خطأ تقني قاتل يعتري إتفاقية وقف إطلاق النار
ليبانون ديبايت - عبدالله قمح
ما خلّفه لبنان من أخطاء تقنية قاتلة تحوّلت أمراً واقعاً بفعل إتفاقية الترسيم البحري التي جرى التوصّل إليها بين لبنان والعدو الإسرائيلي برعاية أميركية وبصيغة غير مباشرة عام 2022، أعيد تكرارها في صيغة إتفاقية وقف إطلاق النار المُشار إليها بما بات يعرف بـ1701 معززاً والمعنيّة عدوان أيلول 2024 والتي دخلت حيز التنفيذ يوم 27 تشرين الثاني المنصرم، وكأن لبنان لا يتعلّم من أخطائه.
إنطوت إتفاقية الترسيم البحري على عيب تقني كبير، تمثل بترك المفاوض اللبناني مساحةً معينةً في البحر تقع بين الخطين 1 (الإسرائيلي) و23 (اللبناني) قبالة الناقورة تعرف بـ"خط الطفافات" الذي يمتد على طول 7 كلم بعمق 2 كلم، منطقة مفتوحة أقرب ما تكون إلى مشاع بحري حرّ تتصرف فيه القطع البحرية الإسرائيلية بحرية تامة وباعتراف رسمي لبناني رغم أنها منطقة تقع في صلب المياه اللبنانية، من دون أن يكون من قدرة للبنان على تعديل ذلك. وقد سفّر لبنان الرسمي، حينذاك، بالإتفاق مع واشنطن، البت في هذه المسألة العالقة في الأساس عند نقطة الـB1، إلى وقتٍ لاحق حينما يقرر الأميركيون ومعهم الإسرائيليون إعتبار الوقت مناسباً لفتح النقاش على ترسيم (أو تحديد) الحدود البرية!
نفس المضمون تقريباً وقع فيه المفاوض اللبناني الآن، حين تمّ التوصل إلى إتفاقية وقف إطلاق النار الراهنة. صحيح أن الإتفاقية عبارة عن إتفاقية ثنائية ولا تكاد تكون معاهدة، لكن الواقع يشير بأنه يتمّ التعامل معها على أساس أنها معاهدة تقع تحت رعاية الأمم المتحدة الداخلة عنصراً أساسياً فيها من خلال القرار 1701 واعتباره مرجعاً قانونياً لاتفاقية وقف إطلاق النار، ووجود قوات اليونيفيل المحددة مهامها بشكلٍ صريح ضمن الإتفاقية وفي القرار.
ترتبط المشكلة في قبول المفاوض اللبناني إجراء تعديل على خط حدود قطاع جنوب الليطاني حيث منطقة عمليات القرار 1701 عبر قبول إرجاعه كيلومترات إلى الوراء بعمق غير محدود أو قصير، وذلك عند نقطة نهر الخردلي (في القطاع الشرقي)، بحيث لم يعد قائماً إعتماد مجرى النهر، خطاً يفصل بين منطقتي شمال النهر وجنوبه وفقاً لما اتفق عليه قبيل صدور القرار 1701 عام 2006، بحيث أدى التعديل الجديد إلى إدخال قرى أخرى، هي يحمر والشقيف أرنون بصورة أساسية، وكانتا لغاية 26 تشرين الثاني 2024 خارج منطقة عمليات اليونيفيل وتقعان خارج جنوب الليطاني، لتتحولا يوم 27 تشرين الثاني 2024 إلى مناطق تقع ضمن الخط بما يشملها من مناطق متاخمة ومحاذية لها، وأرضٍ وسفوخ وهضاب محيطة وصولاً ربما إلى قلعة الشقيف أرنون! وبالتالي لم تعد حدود نهر الخردلي حدوداً لقطاع جنوب الليطاني.
ما استدعى ذلك عدة عوامل، من منظور عسكري وآخر سياسي – تقني:
1. يعتبر العدو الإسرائيلي (وربما يمتلك أدلة) عن وجود منشآت مهمة تتبع للمقاومة ضمن هذه المنطقة يريد تفكيكها. بحسب إتفاقية وقف إطلاق النار المادة 7 الفقرتين أ و ب، تقع هذه المهمة على الجيش اللبناني!
من هنا يمكن فهم دوافع العدو طوال فترة التصعيد الأخيرة، عبر قيامه بقصف المواقع المحيطة بيحمر و الشقيف وصولاً إلى سفوح قلعة الشقيف أرنون الإستراتيجية التي تكشف جزءاً من الأراضي المحتلة بالعين ويتيح توفير سيطرة نقطوية – استراتيجية.
2. بضم هذه المنطقة إلى جنوب الليطاني، يكون العدو قد صلّح خطأً وقع فيه عام 2006 واختبر مساوئه طيلة السنوات اللاحقة، ثم جعلها تحت سلطة قوات "اليونيفيل"، وأيضاً "لجنة الشكاوى" ويرأسها ضابط أميركي، وأخضعها للمناطق المشمولة بالكشف والتفكيك المفترضين!
3. المنطقة المضمومة تعد أقرب نقطة إلى خط الحدود مع فلسطين المحتلة (تحديداً إصبع الجليل) وتبعد عنه مسافة 3.8 كيلومتراً. في المقابل تبلغ المسافة بين الناقورة (الجليل الغربي) وحدود جنوب الليطاني عند مصب النهر 29 كيلومتراً.
في أدبيات العدو، يعتبر منطقة الشقيف كأكثر نقطة مشرفة وتمتاز بمزايا عسكرية سواء لقصف الداخل المحتل أو لتغطية تقدم القوات.
4. إن المنطقة المضمومة هي عملياً المنطقة التي وصلها العدو متسللاً خلال مرحلة عملياته العسكرية مدعياً أنه بلغ نقطة جنوب النهر، وفيها قام بالتقاط الصور لجنوده. نجاح العدو بالوصول إليها يؤكد أهميتها، وهو مكمن استغراب، قبول لبنان ضمها إلى قطاع جنوب الليطاني.
مع ذلك، رفض الوزراء، وعلى رأسهم وزراء ثنائي "حزب الله" - حركة "أمل"، التعليق على هذا التعديل بعدما جرى عرض الخرائط الجديدة عليهم أثناء انعقاد جلسة مجلس الوزراء التي فيها أقرت إتفاقية وقف إطلاق النار. وحده وزير واحد سأل عن طبيعة التعديل فتم إسكاته بطريقة لبقة!
يقول قائل إن لبنان لم يكن خلال الحرب الأخيرة، دبلوماسياً وسياسياً، في الوضع الكلي الذي يجعله فارضاً للشروط، إنما استحق أن يكون محافظاً على شيء من التوازن أمام التنازلات إن أخذنا في المقارنة ما كان معروضاً عليه، ما تعامل معه مثلاً رئيس مجلس النواب نبيه بري بالتعاون مع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، بكثيرٍ من الدقة والحذر مع الإعتراف بافتقادهما لهامش المناورة الواسع. وليس سراً إن قلنا أن الجميع، ونقصد بهم الدولة اللبنانية، "حزب الله"، والولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل بما فيهم إيران، كانوا قد تموضعوا ضمن نفس نقطة الرغبة في إنهاء الحرب، وقد شنت حينذاك ضغوطات دبلوماسية هائلة على لبنان للوصول إلى وقف لإطلاق النار كيفما اتفق.
يقول هؤلاء في الخاتمة، إن لبنان فعل أفضل الممكن وبأقل خسائر ممكنة!
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|