لا تنفيذ لأي هدنة من دون جيش متمكن عسكرياً ومحصّن سياسياً
“إنّ الافتراءات وحملات التحريض التي يتعرّض لها الجيش لن تزيده إلّا صلابة وعزيمة وتماسكاً، لأنّ هذه المؤسسة التي تحظى بإجماع محلي ودولي، ستبقى على مبادئها والتزاماتها وواجباتها تجاه لبنان وشعبه بعيداً عن أي حسابات ضيّقة”.. هذا ما أكده قائد الجيش جوزيف عون في أمر اليوم لمناسبة العيد الـ٨١ للاستقلال، الذي يحل هذا العام ووطننا يعاني حرباً تدميرية وهمجية يشنّها العدو الاسرائيلي منذ عام ونيّف، ويمعن يومياً في انتهاكاته واعتداءاته.
والواضح من كلام العماد عون أنه يتحدث بثقة ومسؤولية وعقلانية، تعبّر عن مناقبيته، وترفعه عن كل الصراعات السياسية والحملات التي يتعرض لها شخصياً، خصوصاً وأنه طيلة توليه منصبه لم يخضع لكل التدخلات والإبتزازات التي تعرض لها، إيماناً منه بحتمية نأي الجيش عن كل الصراعات السياسية، باعتباره المؤسسة الشرعية الوحيدة من بين كل مؤسسات الدولة التي لا تزال متماسكة، على الرغم من الصعوبات الهائلة وضعف الامكانات التي يعاني منها الجيش، من دون أن يؤثر على أدائه ودوره، بحيث بقي ولا يزال يتابع تنفيذ مهمّاته على كامل الأراضي اللبنانية، متصدّياً لكلّ محاولات زعزعة الأمن والاستقرار، واضعاً الوحدة الوطنية والسلم الأهلي على رأس أولوياته.
هذا الدور الوطني الجامع للجيش اللبناني الذي يقوده الجنرال عون يسلط الضوء على الدور الذي يعوّل عليه للقيام به في جنوب لبنان عندما تنضج التهدئة الموقتة التي يعمل عليها، تمهيداً للوصول الى تسوية نهائية، إستناداً الى القرارات الأممية، بحيث انه سيكون مطالباً بنشر الآلاف من الجنود في الجنوب بعد أي اتفاق لوقف إطلاق النار، ما يضعه في موقف حساس وصعب، إذ لا يستطيع أن يمارس المهام العادية مثل جيوش الدول الأخرى لأن هناك قوة عسكرية أخرى في البلاد تتمثل بـ “حزب الله”، الذي يتمتع بوضع عسكري شبه رسمي، ما يتطلب قراراً وغطاءً سياسياً محلياً وخارجياً للمهام التي ستوكل اليه لجهة ضمان خلو جنوب لبنان من أسلحة “حزب الله”.
وهذه المهة بالغة الدقة إذا لم يصدر قرار صريح وواضح من “حزب الله” بالانسحاب الى ما بعد الليطاني، لأن غير ذلك سوف يؤدي الى ما لا يحمد عقباه، أقله خطر إنقسام الجيش نفسه، في حال طلب من الضباط الشيعة ذوي الرتب العالية التمرد على القيادة. لذلك فإن الجنرال عون حريص على العمل جنباً إلى جنب مع قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة للقيام بدوريات في الجنوب من دون أن يخوض أي مواجهة مباشرة مع “حزب الله”، وذلك من خلال تفعيل وتنفيذ القرار 1701، الذي ينص على خلو جنوب لبنان من الأسلحة في ما عدا أسلحة الجيش اللبناني، وعلى نشر ما يصل إلى 15 ألف جندي لبناني في الجنوب، من دون أن ينفذ أي من الجانبين القرار بالكامل، واستطاع “حزب الله” تسليح نفسه وبناء التحصينات في الجنوب بعد العام 2006. لذلك، ليس أمام الجيش إلا الانتظار حتى انتهاء الصراع، وبالتالي تظهير تفاهمات سياسية داخلية لتحديد دور “حزب الله” في المجال الأمني والعسكري في لبنان.
يشار في هذا السياق الى أن الجانب الأميركي يريد أن يكون انتشار الجيش على الحدود “بثكنات وتجمعات عسكرية وليس كما هو الآن حيث يقتصر الانتشار على بضع نقاط مراقبة وعدد قليل من الجنود”. والدور الذي يعوّل على أن يؤديه الجيش اللبناني عند التوصل الى اتفاق لوقف اطلاق النار، دفع قائده الى القول في أمر اليوم: “لا يزال الجيش منتشراً في الجنوب حيث يقدّم العسكريون التضحيات ويستشهدون من أجل لبنان، ولن يتركه لأنّه جزء لا يتجزّأ من السيادة الوطنية، وهو يعمل بالتنسيق مع قوّة الأمم المتّحدة الموقتة في لبنان (اليونيفيل) ضمن إطار القرار 1701”.
وعلى الرغم من الاجماع الدولي والاقليمي على أن الجيش اللبناني سيكون حجر الزاوية لتنفيذ أي هدنة أو تسوية تنهي الحرب القائمة، فإنه ليس بريئاً ما يتعرض له من حملات “خبيثة” في توقيتها وأهدافها، يشنها “حزب الله” و”التيار الوطني الحر” كل لاعتباراته الخاصة، وهذه الحملة تتعلق بثلاثة مواضيع أساسية:
-دوره في اليوم التالي لوقف النار لجهة تطبيق القرارات الدولية المتعلقة ببسط سيادة الدولة ومنع وجود السلاح إلا الشرعي منه، وهو دور محوري وأساسي بدعم دولي.
-التمديد القسري الثاني له قبل انتهاء فترة التمديد الأولى في 10 كانون الثاني 2025، ما يبقيه في السباق الرئاسي.
-معركة رئاسة الجمهورية إذ لا يزال العماد جوزيف عون مرشحاً قوياً في عواصم القرار الغربية والعربية، ما يجعل “حزب الله” يرى فيه تجسيداً لمشروع أميركي يعمل على محاصرة الحزب والتضييق عليه، خصوصاً أن معلومات تسربت عن دخول الولايات المتحدة على خط التمديد لقائد الجيش، من خلال نقل السفيرة الأميركية ليزا جونسون إلى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ومن ثم إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري مطلب واشنطن حول ضرورة التمديد للعماد عون، مؤكدة حرص بلادها على وجوب عدم ترك المؤسسة العسكرية في فراغ، وطلبت التمديد لعون وتأمين الجلسة والنصاب المطلوب له.
كما أن النائب جبران باسيل يكن لقائد الجيش عدائية مقرونة بحقد شخصي منذ اتهامه اياه بـ “قبة باط” خلال إنتفاضة تشرين، حين نال يومها باسيل النصيب الأكبر من الهتافات ضده، إضافة الى أنه يعتبر وصول الجنرال عون الى قصر بعبدا خطراً كبيراً على ما تبقى من زعامته المسيحية.
إضافة الى هذه الأسباب، من المعروف أن العلاقة بين الجيش كمؤسسة شرعية و”حزب الله” كتنظيم مسلح “مقاوم”، هي علاقة ملتبسة ومعقدة، على الرغم من ثلاثية الحزب “شعب وجيش ومقاومة”، علماً أن الحزب لا يترك مناسبة الا ويعبّر خلالها عن أن الجيش عاجز وغير قادر على المواجهة العسكرية مع إسرائيل، لإبقاء قرار الحرب والسلم ممسوكاً منه ومن ورائه طهران، وهذا ما قاله رئيس مجلس النواب الايراني محمد باقر قاليباف في إحدى مقابلاته.
على الرغم من إدراك “حزب الله” أن هذه المعادلة لم تعد صالحة وباتت من الماضي، ولن تكون لها مكانة في مرحلة ما بعد وقف إطلاق النار، فانه يضغط باتجاه تكبيل الجيش والابقاء على محدودية دوره العسكري والأمني في الجنوب، لتأكيد قوته العسكرية، وفرض سطوته على قيادة الجيش وتوجهاتها وقراراتها في ما خص الجنوب، بعد التوصل الى وقف لاطلاق النار، مبقياً على تحكمه بالمسار التنفيذي للهدنة أو التسوية، وتحويل الجيش الى غطاء لوجوده العسكري في الجنوب، تأكيداً على عدم إنهزامه عسكرياً، وأحقيته كمقاومة تصدت للعدوان الاسرائيلي للإمساك بالوضعين العسكري والأمني في الجنوب، وإن يكن بصورة غير علنية، في محاولة منه لإعادة تعويم “ثلاثيته”، التي دمرت مفهوم الدولة ومؤسساتها الشرعية، وجعلتها ملحقة لـ”دويلتها”.
تحصين الجيش اللبناني ومناعته وتسليحه وتجهيزه وجعله عصياً على كل محاولات إضعافه وتهميشه، أمر لا يقل أهمية عن التوصل الى أي شكل من أشكال وقف اطلاق النار، لأنه الضمانة الوطنية والرهان الخارجي على تنفيذ بنود الاتفاق من الجانب اللبناني. فالتوصل الى أي اتفاق لوقف النار لا قيمة تنفيذية ولا عملانية له على أرض الواقع من دون جيش لبناني متمكن عسكرياً ومحصّن سياسياً للقيام بدوره كاملاً تنفيذاً للقرار 1701، بعيداً من أي تدخلات أو املاءات خارج سياق مؤسسات الدولة الدستورية.
زياد سامي عيتاني-لبنان الكبير
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|