ما الفائدة من سلاح “الحزب” إذا تراجع إلى شمال الليطاني؟
بلغت الحرب بين اسرائيل و”حزب الله” ذروتها، تواكبها على خط مواز مفاوضات تتولاها الولايات المتحدة الأميركية متمثلة بموفدها آموس هوكشتاين، تتمحور حول وقف إطلاق النار وتنفيذ القرار 1701 الذي يقضي بنزع سلاح “الحزب” وانسحابه الكامل من جنوب لبنان، لإنهاء مرحلة الفوضى الأمنية في الجنوب اللبناني. لكن القوى السياسية اللبنانية المعارضة لـ”الحزب”، تتساءل عن تجنّب الرئيس نبيه بري وهوكشتاين التطرّق إلى تنفيذ القرار 1559 الذي يندرج في إطار القرار 1701، فهل ما يُطرح هو الشقّ الذي يحمي شمال اسرائيل وأمنها من دون معالجة ما يقوّض سلطة الدولة اللبنانية ويضع قرارها الاستراتيجي في طهران؟
لا شك في أن “الحزب” يحاول عبر بري التحايل على تنفيذ القرار 1701 كاملاً، والهدف الإبقاء على سلاحه في شمال الليطاني، لكن هنا تُطرح علامات استفهام عدة حول الجدوى من هذا السلاح إذا باتت وجهة استخدامه غير ممكنة ضد اسرائيل، وثمة ريبة كبيرة لدى القوى السياسية المعارضة من أن تصبح وجهة استخدام هذا السلاح في الداخل اللبناني لإخضاع اللبنانيين المعارضين للهيمنة الايرانية على لبنان.
ويرى كاهن ماروني محاضر في العلوم السياسية في جامعة فرنسية، أن احتكار بري للمفاوضات من دون دعوة المجلس النيابي لإطلاعه على مضمونها مثير للريبة، وخصوصاً أن اللبنانيين منقسمون عمودياً حول مسألة سلاح “الحزب”، ولا يجوز الاستفراد بهذا الشكل بقرارات مصيريّة تتعلّق بمستقبل لبنان.
قد تكون اللحظة التي يمر بها لبنان وما وصل إليه الوضع نتيجة الحرب التي فتحها “الحزب” في 8 تشرين الأول 2023 مناسبة جداً لوضع حد للحالة الشاذة التي يمثّلها من خلال سلاحه ومشروعه الذي همّش الدولة اللبنانية لمصلحة ايران.
ويعتبر الكاهن الماروني أن الادارة الأميركية الجديدة برئاسة دونالد ترامب ستكون عاملاً مساعداً لإجبار إيران، راعية “الحزب”، على الاعتراف بأن لبنان لم يعد قادراً على العمل كخط مواجهة لها ضد إسرائيل. ويلفت إلى أن التذاكي الذي يمارسه “الحزب” اليوم عبر محاولة تكرار ما حصل بعد الموافقة على القرار 1701 عام 2006، ثم الانقلاب عليه، لن يمر على الأميركيين وحتماً لن تقبل به اسرائيل المنتصرة والمتفوّقة عسكرياً، وقد أتت الساعة لمنع “الحزب” من ضرب مقومات الدولة اللبنانية حتى الفشل، وتحويل لبنان إلى قاعدة استراتيجية لمحور الممانعة.
يلعب “الحزب” ورقته الأخيرة عن طريق الإيحاء بأنه متفوّق في الميدان، إلا أن الوقائع التي نقلتها وسائل الاعلام في اليومين المنصرمين تؤكّد سيطرة الجيش الاسرائيلي على مزيد من القرى، معطوفاً على اعتراف الأمين العام لـ”الحزب” نعيم قاسم أمس بأن عناصره لم يستطيعوا منع دخول الاسرائيليين براً إلى لبنان بل أخّروا هذا الدخول شهراً ونصف الشهر. ويؤكد الكاهن في فرنسا أنه كلّما طال الوقت يخسر “الحزب” المزيد من أوراق التفاوض، علماً أن المبادرة ليست في يده إنما في تل أبيب وتحديداً لدى رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو الذي تتوجّه إليه الأنظار إذا كان سيقبل بالملاحظات اللبنانية على التسوية أو سيرفضها.
وليس سراً أن اسرائيل تريد اتفاقاً لا يُمكن التحايل على بنوده، بحيث تصرّ الحكومة الاسرائيلية على بند الرقابة على ترسانة “الحزب” العسكرية وطرق الإمداد بالسلاح، وربما يفشل اتفاق “التسوية” بسبب رفض “الحزب” لهذه الرقابة متذرعاً بالسيادة اللبنانية، ما يجعل هناك سيادة بسمنة متساهلة مع ايران وسيادة بزيت ضد انتهاكات اسرائيل.
ويشير الكاهن الماروني إلى أن أي انتقاص أو تفسير غير موضوعي للقرار 1701 كإغفال القرارين 1559 و1680، سيخلق مشكلاً داخلياً في لبنان بعد الحرب، وقد حذّر وزير القوات المسلحة الفرنسي سيباستيان ليكورنو من “حرب أهلية وشيكة”، وسيكون ذلك بسبب فشل الديبلوماسية الدولية في حال أعطت الأولوية للاستقرار على الحل النهائي، ما قد يجر لبنان بالفعل إلى حرب كارثية. فلا أحد من اللبنانيين سيقبل ببقاء السلاح مع “الحزب” بعد الكوارث التي دمّرت الحجر والبشر وأدّت إلى فشل الدولة.
إن نزع سلاح “الحزب” ليس مجرد شرط ضروري لبقاء لبنان؛ بل إنه يشكل المحور الرئيسي لأي حل سياسي جدير بالثقة، ويبدو الوقت مناسباً لإتمام ذلك من خلال عملية لبنانية تأخذ في الاعتبار ما اتفق عليه في اتفاق الطائف وما نصّت عليه القرارات الدولية، بدعم دولي واسع النطاق وملتزم، وليس عملية تهدف ببساطة إلى تأمين المصالح الأمنية الاسرائيلية، والتراخي مجدداً مع “الحزب”.
إن واشنطن لا تحتاج إلى إعادة اختراع أي شيء، وفق الكاهن الماروني الضليع في قضايا الشرق الوسط، بل لا بد وأن يفي الرئيس دونالد ترامب بوعوده في تنفيذ قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1559، والذي يدعو، على غرار اتفاق الطائف، إلى نزع سلاح كل الميليشيات في لبنان.
ويبدو أن وساطة هوكشتاين الأخيرة بين لبنان واسرائيل تترنّح، ويتعيّن على واشنطن مع تسلم ترامب صلاحياته الدستورية في 20 كانون الثاني المقبل أن تقدّم استراتيجية سياسية جديرة بالثقة أكثر، مع الضغط على إيران، فتقدّم تسوية توقف الغزو الاسرائيلي الكبير وتحرر لبنان من الهيمنة الأمنية لـ”الحزب” وإيران.
ويكشف الكاهن الماروني أن من يتمسّك بسلاحه بعد اتفاق ينهي الحرب مع اسرائيل، يعكس نوايا خبيثة بإتجاه الداخل اللبناني، ويتساءل ما الفائدة من الإبقاء على سلاحه في شمال الليطاني حيث يكون بعيداً أكثر من 30 كيلومتراً عن الحدود اللبنانية الاسرائيلية؟ كل ما في الأمر أن ايران تريد أن تحافظ على عمقها الاستراتيجي على شواطئ البحر الأبيض المتوسط، وهذا ليس له علاقة بمواجهة اسرائيل، إنما بالاستمرار في السيطرة على قرار الدولة اللبنانية، وتغيير هوية لبنان التعددية، لذلك على القوى السياسية اللبنانية التمسّك بالقرار 1559، لأنه الوثيقة الأهم في تاريخ لبنان… علماً أنه أساسي، إلى جانب اتفاق الطائف، ويستند حرفياً إلى لغة وثيقة الوفاق الوطني، التي قبلناها جميعاً كلبنانيين كدستور للجمهورية اللبنانية. ويؤكّد الكاهن المحاضر في الجامعة الفرنسية أن “القرار 1559 لم يُترَك ولن يُترَك أبداً، مهما فعل الحزب وحلفاؤه… لقد تم دفع هذا القرار جانباً لأكثر من 20 عاماً، بحجة أن موضوع سلاح الحزب يتطلب جلسات حوار حول الاستراتيجية الدفاعية ولكن هذه الجلسات الحوارية كانت فولكلوريّة، اما بسبب الانقسامات العمودية بين القوى السياسية أو بسبب انقلاب الحزب على القرارات التي تنبثق عن الحوار، لذلك عاد المجتمع الدولي إلى الزامية تطبيق القرارات الدولية، ولا سيما القرار 1559، هذا القرار، إلى جانب اتفاق الطائف، هو الشيء الوحيد الذي يحمي لبنان. ليست صواريخ الحزب، ولا عروض إيران العسكرية، ولا الصراخ على شاشات التلفزيون، فقط منطق الدولة، الذي يرتكز على الدستور والقانون وفي وحدة المؤسسات الدستورية التي هي فوق كل شيء”.
إن قرار “الحزب”، المستلهم من إيران، بالاستمرار في القتال سيعمّق المأساة التي يعاني منها اللبنانيون. لقد انتهى زمن السلاح غير الشرعي، ولا بد من العودة إلى الدولة والشرعية الدولية، بدءاً من القرارات ذات الصلة، وعلى رأسها القرار 1559. وإن صفت نوايا “الحزب” ومن خلفه، لا يجوز اعتبار أن القرار ضده بل إنه فريد من نوعه من أجل لبنان. ولذلك سيبقى على الطاولة، وخصوصاً إن أمسك ترامب بالورقة اللبنانية وأراد إعادة سيطرة الدولة والجيش اللبناني على كل الأراضي اللبنانية.
ويختم الكاهن أن الرئيس بري لا يُمكن أن يجافي الحقيقة من الآن فصاعداً عبر القول “ان القرار الدولي الوحيد الذي سيسفر عن حل هو القرار 1701، في حين أن القرار 1559 أصبح وراءنا ولم يبقَ منه شيء”. هذا اسمه تحايلاً على القرار الدولي ونوعاً من التذاكي، ومن سيأتي مفوّضاً من ترامب في المرحلة المقبلة لن يكون متساهلاً مثل هوكشتاين، لأن الرئيس الأميركي يريد حلاً عملياً ودائماً للوضع القائم هو إعادة صنع القرار الى الدولة اللبنانية، وتفعيل سلطتها، وتنفيذ القرارات الدولية، وخصوصاً 1701 و1559، وتمكين مؤسسات الدولة العسكرية والأمنية، وفي مقدمها القوات المسلحة اللبنانية، من فرض سيادة الدولة على جميع الأراضي اللبنانية. وغير ذلك يعني التواطؤ والخضوع، وتسليم الدولة لـ”حزب الله”!
جورج حايك-لبنان الكبير
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|