مكتب وزير العمل: لا صحة للانباء عن إقفال المؤسسات والاعمال غدا
لبنان بلدٌ منكوب والتخطيط للتعافي يبدأ من الآن
انخرط المجلس الوطني للبحوث العلمية في إحصاء العدوان وتقدير أثره على لبنان. فمراكز المجلس العلمية، ومنصّة الإنذار المبكر التي أُسّست للعمل على الكوارث الطبيعية، تحصي يومياً الاعتداءات من خلال برمجيات متطورة لتصنيفها وأرشفتها، ودراسة أثرها على البيئة والزراعة والعمران. يفترض أن يتراكم هذا الجهد ليُترجم لاحقاً في تقارير علمية تقدّر الأضرار بعيداً من المبالغات والسذاجة السائدة. بحسب الأمينة العامة للمجلس تمارا الزين، فإن أبرز الصعوبات هي الحصول على صور الأقمار الصناعية التي تتيح استكمال هذا العمل. لكنها تقول إن هذا الأمر ضروري لرسم صورة واضحة بشأن نقاشات اليوم التالي ومساراته، وهو أمر ضروري للتعامل مع ركام المباني والمنازل ولوضع خطّة لإعادة الإعمار ولإنهاء حالة النزوح... كل ذلك يمكن أن يبدأ من اعتبار لبنان بلداً منكوباً.
هناك أكثر من رأي بضرورة إعلان لبنان بلداً منكوباً أو مصاباً بكارثة. من خلال تحليل الأضرار الذي تقومون به في المركز هل ترون وجوب إعلان لبنان بلداً منكوباً؟
ناقشنا ذلك في اللجنة الفرعية التي تعمل على إنشاء قانون الهيئة الوطنية لإدارة الكوارث، وقلنا إنه يجب أولاً تعريف الكارثة، وقياسها لتكون كارثة محلية أو وطنية. اعتبار المناطق منكوبة هو محرّك كبير. فالاتفاقيات الدولية تشير إلى أنه في حال إعلان مناطق منكوبة، تتحرك آليات العون والمساعدة. لذا، ليس من الخطأ اعتبار هذه المناطق منكوبة فعلياً. ففي الواقع، سُجّل نزوح 1.3 مليون شخص، أي ثلث تعداد اللبنانيين. هذه نكبة في القرى الأمامية، والضاحية، وبعلبك والجوار. ومن دون الدخول في منطق الفدرالية، تُعدّ هذه المناطق أساسية في البلد، لذا البلد كلّه منكوب.
ما هي مترتبات النكبة؟
إعلان حالة الطوارئ ليس ضرورياً. إعلان منطقة منكوبة يؤمّن مقاربتين زمنيتين للموضوع؛ الأولى هي الاستجابة السريعة، وبالتالي تحشيد كلّ المقدّرات الموجودة في الدولة والمنظمات الدولية. فمن الواضح أن حجم الكارثة كبير، وأنها لم تحصل بالتدريج. لكنّ التقصير موجود. نعم، في التحضير. إنما الاستجابة كانت مقبولة نسبياً. ولا يمكن أن ننكر أنّ الجهات الدولية لم تصرف الأموال بالشكل المطلوب، ربما بسبب أجندات سياسية. أما على الصعيد الداخلي فالاستجابة مقبولة، خاصة على الصعيد الشعبي.
الأمر الثاني، يتعلق بالتعافي. يجب أن يبدأ التخطيط للتعافي من اللحظة الأولى لإعلان النكبة. وهذا أمر أساسي حتى لو دامت النكبة سنوات، فهي ستنتهي. لذا يجب وضع جدول زمني لإعادة الإعمار، وإعادة الناس إلى بيوتهم والدورة الاقتصادية. كلّها أمور تحتاج إلى تخطيط.
في أي إطار يعمل المجلس الوطني للبحوث على تقييم الأضرار؟
لا يعمل المجلس على تقييم الأضرار. بل عملنا أكثر على تماس مع الكوارث الطبيعية، خاصة عبر منصة الإنذار المبكر. بنفس المنهجية التي تُستخدم في حالة الحروب لتقييم الأضرار، مثل حالة الكوارث الطبيعية. لدينا أدوات وكادر بشري لنعمل. وهناك أرقام تُرمى كيفما كان مثل مساحة الحرائق والأضرار. يجب أن تكون لدينا معطيات علمية ثابتة. هكذا، باشرنا في تقييم الأضرار ضمن زاويتين:
- أولاً تصنيف الاعتداءات، وهي المرّة الأولى التي يجري العمل فيها في لبنان بهذه الطريقة، إذ كان الاعتماد يتم بشكل كبير على الإعلام الأجنبي وأرقامه، بينما نحن قادرون على جرد الاعتداءات على أراضينا بواسطة البرمجيات المتطوّرة وغيرها من المدخلات العلمية. وهذا ما سيمكّننا من وضع خريطة للقصف المدفعي، الفوسفوري، الغارات... وهذا أساسي للعمل لاحقاً على الخطط. يمكننا معرفة أيّ مناطق كانت تتعرّض للقصف ونوع القصف وغيرهما.
- ثانياً، تقييم أثر الاعتداءات على عدة قطاعات، وأوضحها بالنسبة إلينا، هي البيئة والزراعة. هذا أول مؤشّر كنا نقوم بقياسه من خلال استخراج صور الأقمار الصناعية وإجراء مقارنات مع الخرائط الأصلية في لبنان. حتى الآن تبيّن أنه حُرق ألفا هكتار. وبناءً على المدخلات الموجودة في حوزتنا، يمكن تحديد الأشجار المزروعة على كلّ متر من هذه الهكتارات المحروقة، لأننا نملك خريطة الغطاء النباتي.
على صعيد البنى التحتية لدينا فكرة واضحة عن الأضرار، أما على صعيد المباني فالأمر ليس بهذه السهولة، إذ إنه لا توجد أي جهة دولية توافق على إعطائنا صوراً عالية الدقّة من الأقمار الصناعية للمنطقة الحدودية. الشركات الأميركية في المبدأ هي من يملك هذه الأقمار الصناعية إضافة إلى أمر أساسي وهو أن إسرائيل تعتبر أنّ هذه المنطقة أمنية وأن هذه الصور تضرّ بها. ونحتاج إلى هذه الصور لمعرفة حجم الدمار، بينما لا نحتاج إليها لمعرفة الأضرار اللاحقة بالغطاء النباتي. لكننا نعمل على هذا الأمر من خلال منهجيات مختلفة وسنصدر لاحقاً تقريراً نعدّد فيه حتى الأضرار على البنى التحتية في إطار مقاربة شاملة بعيدة عن التقارير المتفرقة للوزارات.
وفي مقابل حجب الصور عن لبنان، نرى أن شركة «إيبسوس» الأميركية حصلت على صور عالية الدقة، واستخدمتها مع البنك الدولي لوضع تقرير أولي للأضرار في حزيران 2024. لكنّ الخلاصة التي وردت في التقرير لا تتناسب مع الواقع، إذ وجدوا أنّ الخسائر المباشرة على مستوى الزراعة والبنى التحتية تبلغ 400 مليون دولار بشكل مباشر، وتبلغ قيمة الأضرار غير المباشرة نحو 800 مليون دولار. لم نقتنع بهذه الخلاصة لأن الرؤية من فوق لا تأخذ في الاعتبار ما يسمّى «الأضرار الجزئية» (الرؤية من فوق تركّز على الأضرار الشاملة). في كل الأحوال، إن أي تقرير شامل يجب أن يوضع بعد وقف النار لمعاينة الأضرار الجزئية. مثلاً، القمر الصناعي يحدد المبنى المدمّر، إنما ما نعاينه على الأرض من أضرار إضافية في المنشآت المحيطة بالمبنى المدمّر، غير مسبوق حتى في حرب تموز. لذا لا يمكن معرفة عدد المباني المتضعضعة أو غير الصالحة للسكن أو تلك التي تستوجب تأهيلاً عميقاً... ما يخرج من أرقام هو مجرّد تقديرات، بعضها غير واقعي، وكلّ التقديرات لن تكتمل ما دامت الصورة على الأرض غير واضحة.
هل تتحضرون لإجراء مسوحات وما هي إمكاناتكم للقيام بذلك؟
لدينا مُسيّرات يمكنها المسح بشكل سريع وواضح، وقد وضعناها في خدمة مجلس الجنوب. ليس لدينا اقتصاديون في المجلس. ولكن نتعاون مع منظمات دولية لديها متخصصون في الاقتصاد يمكنهم المساعدة، مثل UNDP.
برأيك ما هي دوافع تضخيم الأرقام في التقديرات التي تصدر الآن عن مختلف الجهات؟
كلّ الأرقام التي تصدر الآن ليست دقيقة. لا بل هناك سذاجة في مقاربة هذه الأرقام، كأنّ تضخيمها يفرض على العدو دفع الفاتورة. بعد عدوان تموز، قُدّر الضرر البيئي جرّاء قصف خزانات معمل الجية بـ850 مليون دولار من قبل الأمم المتحدة، وحتى الآن لم يدفع العدو. هناك أيضاً من يريد تضخيم الأرقام لتحميل المقاومة مسؤوليات إضافية، وهذا له أهداف سياسية. هناك أيضاً سذاجة في التقدير، فأيّ مجتمع دولي تقول له إنّ الأضرار بلغت 20 مليار دولار لن يدفعها. نقول لهؤلاء، اهدؤوا، لا توجد 37 قرية مدمّرة كلياً، فتتم مواجهتنا كأننا نخفّف من الضرر الذي سبّبه العدو. في السياق نفسه أيضاً، هناك من يلعب على العامل النفسي للنازحين، إذ يقال لهم يومياً إنّ قراكم دُمّرت ومُسحت كلّياً، وهذا أمر ينطوي على محاولات لإثارة النعرات الديموغرافية بالإيحاء للمضيفين بأن النازحين الذين دُمرت قراهم كلياً لن يرحلوا، وأن المدارس ستبقى مقفلة لأنها مراكز إيواء. حذّرنا من التعامل مع الأرقام بمبالغة، وهذا يدفع المانح إلى عدم تصديقنا.
ثمة الكثير من التقديرات عن أضرار تفوق الـ 15 مليار دولار. فما الذي يجب أن يُحتسب في منهجية تقييم الأضرار بين ما هو مباشر وغير مباشر؟
عدا 2000 هكتار من الأراضي المحروقة، هناك 130 ألف هكتار من الأراضي الزراعية متروكة نتيجة النزوح والاعتداءات. وهذه وحدها تمثّل ربع المساحات الزراعية في لبنان. هل سيؤثر ذلك؟ طبعاً. ستُحتسب في الأضرار غير المباشرة حكماً. بينما طريقة الاحتساب يجب أن تكون دقيقة. فعلى سبيل المثال، قيل إنّ خسائر قطاع التزلج تبلغ مليار دولار، وهو ما يثير سؤالاً أساسياً: متى كان ناتج التزلج في لبنان مليار دولار؟ هناك أيضاً تقارير تتحدّث عن خسارة 60 ألف شجرة زيتون مطلع عام 2024، بينما كانت المساحة المحروقة من الزيتون تساوي 10 هكتارات فقط، أي نحو 4 آلاف شجرة في أعلى تقدير. أما الآن، فهناك 120 هكتار زيتون، لذا يمكن التكلم عن 48 ألف شجرة. في وقتها لم يصل الرقم إلى 3 آلاف شجرة. كذلك، نعرف أن مساهمة الزراعة في الناتج المحلي أنّها لا تزيد عن 3% في أحسن الأحوال. كما أنه من المعروف أن منطقة الجنوب ليست صناعية. صحيح أن فيها صناعات صغيرة، وأسواقاً تجارية قديمة، لكنّ الخس ائر لا ترتقي إلى مليارات الدولارات. إنما الكلفة الكبيرة هي في الأضرار اللاحقة بالملكيات والمنازل.
يبدو أننا نعيش تحت ضغط العدوان اليومي، لكن ما أهمية التخطيط لليوم التالي على نهايته؟
يجري التركيز حالياً على أعمال الإغاثة والإيواء من فرش وحصص غذائية وسواها. لكن بالتوازي يجب أن نقوم بأمر آخر. فعلى سبيل المثال، في موضوع الفوسفور، من الآن علينا إحصاء المزارعين والتفكير جدياً في تدريبهم بشأن آليات التعامل مع أراضيهم. بيئياً، لقد احترق 1200 هكتار من السنديان، وبالتالي يجب أن نناقش مسألة إعادة "التحريش" وأن نستبق الاجتهادات غير المناسبة التي يروّج لها البعض بزرع أنواع غير مناسبة من الأشجار في أراضينا، خاصة أنّ عدداً من الدول سيرسل تبرّعات على شكل غرسات. فهل نحضّر شتولاً من الآن لتكون جاهزة عند العودة في اليوم الأول بعد الحرب؟ المزارع الذي خسر أول وثاني محصول، ما هي الخطة التي سيعتمدها بشكل منظّم؟ هل سيتم دفع مبالغ نقدية للمزارعين ليتمكنوا من إعادة الانطلاق والعمل في أراضيهم؟.
ما نحاول القيام به، أن نقسّم العمل على قطاعات. كل قطاع بقطاعه يجب رسم خطته لليوم التالي. حتى إعادة الإعمار كيف ستتم؟ هناك تجربتان بعد حرب تموز 2006. إعادة إعمار سوق بنت جبيل أفقدته الطابع الأثري والتراثي الذي كان عليه. هناك مسائل، حتى لو لم تظهر أولوية للبعض، لكنها ضرورية مثل الحفاظ على الهوية الثقافية في إعادة الإعمار. هناك مثال واضح أمامنا، فمنطقة وسط بيروت «سوليدير» بلا حياة بعدما أُعيد إعمار الشكل فقط.
ما يقال عن مخطّط عمراني لمناطق محدّدة، أمر قابل للنقاش، لكن ليس لدينا ترف الوقت أو المال لإعادة النازحين إلى منازلهم. علينا أن نقوم بالحدّ الأدنى في الإطار العام الذي نخطّط له. يجب أن نقوم مثلاً بأرشفة رقمية لكل المواقع الأثرية في لبنان، فمن اللافت أننا لم نقم بهذا الأمر قبل ذلك. المهم أن اليوم التالي يقوم على تقسيم القطاعات والتخطيط لكل منها.
قد تخرج بعض الأصوات التي تطالب بالاعتماد على جهات خارجية، فبرأيك هل يجب أن نقوم بذلك؟
نحن لسنا بحاجة. لدينا القدرات الذاتية القادرة على التخطيط الصحيح. نعم، سيقال علينا المراقبة بشكل متشدّد لدفع تهمة الفساد. لكن لا أحد يمكنه أن يقول إنّ الجهات الدولية ليست فاسدة، فهم يقتطعون من الموازنات لمكاتبهم أيضاً. لن نجلد مؤسّسات الدولة فقط. نحن قادرون ولدينا الخبرات.
إذاً، هل ينقصنا القرار السياسي؟
يمكن الاستفادة من حرب تموز 2006. كانت تجربة الإعمار درساً جيداً ولم تكن عاطلة. نعم، اختلف الوضع مادياً وعلى مستوى الدمار أيضاً. إنما هناك خبرة معيّنة أدارت العملية. حتى الوزراء غير مقتنعين بخبرات بلادهم. يا ليتهم استعانوا بأشخاص عملوا خلال حرب تموز 2006 في خلية الأزمة.
الركام لردم البحر
بدأنا بالعمل على الردم الناتج من تدمير المباني والمنازل. أبلغت رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، أنّه مع تقديري لكل العمل الإغاثي، لكن لا أحد يفكر في اليوم التالي. ذهبنا للتسول والتمويل، إنما لم نقدّر بعد اليوم التالي للحرب. فحجم الدمار مختلف عن ما جرى في حرب تموز 2006. حتى الآن هذا الظاهر. في بعلبك مثلاً، الدمار كبير جداً، وهذا لم يحدث في حرب تموز 2006، يومها دُمر حي واحد في المدينة.
فكّروا بالردم، وكيفية معالجته. تفكر الجهات الحكومية في ردم جزء من البحر بواسطة الردم. وللغاية، طلبوا من المجلس خرائط قاع البحر. تقديري أنّ هناك من يرى أنه ليس هناك حل ثانٍ غير ردم البحر، أو ربما هي مشكلة الوقت وتقصير المدة الفاصلة بين نهاية الحرب وموعد عودة الناس إلى أحيائهم وبيوتهم. فهناك تخوف من فوضى داخلية بين السكان. أسرع طريقة هي الردم، إنما بطريقة علمية. وهناك حلول ثانية، ولكن لا نملك ترف التفكير في الحلول الخلّاقة.
محمد وهبة، فؤاد بزي - الاخبار
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|