"الفاليه باركينغ" في لبنان: خدمة على الورق وابتزاز على الأرض
سقط الأسد… من يهدئ السنة؟
ثلاثة رجال دمروا الهلال الايراني، الأول بشار الأسد عندما اغتال الرئيس رفيق الحريري، والثاني يحيى السنوار عندما تعرض لهيبة اسرائيل، والثالث حسن نصر الله عندما جرّ بنيامين نتنياهو الى حرب غير متكافئة كان ينتظرها مع الأميركيين منذ وقت طويل ويراهن عليها لبناء شرق أوسط جديد قائم على معادلة السلام في مقابل السلام وليس الأرض في مقابل السلام.
ويقول ديبلوماسي غربي في هذا المجال: “لقد حذرنا الأسد من مغبة اغتيال الحريري الذي بات مرجع السنة الوحيد في لبنان وسوريا بعد رحيل ياسر عرفات وسقوط صدام حسين، لكنه لم يرتدع”. ويضيف: “لم ألتقِ بين كل الزعماء الذين التقيتهم في حياتي من هو أكثر استعلاء وغباء من هذا الرجل”.
ولسنا هنا في موقع الحكم على أداء بشار الأسد ومنسوب ذكائه بقدر التكهن بما يمكن أن يحدث في سوريا وربما لبنان بعد سقوط حكم “البعث” وآل الأسد لمصلحة تنظيم اسلامي متشدد لا نعرف أين تقف طموحاته وأين تنتهي حدوده.
لا شك في أن ما حدث في سوريا ليس كسائر الانقلابات والثورات التي تندلع في غير مكان، فهو لا يعني سقوط حكم وتولي حكم، بل يعني سقوط طائفة وعودة طائفة، وربما سقوط عرق وحلول عرق آخر وسقوط شعب وحلول شعوب أخرى، وسقوط كيان كامل وحلول كيانات متباعدة ومستقلة.
الطائفة هي الطائفة العلوية التي سلمت أمرها الآن للطائفة السنية العائدة الى سوريا بعد خمسين عاماً من حكم آل الأسد، والعرق العربي الذي يمكن أن يفسح مكاناً للعرق التركي بعد أكثر من مئة عام على انتهاء الحكم العثماني، والشعب الذي يمكن أن يتحول مع الأكراد الى شعب متساو في الحقوق والانتماء، وكيان يمكن أن يتحول الى كيانات أخرى وعلى رأسها الكيان الكردي الذي تحول الى حاجة اقليمية ودولية في الحرب الدائرة ضد “داعش” والمنظمات الارهابية الأخرى، والكيان العلوي الذي يمكن أن يأخذ مكانه في أي حل يفرض تقسيم البلاد.
وبعيداً من سوريا، لا بد من السؤال عما يمكن أن يفعله السنة في لبنان، هم الذين يشعرون بأن النظام السوري الذي قتل من زعمائهم من قتل وقهر منهم من قهر سواء في بيروت أو دمشق بات خارج الصورة، وعما يمكن أن يفعله “حزب الله”، هو الذي يشعر بأنه خسر كل شيء بدءاً من مبرر السلاح مروراً بغياب القيادات الفاعلة والمؤثرة، اضافة الى هزيمة في الحرب مع اسرائيل وأخرى في الحرب مع “هيئة تحرير الشام”، وصولاً الى اقفال المعبر السوري الذي كان المتنفس الذي يتزود منه بالسلاح والرجال والمال، وانتهاء بايران التي تحولت الى أخطبوط فقد أذرعه الواحدة بعد الأخرى وباتت أمام خيارين قاتلين: اما الدخول في حرب مباشرة مع تركيا في محاولة لفتح طريق دمشق مجدداً وهذا أمر غير وارد، واما تسليم برنامجها النووي الى الأميركيين من دون ضربة كف والعودة الى حدودها الطبيعية وحجمها الطبيعي وهذا أمر لا بد منه.
وما ينطبق على ايران ينطبق الى حد كبير على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي وجد نفسه فجأة أمام جبهة أخرى لم يعد يملك فيها أي غطاء شرعي أو أي حليف يعتد به، وأمام منافس أطلسي مباشر هو التركي الذي تولى في ما يبدو مسؤولية تجريد سوريا من النفوذ الايراني والحد من النفوذ الروسي معاً.
وسط هذا المشهد القاتم، تقول أجواء الضاحية الجنوبية، إن الصدمة حيال سقوط سوريا – البعث تكاد تضاهي في خطورتها سقوط حسن نصر الله على مستوى القيادة، وسقوط الجنوب على مستوى الأرض، وسقوط السلاح على مستوى السلطة، مشيرة الى أن “حزب الله” وجد نفسه فجأة في عزلة خانقة تخيّره بين ثلاثة أمور: الأول التمسك بالمكابرة والمخاطرة بالتالي بحرب أهلية مع السنة الذين يبحثون عن الثأر واستعادة القرار والهيبة، والثاني التخلي عن فكرة “الجهاد” وتسليم سلاحه للجيش اللبناني، والثالث يتفاوت بين حل الشق العسكري لمصلحة الشق السياسي وبين محاسبة القيادات الكبيرة المتبقية تماماً كما حدث بعد “ثورة الأرز” واعتقال قادة الأجهزة الأمنية الموالية للنظام السوري.
وتعكس هذه الأجواء مخاوف في صفوف الثنائي الشيعي من أن يكون قرار أحمد الشرع أو أبو محمد الجولاني في قبضة تركيا التي يمكن أن تفتح شهيتها وتكمل طريقها نحو لبنان، معربة عن أملها في أن يكون القرار النهائي في قبضة الأميركيين الذي باتوا يديرون لعبة الأمن في لبنان وينظرون اليه ككيان صديق قطعت أنيابه بعد تكريس القرار ١٧٠١ وتولي الجيش اللبناني السيطرة على كامل حدوده.
وعلى الرغم من التطمينات التي أطلقها وزير الخارجية التركية في ما يتعلق بنهج الحكم الجديد في دمشق منصّباً بلاده حارساً لأمن سوريا وعرّاباً لها، يعرف “حزب الله” وايران أنهما الآن أمام مرحلة جديدة وأمام واقع جديد لا يملكان فيهما ما كانا يملكانه على مدى أكثر من أربعين عاماً، وأن القرارات السياسية الجوهرية والاستراتيجية باتت في يد المعارضة التي ستحاول، بدعم عربي ودولي، انتاج سلطة جديدة قائمة على نهج جديد وجيل جديد وذهنية جديدة.
ويتفق الكثير من الممسكين بالملف اللبناني على أن لبنان بات من رأسه حتى قدميه في دائرة التعريب والتدويل، شرط أن يقر “حزب الله” بأنه خسر مشروعه “الاسلامي الجهادي”، وألا تذهب حماسة السنة الى حد الانخراط في موجات أصولية تضعهم في مواجهات مباشرة مع الجيش اللبناني في مكان والمحور المسيحي- الشيعي المتوجس والخائف في مكان آخر، مؤكدين أن عودة سعد الحريري الى بيروت باتت حاجة استراتيجية ووطنية ووسيلة يمكن بها تهدئة البيئة السنية وابقاءها في دائرة الاعتدال.
وذهب هؤلاء بعيداً في قراءاتهم الى حد القول إن كل حظوظ سليمان فرنجية قد سقطت مع سقوط الأسد ونصر الله، وان المعارضة باتت، ومن دون عراقيل من قوى الممانعة، في موقع يمكنها من اختيار الرئيس الذي تريده اذا تجردت من صراعات السلطة خصوصاً في صفوف بعض الزعماء الموارنة الذين امتهنوا عبر التاريخ هدر الفرص الثمينة وتقديم حب الذات على حب الوطن.
انها آخر الفرص التاريخية التي يمكن أن يحظى بها اللبنانيون، فاما يذهبون بها الى أول استقلال حقيقي يعايشونه واما تذهب بهم الى احتلال جديد… فماذا يختارون؟
انطوني جعجع-لبنان الكبير
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|