الصحافة

وقف إطلاق النار يدفع بالسلاح الفلسطيني إلى الواجهة

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

إذا كان جرى تجاهل السلاح الفلسطيني جنوب الليطاني بعد صدور القرار 1701 عام 2006، فإن الوضع الحالي يبدو مختلفاً، بجملة من المعطيات: أولها الجدية المستحدثة في تطبيق القرار، ثانيها أن السلاح بدا فاعلاً، سواء بالعمليات العسكرية عبر الحدود اللبنانية مع فلسطين بعد السابع من أكتوبر والتي تبنتها فصائل فلسطينية، أو إطلاق صواريخ من الجنوب اللبناني نُسب إلى تلك الفصائل، كذلك التصاريح الفلسطينية المتكررة باعتبار لبنان جبهة ممتدة مع فلسطين.
ولم يكن محض صدفة أن تكسر "إسرائيل" ما بدا تحييداً للمخيمات خلال عدوان تموز، وتستهدف أربعة مخيمات، هي عين الحلوة والرشيدية والبص والبداوي، ويتوزع استهدافها بشكل رئيسي على أربعة فصائل هي فتح وحماس والشعبية والجهاد. يُضاف أن اتفاق وقف إطلاق النار الأخير بين لبنان و"إسرائيل" نص على أنه "ستكون قوات الأمن والجيش اللبناني الرسمية هي المجموعات المسلحة الوحيدة المسموح لها بحمل السلاح أو تشغيل القوات في جنوب لبنان".

إذا، نحن أما مشهد مختلف يستدعي وقفة ونظرة في إشكالية "السلاح الفلسطيني في لبنان" والأبعاد التاريخية والسياسية والنفسية التي تحملها. ومن الصعب تفكيك هذه الإشكالية من دون النظر إلى عدد من العوامل:

السردية الفلسطينية
يمكن تقسيم السردية الفلسطينية حول السلاح الفلسطيني في لبنان إلى مرحلتين، مرحلة ما قبل عام 1982، والتي كانت التعبئة حول السلاح وسط الجمهور الفلسطيني قائمة حول دوره القادم في التحرير أساساً. أما المرحلة الثانية فهي اللاحقة بمذبحة صبرا وشاتيلا، وحاولت فيها الفصائل تعبئة جمهورها بأن أي تسليم للسلاح ستتلوه مذبحة مماثلة. وهو ما يفسّر أن الكثير من الفلسطينيين لهم موقف سلبي من السلاح لكنهم يتمسكون به. فقد وقعت المذبحة بعد خروج المقاتلين الفلسطينيين من بيروت (1982)، وبعد ضمانات أميركية مكتوبة بحماية المدنيين. وقتها، أعاق النقاش حول الضمانات خروج المقاتلين لشهر إضافي على الأقل.

وجاءت الضمانات في 20 آب ونصت على: "الفلسطينيون غير المقاتلين الذين يمكثون في بيروت، وهم ممن يتقيدون بالقوانين، بما في ذلك عائلات المغادرين، سيكون في وسعهم العيش بسلام وأمان. ستقدم الحكومتان اللبنانية والأميركية ضمانات أمنية ملائمة. ستقدّم الولايات المتحدة ضماناتها على أساس التطمينات التي تحصل عليها من الحكومة الإسرائيلية، ومن قادة بعض المجموعات اللبنانية الذين كانت الأخيرة على تواصل معهم".

غادر ياسر عرفات ومعه 11 ألف مقاتل عبر البحر، بعد عشرة أيام، لتقع المذبحة الأوسع خلال الحرب الأهلية اللبنانية، في مخيم صبرا وشاتيلا وأطرافه، بعد حوالي أسبوعين من هذا الخروج. كما أعقب اجتياح عام 1982 جملة من القرارات التي تمس الحقوق الإنسانية للفلسطينيين.

استطاعت الفصائل الفلسطينية أن تقنع الجمهور بسردية خلاصتها أن السلاح وحده يستطيع دفع السكين عن رقاب الفلسطينيين، وأن تجريدهم من سلاحهم سيعني المزيد من قضم حقوقهم الإنسانية. ولا يفوتنا أن اتفاق القاهرة الذي جرى توقيعه عام 1969 وبقي سرياً حتى كشفت عن نصه جريدة النهار عام 1970، وهو الاتفاق الذي يشرّع وجود السلاح الفلسطيني في لبنان، يتحدث في بنده الأول عن "حق العمل والإقامة والتنقل للفلسطينيين المقيمين حالياً في لبنان"، أي بمعنى ربط السلاح ضمنياً بالحقوق الإنسانية.

 ومن أجل مقاومة هذا الخوف كان على الفلسطينيين في المخيمات أن يحتملوا ارتدادات هذا السلاح على الواقع الفلسطيني، من انفلات أمني، وانفلاش قيم سلبية، خصوصاً بعد هجرة معظم النخب للفصائل والمخيمات طوال فترة السبعينات والثمانينات.

وإن كانت هذه السردية تعرّضت لانتكاسة قوية مع سيطرة مجموعة "فتح الإسلام" بقيادة شاكر العبسي على مخيم نهر البارد شمال لبنان، وهي القادمة من خارجه ولا تملك جذوراً اجتماعية فيه، دون أن تلقى مقاومة فصائلية (2007). لكن هذه الانتكاسة لم تمنع صمود السردية الفصائلية، خاصة مع ترسيخ الخطاب العنصري كأداة رئيسية في التنافس السياسي لدى بعض الأحزاب اللبنانية، واتخاذ بعض الإجراءات بحق الفلسطينيين ومخيماتهم.

العاملان الإقليمي والمحلي
تاريخياً، لم يستطع السلاح الفلسطيني أن يتمدد من دون دعم إقليمي وسند محلي. حتى في زمن الفراغ الأمني عام 1958، لم يكن للفلسطينيين أي دور مسلح يُذكر لافتقادهم لهذا الدعم، واضطر بعض الأفراد المنضمين لحركة القوميين العرب أن يتسلحوا ويقاتلوا ضمن أطرهم اللبنانية، وكذلك فعل القوميون السوريون المتواجدون بشكل ملحوظ في المخيمات حينها.

أما في النصف الثاني من الستينات، فاختلف الأمر مع الدعم الإقليمي، والمؤازرة الداخلية، التي وصلت حدّ أن بعض الفصائل الفلسطينية اليسارية كانت تستعير عناصر من تنظيمات لبنانية بغرض الانطلاقة، أو تعزيز تواجدها، ليس في الساحة اللبنانية فقط، بل الأردنية كذلك. والتظاهرات اللبنانية والاستقالات من الحكومة دعماً للعمل الفلسطيني المسلّح كثيرة. بل إنه في مراحل تاريخية تشكلت قناعة فلسطينية بتنظيم السلاح، لكن العامل الإقليمي أو الداخلي كان عائقاً أمام تحقيق هذا الهدف.

وتُعتبر محاولة نزع السلاح الفلسطيني بعد الحرب الأهلية عام 1990، هي المحاولة الأكثر جدية. فتلك المرحلة شهدت مراجعات فلسطينية لبنانية أعقبت نزيفاً في الجانبين، ورغبة لدى قطاعات واسعة في تجاوز الماضي. كما ساد شعور لدى القيادة الفلسطينية بتراجع فعالية وجاذبية الورقة اللبنانية، وقد بدأ الحديث عن مؤتمر سلام دولي، خصوصاً بعد عام 1988 تاريخ انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني وإعلان "وثيقة الاستقلال". وحدثت حوارات قادت عام 1991 إلى تسليم السلاح الفلسطيني الثقيل والمتوسط إلى الجيش اللبناني، والانسحاب إلى داخل المخيمات (باستثناء بعض مواقع القيادة العامة وفتح الانتفاضة القريبتين من سوريا). أما الأمن داخل المخيمات فاتُفق حينها على أن يكون شأناً فلسطينياً، يجري تنظيمه بالاتفاق مع السلطات اللبنانية.

وما يلفت في مذكرات صلاح صلاح، وهو رئيس الوفد الفلسطيني المفاوض، ذكره أن القياة السورية قد سرّبت "لوماً على الفلسطينيين على سرعة استجابتهم لتسليم السلاح الثقيل والمتوسط (...) وفهمت القيادة الفلسطينية أن سوريا تريد تصليب الورقة الفلسطينية واستثمارها، والبناء عليها، أو وضعها على الطاولة في مفاوضات سياسية متعثرة بعد مدريد، وفي مواجهة استحقاقات مطلوبة منها، أبرزها: سحب قواتها من مناطق انتشارها في بيروت وصيدا والجبل إلى منطقة المديرج وسهل البقاع في مدة أقصاها أيلول (سبتمبر) 92 حسبما نص اتفاق الطائف".

نفوذ حركة فتح
لم يكن وجود الأمين العام القطري لحزب البعث في لبنان عبد الله الأمين ضمن الوفد اللبناني كافياً لانتزاع موافقة الجانب السوري على اتفاق تسليم السلاح الفلسطيني أو تنظيمه. فالقيادة السورية كانت تخوض غمار التسوية، وهي بحاجة لتجميع أوراق، ومنها الورقة الفلسطينية التي سعت تاريخياً للاستحواذ عليها. كما جرى استثمار وجود السلاح الفلسطيني كأحد الأسباب الرئيسية لإطالة أمد التواجد العسكري السوري في لبنان، والتلويح بالتهديد الفلسطيني، كلما تعالت أصوات مطالبة بالانسحاب العسكري السوري.  

المحاولة الثانية التي بدت جدية، كانت بعد عام من الانسحاب العسكري السوري عام 2005، حين شعر كثير من اللبنانيين أن العبء الإقليمي قد أُزيح عن ملف السلاح الفلسطيني، وأن ما كان يُعرف بـ"الفريق السيادي" المطالب بحصرية السلاح بيد الدولة اللبنانية له الغلبة السياسية ظاهرياً على الأقل. في هذه الأجواء طُرح موضوع السلاح الفلسطيني، ضمن طاولة الحوار الوطني عام 2006، ونتجت عدة مقررات نصت على "إنهاء وجود السلاح الفلسطيني خارج المخيمات في مهلة قدرها ستة أشهر، ومعالجة قضية السلاح داخل المخيمات، مع تأكيد مسؤولية الدولة اللبنانية والتزامها حماية المخيمات الفلسطينية من أي اعتداء. والتزم المجتمعون العمل الجدي لتنفيذ ما ورد أعلاه ودعم جهود الحكومة للتوصل إلى ذلك عن طريق الحوار".

واللافت أن الجانب الفلسطيني أيّد هذه المقررات، خاصة وأنها اقترنت بمقررات أخرى تخص الشأن الاجتماعي والإنساني للفلسطينيين في لبنان، وزيارة عدد من الوزراء اللبنانيين مخيم شاتيلا في بيروت لما له من رمزية فلسطينية، وحدث ذلك للمرة الأولى بعد الحرب الأهلية. لكن وقعت حرب تموز في العام نفسه، وأعادت تشكيل المشهد السياسي في لبنان، فانتهى الحوار، وبقيت المقررات معلقة دون تنفيذ.

يمكن تسجيل أن المحاولتين الجديتين لسحب أو تنظيم السلاح الفلسطيني، عالجت المخاوف التي تحملها السردية الفلسطينية من جهة، ومن جهة ثانية كانت في لحظة ضعُف فيها العامل الإقليمي المساند لوجود هذا السلاح، وحصل التوافق اللبناني النادر حول هذه القضية.

صحيح أن قرارات أممية سابقة تطرقت بشكل غير مباشر للسلاح الفلسطيني في لبنان وأهمها القراران 1559 و1701، لكن التطبيق العملي تجاهله لعدة أسباب أهمها عدم أولويته والمساندة الإقليمية والمحلية. لكن بعد الحرب الأخيرة يبدو الأمر مختلفاً تماماً. فإسرائيل، ومنذ سنوات، بدأت تعتبر السلاح الفلسطيني خطراً مباشراً عليها، وادّعت مراراً أن جزءاً من سلاح المقاومة في الضفة يجري تهريبه من لبنان، عن طريق فصائل فلسطينية.

و"إسرائيل" تعتبر الضفة معركتها الكبرى حتى وهي تقاتل في غزة ولبنان، لاعتبارات استيطانية وجغرافية وسكانية معروفة. ومعظم الاغتيالات التي نفذتها "إسرائيل" ضد كوادر فلسطينية في لبنان خلال العدوان الأخير، جرى ربطها بتهريب الأسلحة للضفة. كما أن "إسرائيل" تبدو مصممة على إنهاء ملف المقاومة الفلسطينية في المنطقة كلها، ولن ترضى بأن تبقى مخيمات لبنان استثناء.   

وبالنسبة للمخيمات والتجمعات الفلسطينية جنوب الليطاني، هناك ملاحظة أساسية، أن النفوذ الأساسي، وربما الحاسم، في تلك المناطق، هو لحركة فتح، التي أعلن رئيسها، ورئيس السلطة، محمود عباس مراراً أنه يساند فكرة تسليم السلاح إلى السلطات اللبنانية. لكن هنا قد يبرز رأيان، الرأي الأول قد يدفع بهذه الفكرة لتسليم السلاح الفلسطيني جنوب الليطاني، لسهولة التنفيذ، وجعل ذلك نموذجاً لبقية المخيمات. أما الرأي الآخر فقد يرفض ضرب نفوذ حركة فتح هناك، لأن هذا النفوذ يوازن تراجعها في مخيمات أخرى، ويفضّل المعالجة الكليّة للسلاح الفلسطيني على الأراضي اللبنانية كافة.

وفي كل الأحوال يبدو أن المرحلة المقبلة لا تستثني السلاح الفلسطيني من النقاش الجاد، وهو ما يستدعي حواراً فلسطينياً عاجلاً، والتهيئة لحوار فلسطيني لبناني، يستند إلى نتائج حوارات سابقة.

أحمد الحاج علي - المدن
 

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا