العريضي يحذّر من "فشل" يُودي بلبنان إلى الدمار... "الله يستر"!
نبيه بري… العالق بين سيفين!
هل يدرك الرئيس نبيه بري أن سياسة التذاكي التي استخدمت في حرب تموز لا تحظى بالكثير من فرص النجاح في “حرب أيلول”، وأن الفريق الاسرائيلي الذي يقاتله الآن لا يشبه أبداً الفريق الذي قاتله في العام ٢٠٠٦ ولا أي فريق آخر خاض حروباً مع العرب منذ العام ١٩٤٨؟
وهل يدرك أيضاً، أن الظروف الاقليمية والدولية التي تحوط بلبنان منذ الثامن من أكتوبر، لا تصب في مصلحته بعدما حوّله “حزب الله” الى جبهة ايرانية مباشرة على حدود اسرائيل، لا بل الى ذراع مرشحة للقطع في أي استراتيجية غربية أو عربية معادية للثورة الاسلامية في طهران؟
وأكثر من ذلك، هل يدرك الرئيس بري أنه يدافع عن قرار بائد أثبت فشله على مستوى التطبيق والالتزام، وأن من غير الممكن احياؤه كما هو من دون تعديلات أساسية وضمانات دولية وعربية؟ وهل يدرك أيضاً أنه يخوض معركة تضعه بين خيارين: اما معركة ينتصر فيها “حزب الله” وحده، واما هزيمة يدفعان ثمنها معاً، وأن لعبة تدوير الزوايا التي كانت تجوز في مراحل سابقة لا تجد مكاناً لها في ظل حكومة يمينية متطرفة يقودها رجل مجنون هو بنيامين نتنياهو وليس حكومة أقل تطرفاً كان يقودها رجل ضعيف هو ايهود أولمرت الذي سارع الى وقف الحرب بعد سقوط مئة من جنوده في جنوب لبنان؟
تقول مصادر قريبة من عين التينة إن بري يدرك كل ذلك، لكنه يدرك أيضاً أنه مرتبط طائفياً ومناطقياً وديموغرافيا بشريكه الشيعي على الرغم من الماضي الدامي الذي حصد المئات من رجالهما في عز الصراع السوري – الايراني على أرض لبنان، مشيرة الى أن الرجل لا يدافع عن سلاح المقاومة الاسلامية فقط، بل أيضاً عن سلاح حركة “أمل” المشمول في القرار ١٥٥٩، وعن الهيبة الشيعية التي استطاع من خلالها السيطرة على رئاسة مجلس النواب، وعلى وزارات سيادية وصناديق ومؤسسات خدماتية، والتحكم بانتخابات رئاسة الجمهورية وتحديداً بعد العام ٢٠٠٥، اضافة الى الاحتفاظ بسلطات يعتد بها داخل الجيش والأجهزة الأمنية الأخرى وصولاً الى تشكيل ميليشيا خاصة لحراسة مبنى البرلمان.
وتضيف المصادر، ان المطلوب من نبيه بري الآن هو التخلي عن كل ذلك سواء بالقوة أو بالحسنى، والقبول بجو سياسي جديد في البلاد يشبه الى حد ما الجو الذي أعقب الاجتياح الاسرائيلي في العام ١٩٨٢، أي الجو الذي وقف فيه مصدوماً وهو يرى لبنان ينزلق نحو محور دولي الهوى لا مكان لسوريا فيه ولا دور للسلاح الفلسطيني بقيادة ياسر عرفات، لافتة الى أن الرجل يحاول شراء الوقت بأي ثمن للوصول الى هدفين: الحؤول دون انتخاب رئيس للجمهورية لا يكون من نادي المسترئسين، وتمييع القرار ١٥٥٩، اضافة الى تلبية المصالح الايرانية التي لا تتماهى مع أي وجود دولي أو أطلسي على الحدود اللبنانية مع اسرائيل.
وثمة هدف آخر في حسابات بري وهو الافادة من غياب القيادات الفاعلة في “حزب الله” لملء الفراغ وحيداً في الشارع الشيعي مدعوماً من طهران نفسها، الأمر الذي يفسر الحفاوة اللافتة التي استقبل بها الموفد الايراني الخاص علي لاريجاني مستفزاً بذلك الغالبية الساحقة من اللبنانيين الرافضين الهيمنة الايرانية على قراري الحرب والسلام في لبنان.
وأكثر من ذلك، لا يبدو بري حريصاً على لعب دور الوسيط الذي يسعى الى حل لبناني عام وشامل بقدر ما يبدو حريصاً على حل يرضي البيئة الشيعية ويمنعها من أن تتحول بعد الحرب الى ركن سياسي أو طائفي مكسور أو محبط في مواجهة معارضة منتعشة قائمة على معادلة جديدة هي أقرب الى التدويل منه الى اللبننة الشيعية المحض.
وقد يبدو كل ذلك صحيحاً لكن السؤال الذي يطرح نفسه بشدة، هل يملك بري القوة التي سيحتاج اليها لوقف الحرب وفق شروط ايران و”حزب الله” التي يسلمها قريباً الى تل أبيب عبر واشنطن، في وقت بدأ الميدان الذي يراهن عليه يتخذ على الأرض منحى معاكساً، وفي وقت فشلت ايران في توحيد الساحات وفي جر الرئيس السوري بشار الأسد الى دخول الحرب بعد سلسلة محاولات كان آخرها المحادثات التي أجراها وزير الدفاع الايراني في دمشق، اضافة الى الضغوط التي بدأت تتراكم على المشروع النووي الايراني مع فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية؟
وأكثر من ذلك هل يبدو رئيس البرلمان اللبناني مستعداً لخسارة كل ما بناه على مدى خمسين عاماً في الحياة السياسية والميليشياوية من أجل نصر تستفيد منه ايران أكثر مما يستفيد منه لبنان أولاً وشيعة حركة “أمل” ثانياً، أو من أجل “جمهورية اسلامية” يقودها “حزب الله” وتشكل جبهة أصولية معادية للأنظمة العربية وفي مقدمها النظام السوري نفسه، أو على المستوى الشخصي من أجل الشيخ نعيم قاسم الذي ينظر اليه بري على أنه قيادي عادي غير مؤهل لملء الفراغ الذي أعقب اغتيال حسن نصر الله واستقطاب الشارع الشيعي الجريح.
أسئلة كثيرة بعضها مطروح في الداخل وبعضها في الخارج، لكن الواقع يفيد بأن بري ليس في وضع يحسد عليه، وليس في المكان الذي يستطيع فيه التذاكي كما يشاء، وليس في الميدان الذي يواجه فيه خصماً محلياً لأسباب سياسية أو شخصية، بل في المكان الأوسع اقليمياً ودولياً الذي سقط عليه مرغماً هو الذي حاول مع الرئيس نجيب ميقاتي ووليد جنبلاط الخروج منه باكراً بأقل قدر من الخسائر والاحراجات قبل أن ينزل عليه الايرانيون بالمظلات للجم اندفاعته الوطنية واستبدالها باندفاعة شيعية.
انه الإمتحان الأصعب في مسيرة الرئيس نبيه بري الذي يجد نفسه وهو في الثمانينيات من عمره أمام واحد من خيارين: اما التحول الى بطل وطني مرشح ربما للاغتيال من محور الممانعة، واما التحول الى بطل شيعي مرشح للعقوبات من محور الغرب وربما للاغتيال من اسرائيل التي تلاحق معاقله في الجنوب الواحدة بعد الأخرى وتقترب تدريجاً بعد اغتيال محمد عفيف من الجسم المدني والسياسي الذي يختبئ في أماكن محصنة ومنها مبنى البرلمان.
حقيقة واحدة يجهلها بري أو يتجاهلها، وهي أن اسرائيل تخوض آخر حروبها الدينية قبل أن تستقر آمنة في “أرض الميعاد”، وأن ايران تخوض أشرس حرب دينية قبل أن تنعم بهلالها الشيعي المنتظر، وأنه بات من حيث يدري أو لا يدري عالقاً في الوسط كما يعلق أعزل بين سيفين.
أنطوني جعجع-لبنان الكبير
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|