شيعة لبنان ومستقبل "حزب الله"
وحدهم اللبنانيون المنتمون إلى الطائفة الشيعية يمكنهم إنقاذ لبنان عموماً وأنفسهم خصوصاً، من دوامة الموت والنزوح والدمار والتفقير، بوضع "حزب الله" في دائرة المحاسبة والمساءلة، ليقارنوا بين ما سبق أن وعدهم به والنتائج التي حصدوها!
جميع اللبنانيين الآخرين الذين عارضوا "حزب الله" وحذروا من مغبة ما يخطط له وما يقوم به، لا يُجدون نفعاً، لأنّ أقصى ما يمكن أن يفعلوه في ذروة غضبهم، أن يعربوا عن نيتهم بـ"الطلاق"، على اعتبار أنّ ذلك يحيّدهم، إلى حد ما، عن تداعيات "أجندة مجنونة"، سواء صيغت في لبنان أو تمّ إملاؤها عليهم من "الجمهورية الإسلامية في إيران"!
"حزب الله" سبق أن وعد بيئته بأنّه قادر على أن يحميها من الحروب. طمأنها إلى أنها يُمكن أن تستثمر، حتى على طول الخط الأزرق، لأنّ حرب تموز (يوليو) 2006 كانت "آخر الحروب". قدّم لها نفسه على أساس أنه القوة التي "تبني وتحمي". عندما أدخلها في نزاعات مع البيئات اللبنانية الأخرى ومع شريحة واسعة من السوريين ومع دول عربية أساسية، أفهمها بأنّها لن تحتاج إلى أحد، راهناً، أمّا في المستقبل، فسوف يخضع الجميع لإرادتها. وعندما أعلن هذا الحزب انضمامه إلى حرب "طوفان الأقصى"، طمأنها إلى أنّ قراره هذا لن يجرّ عليها أي حرب، وحين تدخّل الوسطاء لإخراجه من هذه الحرب، حاملين إليه تحذيرات من تبلور قرار إسرائيلي بشن حرب طاحنة عليه، سخر منهم واعتبر أنّهم يناورون، على اعتبار أنّ "إسرائيل أوهن من بيت العنكبوت"، وتمسك بإصراره على البقاء في "جبهة المساندة" حتى توقف إسرائيل عدوانها على غزة.
المهم أنّ كل ما وعد به "حزب الله" اللبنانيين عموماً والبيئة التي يعمل فيها خصوصاً، ذهب هباء منثوراً.
راهناً، يسعى "حزب الله" إلى تقديم سردية جديدة، ويحاول أن يقنع بها الجميع: إسرائيل لا تحتاج إلى حجة لتعتدي على لبنان. حسناً فعل "حزب الله" بدخوله إلى حرب "طوفان الأقصى" لأنّه تجنّب الأسوأ. إسرائيل وحش "فالت" ولا بدّ من "إعادته إلى الحظيرة". لولا مقاومة "حزب الله" العنيدة والصلبة لاحتلت إسرائيل بيروت مجدداً. لم نتمكن هذه المرة من إزالة إسرائيل، ولكننا تقدمنا خطوة نوعية نحو الهدف. إسرائيل أصبحت منهارة، خائفة، مهجورة، ومنبوذة.
"حزب الله" الذي يقوم بأعماله انطلاقاً من بلد مشرذم مثل لبنان، وباتت أجزاء أساسية منه محتلة، مثل لبنان، ومهدم مثل لبنان، وفقير مثل لبنان، ومهجور مثل لبنان، وعاجز عن إقامة سلطة تنفيذية فاعلة، مثل لبنان، ولديه أنظمة داعمة على قياس النظامين الإيراني والسوري، ولم تخرج مظاهرة واحدة مؤيدة له على امتداد العالم، ولن يستقطب قرشاً واحداً لإعادة الإعمار، من دون ألف شرط وقيد، مثل لبنان، يقول ذلك!
يقول ذلك، ليس لأنه غير مدرك للوقائع، إنّما لأنّه يريد أن يعيد الكرّة. يريد أن يكرّر المحاولة التي فشل فيها. يريد أن يؤسّس نفسه من جديد ليتمكن من خوض حرب جديدة، عندما تحين ساعتها!
لا يمكن لـ"حزب الله" أن يعيش بلا سلاح وبلا وظيفة عسكرية. لم تؤسسه إيران ليكون لاعباً سياسيّاً، بل ليكون ذراعاً عسكريّة لها. حين أتاحت له الدخول في العمل السياسي، إنما هدفت إلى تمكينه من التأثير على السلطة من أجل المحافظة على لبنان في موقع "العمق الاستراتيجي" لها.
عندما تضع هذه الحرب أوزارها، سوف يطل من بقي حيّاً من قيادة "حزب الله"، ومن سوف يتم تقديمهم إلى الواجهة، لإعلان "انتصار" جديد، وليقدموا وعوداً بانتصار ساحق مقبل. سوف يرفع هؤلاء أصواتهم ضد اللبنانيين الذين سبق أن حذروا من الحرب وعادوا ووقفوا ضدها. سيكون التحريض ضد اللبناني الآخر هو "المخرج" من المساءلة والمحاسبة. ستكون مسؤولية التعويضات وإعادة الإعمار ملقاة على عاتق الدولة الفقيرة وشبه المعزولة. سوف يصرخ هؤلاء في وجه "الدولة المتآمرة" على "ضحايا الحرب" الذين يدفعون ثمن "تغييب الدولة" و"تحييد الدولة" و"إضعاف الدولة"!
لن يُدرِج "حزب الله" في "لائحة الشرف" سوى نفسه وإلى جانبه إيران والنظام السوري. الآخرون سيكونون على "لائحة العار". سوف يوزع أوسمة "الوطنية" و"العروبة" و"الشجاعة" و"الذكاء" و"التبصر" على من يعتقد بأنهم يستحقونها، أي على هؤلاء الذين جروا لبنان إلى الحرب وتسببوا بتدميره وتركوه وحيداً في مواجهة أعتى آلة حربية في المنطقة.
ليس المهم أنّ سائر اللبنانيين سوف يسخرون مما يفعله ويقوله، لأنّ شيعة لبنان هم من يملكون، بالفعل والواقع وبفعل طبيعة النظام اللبناني وعقلية الشعب اللبناني، القدرة على منع "حزب الله" من الجلوس على منصة القاضي لوضعه في مكانه الصحيح، قفص المساءلة!
فارس خشان -النهار
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|