“دوخة” نيابيّة: جلسة من دون فرنجيّة وجعجع!
“الوضع بدوّخ. المعطيات مُتضاربة ومُتغيّرة كالبورصة. ولا توافق سياسيّاً بالحدّ الأدنى حتى الآن على أيّ اسم لرئاسة الجمهورية”. هي حصيلة مختصرة للمداولات الرئاسية في الأيّام الماضية، ينقلها مصدر سياسي على تماسّ مباشر مع حراك الكتل النيابية ونقاشات الكواليس. الأمر كافٍ للتسليم بأنّ تاريخ 9 كانون الثاني شيء، وخروج رئيس من كنفه شيء آخر.
بعيداً عن “مطحنة” الأسماء، ومفاوضات الغرف المغلقة، والجوّ الضبابي الذي يلفّ جلسة التاسع من كانون الثاني، تجزم معطيات “أساس”، بناءً على تقاطعات التطوّرات الماضية، بأنّ الاستحقاق الرئاسي سيأتي تحت سقف هذه المسلّمات:
– على الرغم من الإعصار الكبير الذي ضرب “الحزب” داخلياً، وتمدّده نحو سوريا عبر سقوط نظام بشار الأسد واستعداد فريق سياسي كبير، على رأسه “القوات اللبنانية”، لاستثمار نتائجه رئاسياً في الداخل، فإنّ الشريك الحاسم والصامت في الملفّ الرئاسي، أي السعودية، يرفض وصول رئيس يُشكّل انكساراً للفريق الشيعي أو مشروع مواجهة معه.
يأتي ذلك ضمن سياق قرار متّخذ سلفاً، وهو نفسه الذي حيّد الرياض طوال الفترة الماضية عن الرمال اللبنانية المتحرّكة ومرحلة تداعي هيكل الدولة، بعدم الانخراط في الساحة اللبنانية مجدّداً قبل تكريس لغة الاستقرار، بحيث لن يكون للمملكة أيّ دور مساعِد وداعم في لبنان بمعزل عن شرط الاستقرار والإصلاحات وتطبيق الطائف ورفض عزل أيّ مكوّن.
– صحيح أنّ تطوّرات لبنان والمنطقة أزاحت عن الواجهة ترشيح حليف “الحزب” وسوريا النائب السابق سليمان فرنجية، إلا أنّ كلّ المعطيات تجزم في المقابل أنّ انتخاب رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع ليس وارداً أيضاً، وذلك ربطاً بعدّة معطيات من ضمنها ما ورد أعلاه، ولأنّ المرحلة لن تكون بعنوان “المواجهة والتشفّي”، ولأنّ توازنات الداخل والفيتو الشيعي الكبير لا يسمحان بذلك.
هذا مع العلم أنّ معطيات الكواليس الضيّقة جدّاً تشير إلى دعم جعجع أيضاً فكرة ترشيح ستريدا جعجع لرئاسة الجمهورية! في المقابل، يرتكز الحديث مع فرنجية اليوم على الشخصية التي يمكن أن يدعمها لرئاسة الجمهورية، ويجيّر لها “رصيده” الرئاسي الذي لن يتمكّن من صرفهِ.
– بالنسبة لانتخاب قائد الجيش العماد جوزف عون رئيساً للجمهورية، تؤكّد معطيات “أساس” أنّ واشنطن خاضت مباشرة معركة التمديد لقائد الجيش، و”ويكيليكس” اللقاءات مع أصحاب القرار في الداخل تشهد على ذلك.
لكنّ المعطى الأميركي، من خلال إدارة جو بايدن أو إدارة دونالد ترامب، لا يعكس خوض معركة رئاسة الجمهورية بسيف قائد الجيش الذي دعمت واشنطن بقوّة معركة التمديد له واستمراره على رأس المؤسّسة العسكرية، حتى خلال المرحلة الانتقالية التي ستلي انتخاب الرئيس وتشكيل حكومة وإجراء تعيينات عسكرية وقضائية وأمنيّة وإدارية.
رئيس إصلاحيّ ومؤسّساتيّ
يجزم العارفون بأنّ واشنطن معنيّة بوصول رئيس ذي برنامج إصلاحي ومؤسّساتي، ملتزم بترتيبات ما بعد الحرب التي سبق للحزب نفسه أن وافق عليها. ما عدا ذلك، تعني واشنطن أكثر قيادة الجيش المقبلة وبرنامج الحكومة وبعض التعيينات الأساسية.
يقول مصدر مطّلع في هذا السياق: “بعد الضربة القاسية التي تلقّاها الحزب، وهروب بشار الأسد إلى المنفى الروسي، وانكفاء إيران من دمشق وانسحاب القوات الروسية من الساحل السوري، ما الذي ستخشاه واشنطن من أيّ رئيس مقبل ما دام غير قادر على تجاوز أيّ من هذه الوقائع التاريخية المستجدّة، ومحكوماً بأجندة سبقت وصوله إلى بعبدا؟”.
جلسة اللاحسم؟
في السياق الرئاسي نفسه، تؤكّد المعطيات أنّ إصرار الرئيس نبيه برّي على عدم تأجيل موعد الجلسة و”تسويقه” الأجواء التفاؤلية لا يأتيان انطلاقاً من معطيات رئاسية حاسمة أو بناءً على “ديل” غير معلن، بل ضمن سياق قراءته للأحداث الأخيرة والتزامه بما سبق أن أعلنه من الدعوة إلى جلسة فور وقف إطلاق النار. والأهمّ “حَشر” الفريق الذي ضغط عليه سابقاً بالدعوة إلى جلسة حتى من دون أرضية تفاهمات والقول لهم: “تفضّلوا الجلسة مفتوحة بدورات متتالية. انتخبوا رئيساً”، لكن حتى الآن تبدو الجلسة “من دون رئيس”.
لا أسماء من باسيل وجعجع
وفق المعلومات، لا تزال الاتّجاهات متضاربة وضبابية وكلّ الأسماء المطروحة والمعروفة لا تزال قيد التداول، فيما تبيّن أنّ العديد من النواب ممّن أيّدوا التمديد لقائد الجيش أظهروا موقفاً معارضاً لانتخابه رئيساً للجمهورية. وحتّى الآن يحاذر كلّ من النائب جبران باسيل وسمير جعجع الالتزام بأيّ اسم، خصوصاً جعجع الذي أوحى لزوّاره أخيراً بأنّ “الأحداث المفصليّة التي اجتاحت لبنان سوريا تقتضي مقاربة رئاسية مختلفة تماماً لا تتقبّل أسماءً ليست بمستوى هذه التغييرات”، معتبراً أنّ “ترشيحه ملك الكتل النيابية”، وأنّه لا يمانع تأجيل الجلسة.
تجزم مصادر مطّلعة أنّه “في حال حصلت دورات متتالية ولم ينجح مجلس النواب في انتخاب رئيس في جلسة 9 كانون الثاني، فإنّ برّي مصرّ على إقفال محضر الجلسة والدعوة إلى جلسة أخرى في موعد قريبٍ زمنيّاً، لكن بالتأكيد سيكون بعد 20 كانون الثاني موعد تسلّم الرئيس الأميركي المنتخب مقاليد السلطة”.
بين عون والبيسري
فيما تبيّن أنّ اسم المدير العامّ للأمن العامّ الياس البيسري لا يزال ضمن بورصة الترشيحات، ويؤيّده الرئيس برّي و”الحزب” والنائب باسيل وعدد من النواب، تجزم مصادر قانونية لـ”أساس” أنّ “البيسري لا يحتاج إلى تعديل دستوري كقائد الجيش، لأنّه ضابط برتبة لواء يُمارس مهامّ مدير عامّ (موظّف فئة أولى) بالإنابة بقرار صادر عن وزير الداخلية، وليس بالأصالة، أي بقرار صادر عن مجلس الوزراء كما تفرض المادّة 49 من الدستور حين تتحدّث عن موظّفي الفئة الأولى”.
يُذكر أنّ الفقرة الثالثة من المادّة 49 تشير إلى أنّه “لا يجوز انتخاب القضاة وموظّفي الفئة الأولى مدّة قيامهم بوظيفتهم وخلال السنتين اللتين تليان تاريخ استقالتهم وانقطاعهم فعليّاً عن وظيفتهم أو تاريخ إحالتهم إلى التقاعد”.
لكنّ انتخاب البيسري رئيساً يحتاج إلى تعديل قانون الانتخاب، حيث إنّ الفقرة الثانية من المادّة 49 من الدستور تنصّ على أنّه “لا يجوز انتخاب أحد لرئاسة الجمهورية ما لم يكن حائزاً على الشروط التي تؤهّله للنيابة وغير المانعة لأهليّة الترشيح”. وفي هذه الحالة يعتبر البيسري غير مؤهّل للترشيح للنيابة لأنّه لم يستقِل من وظيفته قبل ستّة أشهر كما يفرض قانون الانتخاب، وهو ما يفرض تعديل القانون.
بالخلاصة، يقول متابعون إنّه “إذا كانت المرحلة تقتضي التزاماً بالإصلاحات واحتراماً للقوانين، يجب أن لا يبدأ أيّ رئيس للجمهورية مهامّه نتيجة التلاعب بالنصوص الدستورية والقانونية من أجل أشخاص، أي بتعديل دستوري (كما في حالة قائد الجيش) أو تعديل القانون (في حالة الياس البيسري)”.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|