّلاً لحاجاتهم، والحكومة قرّرت الأسبوع الماضي فتح اعتماد أو إعطاء سلفة لوزارة الطاقة عبر منشآت النفط لإرسال المازوت لهذه المراكز، ونعمل على تحريك الملف بشكل نهائي مع وزارة المال، ووضعنا آليّة للتنفيذ والمراقبة مع وزارة التربية ووزارة الشؤون الاجتماعيّة والمحافظين".
وعن المسار الثاني، يشرح ياسين أنّه "يجري العمل على تجهيز مراكز الإيواء، عبر المنظّمات والمانحين، لتغطية النقص، كتأمين الدفايات أو الصوبيات أو صيانة النوافذ في الغرف مثلاً".
أمّا المسار الثالث والأخير، فهو متعلّق بالأمور الشخصيّة، الملبس أو البطانيّات وغيرها، كل ما يصل عبر لجنة الطوارئ "نرسله إلى المناطق الباردة، ولكن أرقام المساعدات قليلة. هيئة الإغاثة ومجلس النواب أيضاً يقومان بالتنسيق مع المحافظين ولجنة الطوارئ بتوزيع الحاجات الفردية وكذلك المنظمات الدولية، ومنها "اليونيسيف" التي ستوزّع عشرات الآلاف من الثياب على الأطفال النازحين".
يشير رئيس لجنة الطوارئ الحكومية لـ"النهار"، إلى أنّ هذه المسارات الثلاثة تبلغ كلفتها حوالي 68 مليون دولار. ويقول: "نحن سنؤمّن 10.4 ملايين دولار للتدفئة والمازوت، أمّا الملبس والبطانيّات فعبر مجلس الجنوب وهيئة الإغاثة، والأمور الأخرى سيتمّ تأمينها ضمن التعاون مع برنامج الاستجابة المشترك مع الأمم المتحدة.
ديما عبد الكريم - النهار
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|