في اليوم التالي… رأس الأسد!
سكتت حرب المدافع في جنوب لبنان لتبدأ بعدها حرب البحث عن الغالب والمغلوب، سواء في الضاحية الجنوبية أو في تل أبيب، وليبدأ اللبنانيون الخارجون مما يشبه الجحيم بطرح السؤال الآتي: ماذا عن اليوم التالي؟
الجواب لم يستغرق طويلاً، وجاء من ثلاثة مواقع أساسية، الأول اعلان رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو أن جيشه جاهز لاستئناف حرب أعنف في لبنان، والثاني من “حزب الله” الذي أعلن استعداده للعودة الى القتال متمسكاً بسلاحه، والثالث وهو الأهم جاء من سوريا التي استعادت فيها المعارضة فجأة قرار الحرب على الرئيس السوري بشار الأسد الذي بات أمام خيارين: اما الخروج من محور الممانعة واما الاستعداد لحرب مع اسرائيل وأميركا قد تخرجه من الحكم .
ويُستشف من الاجابات الثلاث، أن “اتفاق هوكشتاين” ليس هدنة ولا اتفاقاً على وقف اطلاق النار بقدر ما هو نتيجة أمرين: الأول أن نتنياهو الذي وصل الى الليطاني بالقوة تمكن من جر أميركا الى لبنان وجعلها شريكة في أي حرب جديدة مع “حزب الله”، والثاني أن ايران التي كانت تعوّل على صمود الممانعة في الجنوب وافقت على وقف القتال بعدما سقطت بلدة الخيام في يد الاسرائيليين وفتحت أمامهم الطريق نحو البقاع، متبعة سياسة الاكتفاء بخسارة مقبولة بدل الوصول الى خسارة كاملة .
ويجمع الكثير من المراقبين على أن شيئين لن يسمحا للهدنة بأن تصمد لبنانياً في حالات الخرق المحلي، الأول أن الجيش لن يجرؤ على خوض حرب ضد “حزب الله”، والثاني أن السلطة السياسية في بيروت لن تجرؤ على دفع الجيش في هذا الاتجاه.
ويضيف هؤلاء أن شيئين آخرين لن يسمحا للممانعة بخرق “الاستراحة القسرية”، الأول أن ايران لم تعد واثقة من قدرة “حزب الله” العسكرية والقيادية كما كانت الحال قبل “الثامن من أكتوبر”، والثاني أن أي خرق من أي نوع سيعني مواجهة مباشرة ليس مع اسرائيل وحسب بل مع الولايات المتحدة نفسها، إن لم يكن في لبنان فقد يكون في إيران نفسها.
أكثر من ذلك، لا يبدو “حزب الله” في موقع يسمح له بفرض السيطرة نفسها على الداخل نتيجة العوامل الآتية: الأول أن لبنان تحول الى قضية دولية، والى أولوية في مساعي فرض الاستقرار في الشرق الأوسط لا بل في مساعي التطبيع العربي – الاسرائيلي، والثاني أنه فقد الغطاء الشعبي الذي انتزعه طوعاً أو قسراً من اللبنانيين بعد مغامرة “الاسناد”، والثالث أن السلاح الذي شكل طويلاً مصدر ثقة واطمئنان لدى شريحة واسعة من اللبنانيين بات مصدر خوف وتشكيك، والرابع أن الشيخ نعيم قاسم لا يمكن أن يحل محل حسن نصر الله لا في الشارع ولا في النفوس ولا في الهمم، وأن قراره الذاتي لا يمكن أن يخرج من الضاحية بل من طهران حصراً، والخامس أن التلويح بالسلاح في الداخل سيعني الدخول في حرب أهلية قد تكشف له أنه ليس الفريق الوحيد المسلح في البلاد.
وثمة عامل سادس يلوح في الأفق الشيعي ويقوم على أمرين، هما أولاً التململ المتصاعد داخل بيئة المقاومة الاسلامية حيال ما أصابها على مستوى القيادة والهيبة والعديد والعتاد والمال والأرزاق والمنازل، والثاني الاحتقان المتراكم بين القطبين الشيعيين، أي “حزب الله” وحركة “أمل” التي تحّمل الأول المسؤولية عن تدمير كل ما بناه الرئيس نبيه بري على مدى خمسين عاماً، معتبرة أنه بات الأولى بقيادة المجتمع الشيعي بعيدا من مغامرات ايران وطموحاتها.
وعلى الرغم من أهمية هذا العرض، يبقى الأهم في مكان آخر وتحديداً في مكانين آخرين، الأول في ايران التي بدأت تتلمس رقابها بعد تصاعد الأجواء الاسرائيلية، والمدعومة أميركياً وعربياً ودولياً، حيال احتمال قصف البرنامج النووي الايراني قبل دخول دونالد ترامب الى البيت الأبيض، يساعدها في ذلك بروز اقتناع شبه شامل بأن الثورة الاسلامية الايرانية يجب أن تلجم في مكان أو تتعاون في آخر بعدما تورطت في دعم الترسانة الروسية في أوكرانيا وفي تهديد أمن أوروبا والملاحة التجارية في البحر الأحمر، والثاني في سوريا التي وجدت نفسها فجأة وبين ليلة وضحاها أمام هجوم سلفي سني ساحق تقوده “هيئة تحرير الشام” ضد الجيش السوري وعناصر “حزب الله” و”الحرس الثوري”، في خطوة تهدف، بدعم ضمني من أطراف خارجية، الى خنق محور آخر من محاور ايران بعد خنق محور غزة ولجم محور لبنان.
ويكشف مصدر ديبلوماسي عربي، أن الرئيس بشار الأسد لا يستطيع الاستمرار في لعبة بهلوانية مكشوفة تتمثل في الامتناع عن القتال المباشر ضد اسرائيل واستبداله بتخزين سلاح ايران في مستودعاته من جهة أو نقله الى لبنان عبر أراضيه من جهة ثانية، وفي الانفتاح على العالم العربي في مكان والمساهمة في مكان آخر في ضرب الاستقرار في الأردن من خلال فتح الحدود المشتركة أمام تسلل المقاتلين الأصوليين وتهريب السلاح والمخدرات، وفي عرقلة أي حل سياسي في سوريا ينهي مشكلة اللاجئين السوريين الذين تحولوا قنابل موقوتة في مناطق اللجوء و”بعبعاً” يقلق العالم الغربي من الناحية الديموغرافية والثقافية والعقائدية والاقتصادية.
وسط هذه الأجواء، تأتي دعوة الرئيس بري الى عقد جلسة في التاسع من كانون الثاني المقبل لانتخاب رئيس للجمهورية في خطوة تأتي ترجمة لموازين القوى المحلية التي تبدلت بعد “حرب أيلول” وانتقلت من قبضة ايران الى قبضة الأميركيين والفرنسيين الذين باتوا الآن الجهة التي تحرس الهدنة في الجنوب وتتبنى الجيش تسليحاً وتدريباً وانتشاراً، وتمسك مفتاح البرنامج النووي الايراني سلباً أو ايجاباً، اضافة الى أنهم الجهة التي يعود لها الفضل في ارغام نتنياهو على وقف الحرب، والجهة التي باتت تملك كلمة راجحة في اختيار الرئيس اللبناني العتيد، وفي تحريك العجلة الاقتصادية وتشجيع الاستثمارات الخارجية في البلاد.
في اختصار، لقد دخل لبنان في واقع جديد لم يشهده منذ أكثر من أربعين عاماً، هو واقع التدويل الذي يسعى الى تغيير وجه الشرق الأوسط بمشاركة اللبنانيين وليس من دونهم أو على حسابهم، شرط أن تعرف المعارضة، تماماً كما فعل الرئيس بري الذي قرأ المرحلة الجديدة جيداً، أنها أمام فرصة تاريخية تفتح لها الطريق أمام بلد، مكرّس على الخريطة كجزء من القرارات العربية والدولية الاستراتيجية، وليس كساحة مفتوحة على حروب وتصفيات وحسابات لا تهدأ، خصوصاً أن حرب روسيا في أوكرانيا وتحرشات الصين قبالة تايوان، جعلت البحر اللبناني دجاجة تبيض ذهباً وساحله موقعاً استراتيجياً قلّ نظيره في المنطقة، والسلام اللبناني مدخلاً الى سلام شامل في الشرق الأوسط يقفل محاجر التوتر والقلاقل الى الأبد.
انها فترة شهرين حاسمين تسمح للمعارضة بأن تستفيد من التبدلات الدراماتيكية في الواقع اللبناني، فاما تقدم على خطوات تقطع بها الطريق على عودة حكم الممانعة واما تنتقل من موقع القوة الى موقع التشتت تماماً كما حدث بعد زلزال العام ١٩٨٢.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|