حزب الله يوافق على تسليم السلاح الثقيل مقابل ضمانات موثوقة من إسرائيل بعدم الاعتداء
الهلال الايراني… وداعاً!
ماذا بقي من “الهلال” الايراني والعواصم العربية الأربع التي تغنى الايرانيون طويلاً بالسيطرة عليها، في وقت خرجت غزة من الخدمة، وخرج حسن نصر الله من الصورة على أنقاض بيئته بشراً وحجراً، وفي وقت يواجه الرئيس بشار الأسد خريفاً دامياً يشبه الربيع الذي أطاح رؤساء ليبيا وتونس واليمن ومصر، وحملة دولية ساحقة تشبه تلك التي أطاحت صدام حسين في بغداد و”طالبان” في كابول.
ان قراءة سريعة للخريطة الاقليمية التي أعقبت السابع من أكتوبر، لا تشكل خبراً جيداً للمسؤولين الايرانيين الذين وجدوا أنفسهم فجأة أمام زلزال اقليمي ودولي يفكك مفاصلها الواحدة بعد الأخرى، ويعيدها اما الى حدودها الطبيعية، واما الى أي طاولة مفاوضات في المستقبل كدولة عادية تتوخى حماية ثورتها أكثر من حماية أذرعها.
وليس في هذه القراءة التي تكاد تكون شاملة، أي مبالغة أو تخيلات، في وقت تجد ايران نفسها مضطرة الى خوض حروب مباشرة هي أقرب الى الحروب الانتحارية، بعدما بات الاعتماد على الجيش السوري المنهار رهاناً بائداً، والاعتماد على “حزب الله” المنهك رهاناً عبثياً، والاعتماد على “الحشد الشعبي” رهاناً ملتبساً، وبعدما بات الاعتماد على عملية انقاذ روسية رهاناً بعيد المنال، في وقت يسعى الرئيس فلاديمير بوتين الى تحاشي الانخراط في حرب استنزافية أخرى وهو العالق منذ أكثر من عامين في حرب مماثلة في أوكرانيا والمتخوف مما قد يفعله الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب حيال الملفات الاقليمية والدولية الساخنة.
وما ينطبق على ايران ينطبق على الرئيس السوري الذي راهن على أمرين للبقاء في السلطة، الأول ايمانه بأن العالمين العربي والغربي لا يحظيان بأي بديل له في حكم سوريا، بعدما تفككت المعارضة المعتدلة لمصلحة المعارضة الأصولية، والثاني ايمانه بأنه بات حاجة استراتيجية لا بد منها لكل من روسيا التي تبحث عن موطئ قدم في الشرق الأوسط، ولايران التي تعتبر سوريا “درة التاج” الجغرافية في هلالها الممتد من طهران الى لبنان ومنه الى البحر المتوسط، أضف الى ذلك ايمانه بأن العرب لن يذهبوا بعيداً في العداء معه الى حد القبول بسقوط نظام عربي لمصلحة منظمات اسلامية أصولية لا توفر في طموحاتها أي نظام حكم في العالم العربي.
وأكثر من ذلك، لم يقرأ الرئيس السوري جيداً ما يجري في دول الجوار في مكان وما يتربص بايران في مكان آخر، معتقداً أنه خارج دائرة النار وقادر على الامساك بالعصا من وسطها من دون الاضطرار الى التورط في أي حروب لا تخدم نظامه، سواء كان ذلك من خلال دعم ايران و”حزب الله” في مواجهة اسرائيل أو من خلال ضربهما ارضاء لأميركا التي تطوقه بالعقوبات أو تودداً للعرب الذين يقطعون عليه طريق الوصول الى الخزائن الخليجية قبل أن يعلن الطلاق مع نظام ولاية الفقيه من جهة، والحؤول دون تحول سوريا الى دولة ذات نفوذ شيعي وسط بحر من السنة المشردين في لبنان والعراق والأردن وتركيا وأوروبا من جهة ثانية.
ويجمع الكثير من المراقبين على أن ما يجري في سوريا هو حصيلة أخطاء استراتيجية ارتكبها المثلث السوري-الايراني-الروسي ونتيجة ممارسات خرق بها الخطوط الحمر، وانتقل مما يسمى قواعد الاشتباك الى ما يعرف بفوضى الاشتباك.
ويؤكد هؤلاء، أن تركيا قرأت جيداً هذه الحصيلة، ودفعت برجالها نحو الداخل السوري وهي على اقتناع بأن الأسد سيقاتل وحيداً، وأن الطريق الى قصر المهاجرين لن يتحول الى حرب استنزاف طويلة، مؤكدة في كواليسها، أن ايران لم تعد مع حلفائها في وضع يسمح لها بخوض حروب على جبهات عدة، وأنها لن تجرؤ على الدخول في حرب مباشرة مع الجيش التركي المنضوي تحت لواء حلف الأطلسي، ولن ترسل جيشها الى سوريا خشية الصدام مع الأميركيين في الداخل والاسرائيليين من الخارج.
انها ضربة معلم تركية، يقول المراقبون، لكن السؤال الذي يطرح نفسه، أين يقف مسار الحملة التركية في سوريا، ومن يمكن أن يكون الهدف التالي؟
تقول أوساط سياسية عربية، إن أي محاولة من الرئيس رجب طيب اردوغان لاستنساخ الامبراطورية العثمانية لن تمر مهما بلغت الخلافات مع النظام الحاكم في دمشق، مؤكدة أن التعايش مع حاكم عربي يبقى أهون وقعاً من التسليم بحكم حاكم تركي مهما تمادى في ايمانه أو بالغ في الحرص على مصالح العرب والمسلمين.
وانطلاقاً من هذه الفسيفساء المعقدة لا بد من السؤال، ماذا يريد قائد “هيئة تحرير الشام” أحمد الشرع المعروف باسم أبو محمد الجولاني؟ وأين هي النقطة الجغرافية التي يمكن أن يتوقف عندها؟ وماذا يشكل لبنان بالنسبة اليه اذا تمكن من الوصول الى حدوده سواء من الشرق أو من الشمال؟ وماذا يمكن أن يفعل “حزب الله” الذي خسر غزة وانسحب من الجنوب وهو يشاهد آخر متنفس له في سوريا وهو يسقط في قبضة تنظيم سني متشدد له مع “المقاومة الاسلامية” اللبنانبة حساب قديم يريد تصفيته بأي طريقة ممكنة؟
أسئلة كثيرة لأجوبة لم تنضج بعد، لكن الثابتة الوحيدة التي يتخوف منها اللبنانيون جميعاً تكمن في احتمال نشوب “حرب اسناد” جديدة قد يخوضها نعيم قاسم هذه المرة دفاعاً عن المحور السوري، وسط أجواء في طهران تفيد بأن مصير سوريا بأسرها متوقف الآن على قرار من “حزب الله” الذي يجد نفسه بين خيارين لا ثالث لهما، اما التضحية عبثاً بمن تبقى من رجاله واما المراهنة عليهم لتحقيق أمرين: الانتشار خلف الجيش اللبناني على الحدود مع سوريا لصد زحف النصرة وحلفائها في حال قرر الجولاني خنق ايران حتى آخر معقل، أو الوقوف على الحياد والتقوقع في الداخل اللبناني الذي يمثل بالنسبة اليه الحلقة الأضعف والهدف الأسهل في طموحاته السلطوية في البلاد.
انها مسألة أيام قبل أن نتأكد هل كان رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو على حق عندما تحدث عن تغيير وجه الشرق الأوسط، أو أن شيئاً ما قد تفعله روسيا لتهدئة الغرب بعد استعانتها بقوات من كوريا الشمالية وأسلحة صاروخية من طهران في حربها على أوكرانيا، في مقابل الاحتفاظ بوجودها الاستراتيجي في المنطقة، أو ما قد تفعله ايران لجر جميع الشيعة في لبنان والعراق واليمن الى كربلاء جديدة تأمل ألا يقتل فيها الأئمة كما أصاب الحسين وألا ينتصر فيها نتنياهو على الأسد كما انتصر على نصر الله والسنوار؟
انها في الخلاصة نهاية الطريق لثورة اسلامية صالت وجالت على مدى أربعة عقود لاستعادة امبراطورية غابرة، قبل أن تسقط في تناقضات المنطقة، وفي بحر من الكيانات السنية التي يمكنها التعرض لأمنها، لكن لا يمكنها التغلب عليها أو السيطرة على قرارها.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|