انتهت المغامرة العسكرية لـ”الحزب” إلا إذا…
لا يبدو أن “حزب الله” هضم الاتفاق الذي تمّت الموافقة عليه في 27 تشرين الثاني الفائت، بل قبله على مضض نتيجة الخسائر الكبيرة التي مُني بها في الميدان، وكل محاولات “الحزب” في الكلام عن “انتصارات” لمجرد أنه لا يزال على قيد الحياة، لا تنفع، بدليل أن الاتفاق تجاوز القرار 1701 من خلال بنود تطبيقيّة، بعضها معلن والبعض الآخر غير معلن، أعطت اسرائيل حرية الحركة في الأجواء اللبنانية ومراقبة “الحزب” والتدخل عسكرياً إذا تجاوز الاتفاق، بعد مراجعة اللجنة الدولية التي ستكون برئاسة جنرال أميركي.
على أي حال، دخل الالتزام بالاتفاق من الجانبين الاسرائيلي واللبناني في مرحلة اختبارية خلال 60 يوماً، ولا شك في أن منسوب الخطر لا يزال كبيراً، وهذا ما أكّده رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو الذي قال الخميس الفائت إنه أمر الجيش بالاستعداد لقتال ضار مجدداً في لبنان في حال انتهاك اتفاق وقف إطلاق النار.
إذاً النار تحت الرماد، والاشتباكات لا تزال تحصل من وقت إلى آخر، ولو بصورة متقطّعة على الحدود اللبنانية الاسرائيلية وخصوصاً أن الجيش الاسرائيلي لا يزال في بعض مواقعه المتقدّمة في القرى اللبنانية التي سيطر عليها. في المقابل، لم يقبل “الحزب” قرار وقف إطلاق النار وبنود الاتفاق القاسية لولا موافقة إيران التي تريد المحافظة على ذراعها العسكرية في لبنان للاستمرار في السيطرة على قرارها الرسمي، وليس سراً أنها ستحاول ترميم “الحزب” والتملّص من الاتفاق الذي بقي من دون توقيع أي طرف، وبالتالي إذا نجحت إيران في بناء قوة “الحزب” مجدداً فسيعيد سيناريو ما بعد 2006، وعندها سيكون لبنان بعد سنوات قليلة أمام حرب جديدة.
لكن أجواء المعارضة في لبنان تبدو أكثر تفاؤلاً، معتبرة أنه ليس من السهولة القفز بعد اليوم فوق هذا الاتفاق الدولي الذي يستند إلى القرار 1701 وهو يدعو إلى التنفيذ الكامل لقرارات مجلس الأمن السابقة 1559 و1680، أي نزع سلاح جميع الجماعات المسلحة في لبنان، بحيث تكون القوات الوحيدة المخوّلة حمل السلاح في لبنان هي القوات المسلحة اللبنانية (الجيش اللبناني) وقوى الأمن الداخلي والمديرية العامة لقوى الأمن والمديرية العامة لأمن الدولة والجمارك اللبنانية والشرطة البلدية، وهذا لا يشمل، وفق المعارضة، جنوب الليطاني فقط إنما كل الأراضي اللبنانية.
وما يُطمئن المعارضة أكثر هو وجود آلية تطبيق تُشرف عليها لجنة دولية، خلافاً لما حصل عام 2006، وهذا سيتم بموجب الفقرة الأولى من البند السابع التي تتكلّم عن مراقبة وإنفاذ منع دخول أي اسلحة أو مواد ذات صلة غير مرخصة إلى لبنان أو عبر أراضيه، بما في ذلك جميع المعابر الحدودية، ومنع انتاج هذه الأسلحة داخل لبنان. أما الأكثر صرامة فهي الفقرة الثانية من البند التاسع التي ورد فيها “أن الآلية ستعمل مع اللجنة الفنية العسكرية الدولية للبنان لتعزيز قدرات الجيش اللبناني على تفتيش وتفكيك المواقع غير المصرّح بها فوق وتحت الأرض، ومصادرة الأسلحة غير القانونية، ومنع وجود جماعات مسلّحة غير قانونية”.
ترى المعارضة أن هذه الضمانات لا يُمكن لـ”الحزب” أن يتحايل عليها، وإذا تلكأت السلطات اللبنانية في تنفيذ بنود الاتفاق، فستتدخل اللجنة الدولية فوراً لتنفيذها وخصوصاً أن الهدف هو قطع امدادات السلاح بين ايران و”الحزب”.
وتتحدث المعارضة عن خطوط دفاع متعددة في هذا الاتفاق لعدم العودة إلى المرحلة السابقة من الفوضى العسكرية، وتلفت إلى أن خط الدفاع الأول هو الضمانات الدولية، خط الدفاع الثاني هو الجيش اللبناني، وخط الدفاع الثالث هو القوى السياسية المعارضة.
وما هو مؤكّد أن قوى المعارضة ستقوم بحثّ السلطة اللبنانية على القيام بواجبها ومواصلة تطبيق بنود الاتفاق، وستعمل لإعطاء زخم للحركة السياسية التي ستؤدي إلى انتخاب رئيس جمهورية بعدما حدّد رئيس مجلس النواب نبيه بري موعد الإنتخابات في 9 كانون الثاني المقبل، وبالتالي ستكون المعارضة أمام استحقاق إعادة إنتاج السلطة بدءاً من الرئاسة مروراً بالحكومة وصولاً إلى التعيينات في كل المراكز الشاغرة في المؤسسات الرسمية.
ربما يعتبر البعض أن قيام الجيش بتفكيك ما تبقّى من بنية “الحزب” العسكرية، قد يؤدي إلى تصادم في بعض الأماكن، إلا أن المعارضة تؤكّد أن “الحزب” أذكى من أن يُساق إلى مثل هذا التصادم، وهو يمر في مرحلة حساسة داخلياً يفضّل فيها عدم الاصطدام باسرائيل ولا بالجيش اللبناني حالياً، بل أمامه فترة غير قصيرة لتقييم ما حصل ولكي يدفن موتاه، لذلك ليس “الحزب” في وضعية تسمح له بالاصطدام بأحد.
وتشير المعارضة إلى أن الجيش أمام تحدٍ كبير، وهو ملزم بتنفيذ الأجندة الدولية ولا يُمكنه التقاعس بتاتاً، وإذا لم يُنفّذ لسبب ما، فسيُلزمه المجتمع الدولي بالتدخل، واحتمالات الاصطدام بـ”الحزب” تبقى قائمة، ولو بنسب ضئيلة.
من جهة أخرى، تستبعد المعارضة أن تكون هناك مداهمات للجيش اللبناني لمستودعات “الحزب” في شمال الليطاني كما هو في جنوبه، إلا أن العيون ستكون مفتّحة عليه عندما يحرّك سلاحه، وعندها سيقوم الجيش بواجبه، وهذا ما تستوجبه الواقعية السياسية بحيث لا يكون هناك استفزاز متعمّد عن سابق تصوّر وتصميم.
دخل لبنان في مرحلة جديدة، كل ما فيها يؤشّر إلى بدء استعادة الدولة اللبنانية قرارها، بعد “تحجيم” الحزب وقطع طريق إمدادات السلاح بينه وبين إيران، وقد ضاق هامش التحايل على القرار 1701، وإذا حصل ذلك، فسيكون “الحزب” في مواجهة المجتمع الدولي عموماً والولايات المتحدة الأميركية برئاسة دونالد ترامب خصوصاً، وهذا الأخير لن يكون متساهلاً مع “الحزب” ولا مع مرجعيته الايرانية.
جورج حايك-لبنان الكبير
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|