"النصر المزعوم لم يتحقق"... جنود إسرائيليون: تضحياتنا بلا جدوى!
هل سيُخلي “حزب الله” فعلاً جنوب الليطاني؟
ليس مستغرباً أن “حزب الله” خرج بعد اتفاق وقف النار ليعلن، كما في 2006، أنه “انتصر”. إنه مضطر إلى ذلك لا لترميم المعنويات فحسب، بل أيضاً وخصوصاً لضمان بقاء سلاحه. فهو إذا اعترف اليوم بالهزيمة، سيقال له: “لقد تبيّن أن سلاحك ليس عامل توازن في وجه إسرائيل. فعليك أن تتخلى عنه للجيش وتتحول حزباً سياسياً”.
حتى اليوم، لم يُصدر “الحزب” إقراراً بأنه سينفذ القرار 1701 بمندرجاته كافة، أو حتى اتفاق وقف النار. ولم يطلق أي تعهد بالتخلي عن سلاحه لا جنوب الليطاني ولا شماله. وفي المقابل، أركان السلطة أعلنوا موافقة “الدولة اللبنانية” على الاتفاق والتزامها القرار 1701 “بمندرجاته كافة”، وبسط سلطة الدولة كما قال ميقاتي. ولكنهم لم يقولوا بخروج مقاتلي “الحزب” من جنوب الليطاني، أو تخليه عن سلاحه في كل الأراضي اللبنانية، أو وقف تدفق السلاح والذخائر إليه براً وبحراً وجواً.
كما جرت العادة، أركان السلطة يتهربون من مواجهة المسائل في جوهرها، ويواصلون تغطية هذا التهرب بالعبارات الملتبسة التي توحي بأن “الدولة” شيء و”الحزب” شيء آخر، فيما الواقع هو أن “الحزب” هو الذي يقود الدولة. وهذا الموقف الملتبس سيؤسس لمواجهات أخطر في مراحل لاحقة، تماماً كما أن تجاهل الـ1701 أسس للمواجهة الأخيرة.
لقد وصل اللبنانيون إلى نقطة سيقررون فيها صراحةً: هل سيستعيدون الوضعية السابقة ويُبقون على السلاح خارج الدولة أم إنهم سيصبحون بلداً “طبيعياً”، فيه دولة واحدة وجيش واحد؟
إذا كانت حرب 2006 قد أنتجت القرار 1701 من دون آلية تنفيذ ولا قوة دولية مؤهلة القيام ذلك، فحرب 2024 سدت هذه الثغرة بالأسوأ، إذ سمحت لإسرائيل نفسها بأن تكون هي أداة التنفيذ. وصحيح أن النص الذي أعطاها هذه الصلاحية وردت في ملحق لم يوافق عليه لبنان، لكن الولايات المتحدة أعلنت عبر رئيسها جو بايدن أن إسرائيل ستتلقى الدعم في أي عملية تنفذها ضد “حزب الله”، دفاعاً عن أمنها. و”تذاكي” الجانب اللبناني في التعاطي مع هذا الاتفاق، سيقود أيضاً إلى ما هو أسوأ لاحقاً.
هذه المرة، أرادت إسرائيل إقفال الباب نهائياً على أي محاولة من “الحزب” لإعادة بناء قدراته، وكرست ذلك في الملحق الإسرائيلي- الأميركي الذي يتجاوز بأهميته نص الاتفاق الأساسي. ولأن واشنطن تقود لجنة المراقبة، ولأنها أقوى قوة سياسية وعسكرية دولية على الإطلاق، فإن الدولة اللبنانية الضعيفة ستكون مرغمة على التعاطي مع الملحق وكأنه جزء من الاتفاق. وهذا يعني أن إسرائيل والولايات المتحدة ستتبادلان المعلومات لمنع أي حراك تسلحي جنوب الليطاني وشماله وعلى نقاط العبور، وستسمح واشنطن لحليفتها باستمرار رقابتها الجوية وسيطرتها السيبرانية وضربها للأهداف كما هي تفعل اليوم. وللتذكير، في اليوم الأول من تنفيذ الاتفاق، سمحت إسرائيل لنفسها بإطلاق النار على امتداد القرى الجنوبية التي توغلت فيها، مستهدفة مركبات أو أشخاصاً “مشتبهاً فيهم”، وفق وصفها. وسيكون المأزق: ما هو معيار إسرائيل لتصنيف الناس هناك؟ هل هم مقاتلو “الحزب” أم المنضوون في صفوفه جميعاً، أم البيئة المتعاطفة معه؟ ومَن سيتكفل بالتدقيق في صحة هذه التصنيفات، قبل أن تُعطى لجنة المراقبة أو إسرائيل ضوءاً أخضر للتحرك ضدهم؟
أخطر ما يفعله جماعة السلطة حالياً هو أنهم يتهربون من المسؤولية. فذلك سيسمح لنتنياهو بالإمعان في تصوير لبنان بلداً عاجزاً، وقد يستغل الأمر ليحصل على ذريعة للضرب أو لاستئناف الحرب. وسيكون التباين الحالي بين إسرائيل ولبنان حول آلية التنفيذ فخاً خطراً. فما يطلبه الإسرائيليون هو أن يقوم الجيش اللبناني بحملة يصادر فيها كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر، ويوقف أعداداً من مقاتلي “الحزب”، بسبب وجودهم في جنوب الليطاني. وفي تقديرهم أن على الجيش أن ينفذ هذه المهمة عندما يتلقى المعلومات التي تزوده بها لجنة المراقبة. ثم يقوم مع “اليونيفيل” بالانتشار على نطاق واسع. وبعد انتهاء مهلة الـ60 يوماً، لا قبل ذلك، ينسحب الإسرائيليون.
أما تَصوُّر لبنان الرسمي للآلية فهو مختلف. وفي تقديره أن على إسرائيل أن تباشر بانسحابها فور بدء انتشار الجيش في المنطقة. ولكن، لا أحد في لبنان يجيب عن الأسئلة الساخنة، وأبرزها: إذا استجاب الجيش إلى المهمات الصعبة التي تطلبها منه لجنة المراقبة فهل سيتجاوب معه “الحزب”؟ وفي المقابل، ماذا سيحدث إذا فضّل الجيش عدم الدخول في مهمات معينة؟
بالتأكيد، أركان السلطة لم يفكروا في اللحظة الآتية عندما وافقوا مرغمين على اتفاق وقف النار. وهم يفضلون “الاختباء” داخل الوضعية الملتبسة، لاعتقادهم أن الحرب مع إسرائيل تبقى ألف مرة أفضل من الصدام في الداخل. لذلك، هم لا يمنحون الجيش تغطية سياسية حقيقية “لبسط سلطته وحده على كامل الأراضي اللبنانية”، ويكتفون بترداد هذه العبارة ببغائياً لأن اللبنانيين اعتادوا الاستماع إليها باستخفاف على مدى عقود، ولا يفكرون في مضمونها الحقيقي.
في لحظة الحقيقة، الخيار اللبناني الأقل كلفة هو أن يقوم “حزب الله” نفسه بتنفيذ الاتفاق بكامل الدقة والأمانة، مهما كان الأمر صعباً عليه، لأن ذلك سيوفر على مؤسسات الدولة، وعلى الجيش تحديداً، مشقة الدخول في خيارات لا تريدها، ولا أحد في لبنان يريدها. فهل سيفعل “الحزب” ذلك فيرتاح ويريح، أم هو سيقرر استمرار الدوران في الحلقة المفرغة، بما تحمله من كوارث؟
طوني عيسى -”هنا لبنان”
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|