جنبلاط: بري مُصرّ كما نحن على أن يخرج الدخان الأبيض في التاسع من كانون الثاني
جوزيف عون.. "مرشح الضرورة"
في جلسة مفتوحة للبرلمان اللبناني، حضرها من شرفة الضيوف جان إيف لودريان المبعوث “الخاص” للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أقر 48 نائبا يوم 28 نوفمبر/تشرين الأول 2024 اقتراحين، أولهما قانون ينص على تمديد خدمة قائد الجيش العماد جوزيف عون عاما إضافيا في منصبه، والثاني تحديد 9 يناير/كانون الثاني 2025 موعدا لجلسة انتخاب خلف لرئيس الجمهورية السابق ميشال عون، الذي أخلى المنصب يوم 31 أكتوبر/تشرين الأول 2022 وأخفقت 12 محاولة لانتخاب خلف له.
ورغم عدم وجود رابط مباشر بين البندين اللذين أقرهما نواب لبنان، فإن الاجتماعات التي عقدها لودريان نفسه في مقر السفارة الفرنسية ببيروت مع عشرات النواب من مختلف الكتل النيابية على مدى 3 أيام أكدت وجود رابط.
ضغط مركّب
فقد التقى لودريان برئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ورئيس البرلمان نبيه بري، وبنواب مستقلين وآخرين من كتلتي “اللقاء التشاوري والنيابي المستقل” و”تجدد”. وشدد في لقائه بالأخيرة على اعتبار “انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة خلال مهلة الستين يوما (التي نص عليها اتفاق الهدنة مع إسرائيل يوم 27 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي) جزءا لا يتجزأ من آلية إنجاح الاتفاق وتطبيقه فعليا، بحيث يكون على عاتق الرئيس المنتخب والحكومة في المرحلة الأولى تأمين حضور الشرعية اللبنانية ودورها الحصري الممثل في الجيش اللبناني والقوى الأمنية الشرعية”.
لم تكن اجتماعات لودريان وحدها محرك إعادة ملف انتخاب رئيس جديد للبنان إلى جدول الأعمال الدولي والإقليمي، فقد سبقها تحرك أميركي في أواسط أكتوبر/تشرين الأول الماضي أطلقته رسالة وجهها لإدارة جو بايدن عضوَا الكونغرس الأميركي من أصل لبناني دارين لحود وداريل عيسى. ودعت الرسالة الإدارة الأميركية للضغط من أجل انتخاب رئيس للجمهورية وحملت برّي مباشرة مسؤولية عرقلة انتخاب رئيس الجمهورية، واعتبرته “عقبة رئيسية أمام فتح البرلمان”.
وذهبت الرسالة إلى الدعوة لفرض “عقوبات على المعرقلين”، في تلميح إلى رئيس البرلمان، مشيرة إلى أن لدى الإدارة الأميركية فرصة لتحقيق ذلك مستفيدةً من الظرف الراهن، إذ إن الحرب بين حزب الله وإسرائيل جعلت -حسب الرسالة- “حزب الله ضعيفا بشكل كبير نتيجة استهداف عناصره وقيادته، وفي ظل تراجع سيطرته على لبنان، واستمراره في فقدان القادة والمقاتلين والبنية التحتية والتمويل والنفوذ”. واعتبرت الرسالة أن “انتخاب رئيس ليس مسألة هامشية في الصراع الحالي، بل هو أمر جوهري لمستقبل لبنان”.
مؤشرات لبنانية
خلال الأيام الأخيرة من الحرب الإسرائيلية على لبنان بعد غزة، ظهرت مؤشرات على أن الظرف الداخلي اللبناني بات مهيئا أكثر من أي وقت مضى لحل هذه العقدة التي عجز اللبنانيون وحدهم عن حلها بعد انتهاء ولاية ميشال عون.
ففي 20 نوفمبر/تشرين الأول الماضي أي، قبل 4 أيام من إعلان كل من إسرائيل ولبنان بوساطة أميركية هدنة مدتها 60 يوما، صدرت أول إشارة بهذا الخصوص عن الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم خلال كلمة مسجلة، حدد في سياقها خارطة للطريق لمرحلة ما بعد الحرب من خلال 3 رسائل.
أولى الرسائل هي “استمرار حزب الله في تبني موقفه السابق قبل الحرب وهو سياسة المقاومة”، والثانية “التأكيد والتذكير على ثلاثية: الجيش، الشعب، المقاومة”، مع الإشارة إلى أن الحزب معني “بتسهيل انتخاب رئيس جمهورية ضمن الأطر الدستورية وتحت سقف اتفاق الطائف”، وثالثها “التزام الحزب بالمشاركة في إعادة الإعمار”.
في يوم إعلانه الاتفاق على الهدنة التي رعتها الولايات المتحدة وفرنسا يوم 27 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، قال المفاوض اللبناني المفوض من حزب الله نبيه بري بدوره إن “الدماء الغالية جدا التي سالت تستدعي حفظ لبنان واحدا قادرا على الخروج أكثر ثباتا ومنعة ووحدة”، وطالب بـ”الإسراع في انتخاب رئيس جمهورية”.
أما الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم فقال في كلمة جديدة أعقبت إشهار اتفاق الهدنة إن الحزب “سيتعاون ويتحاور” مع كل القوى التي تريد بناء لبنان واحد في إطار اتفاق الطائف. وأكدّ أن حزبه سيهتم “باكتمال عقد المؤسسات الدستورية وعلى رأسها انتخاب الرئيس، وسيكون بالموعد المحدد، بموازاة عملنا الوطني بالتعاون مع كل القوى التي تؤمن أنّ الوطن لجميع أبنائه”.
ما هي دوافع الحماس الفجائي للطرفين المؤثرَين في المشهد السياسي اللبناني حزب الله وحليفه ورئيس البرلمان وزعيم حركة أمل نبيه بري للخروج مما اصطلح اللبنانيون على تسميته “الشغور الرئاسي”؟ وهل يوجد علاقة بين التمديد للعماد جوزيف عون في منصب قائد الجيش وتحديد موعد لجلسة جديدة لانتخاب رئيس لبناني جديد؟ وهل اسم قائد الجيش مدرج ضمن قائمة المرشحين لخلافة الرئيس السابق ميشال عون الذي لا تربطه به أية قرابة؟
في رده على سؤال حول “دوافع حزب الله وحركة أمل لاستعجال انتخاب رئيس جديد”، أشار المحلل السياسي إبراهيم حيدر في البداية إلى أن اتفاق وقف إطلاق النار الذي رعته الولايات المتحدة وفرنسا “هو اتفاق كبير لا يمكن إسقاطه أو الإطاحة به من أي طرف حتى مع الخروق الإسرائيلية القائمة”، موضحا أنه كذلك “في معيار الطرفين اللذين كانا في مواجهة الاحتلال أثناء الحرب أي حزب الله وحركة أمل”.
وقال إن “التحولات في موقف حزب الله تعود بشكل رئيسي إلى التطورات المتلاحقة التي حصلت في الجنوب اللبناني”. وأضاف في هذا الصدد للجزيرة نت أن “مجرد موافقة الحزب ولبنان على اتفاق وقف إطلاق النار يعود في جانب منه إلى البنود المتعلقة بسحب السلاح وتسليم الجيش اللبناني الأمنَ في الجنوب وتطبيق القرار 1701”.
وتابع “وبالتالي هناك ضغط دولي ليكون الجيش اللبناني هو الطرف الأساسي أو هو المؤسسة الأساسية التي تسيطر على الأمن والسياسة، وهذا يؤدي في شكل من الأشكال إلى قيام قائد الجيش بدور أساسي في هذا السياق، وهو ليس دورا أمنيا فقط، بل دور سياسي أيضا، وهو سيطرح مجددا انتخابه رئيسا للجمهورية”.
ورأى المحلل إبراهيم حيدر أن “هناك موقفا دوليا خصوصا من الأميركيين والفرنسيين يفضل أن يكون قائد الجيش رئيسا للجمهورية، وبالتالي هذا قد يدفع الطرفين الأساسيين إما إلى الموافقة وإما إلى الموافقة بشروط معينة، وهذه الشروط لا تؤدي إلى محاصرتهما، وبالتالي ضرب كل ما يطلعان به من دور على مستوى المؤسسات في لبنان”.
أما عن علاقة التمديد لعون في قيادة الجيش بتحديد موعد جلسة انتخاب رئيس جديد، فيقول منسق الحكومة اللبنانية السابق لدى قوات الطوارئ الدولية منير شحادة إن “من سارع لانتخاب رئيس جمهورية هو الغرب متمثلا في أميركا وفرنسا”، مضيفا أنه “لكي لا يُحشر دولة الرئيس نبيه بري فقد أعطى موعدا في يناير/كانون الثاني المقبل لكي يكون بعد انتهاء مهلة انسحاب الجيش الإسرائيلي من لبنان”.
ووصف شحادة قرار بري بأنه “كان قرارا ذكيا من دولة الرئيس بري حتى لا يبتز الثنائي الشيعي بانتخاب رئيس بسرعة في هذه الفترة وإسرائيل لا تزال تحتل جزءا من لبنان. بمعنى أنه عندما تنسحب إسرائيل نبدأ بانتخاب رئيس”.
وعن الأسماء المرشحة لشغل المنصب، قال شحادة للجزيرة نت إن “العماد جوزيف عون من الأسماء القوية المرشحة في هذه الفترة، لكن ذلك يتطلب وفاقا لبنانيا على اسمه لكي ينتخب رئيسا، الموضوع ليس ناضجا حاليا لأن الكل ينتظر انسحاب إسرائيل من لبنان لكي يبنى عليه شيء”. وأعرب عن اعتقاده “أنه إذا انسحبت إسرائيل فعلا، وهذا هو المرجح، فسوف يلتقي اللبنانيون جميعا لانتخاب رئيس لا يشكل أي استفزاز لأي فريق في لبنان”.
خلال جولات الانتخاب الـ12 التي عقدها البرلمان اللبناني بين أكتوبر/تشرين الأول 2022 ويونيو/حزيران 2023، لم يظهر اسم العماد جوزيف عون إلى جانب الأسماء المرشحة تلقائيا للمنصب، وأبرزها زعماء الأحزاب المارونية البارزة الثلاثة: القوات اللبنانية (سمير جعجع)، والتيار الوطني الحر (جبران باسيل)، وتيار المردة (طوني فرنجية)، ولم يظهر كذلك بين أسماء المرشحين الطارئين الذين دخلوا المنافسة الفعلية كميشال معوض نجل الرئيس رينيه معوض الذي اغتيل عام 1989، والخبير المالي جهاد أزعور.
سوابق
لكن اسمه بقي في التداول الإعلامي كمرشح بالنظر إلى كونه شخصيا مارونية بارزة أولا، ولأن الرئاسة اللبنانية ثانيا آلت في ثلاث مناسبات سابقة لقادة الجيش وهم تباعا: فؤاد شهاب (1958-1964) وأميل لحود (1998-2007) وميشال سليمان (2008-2014). أما جوزيف عون نفسه فلم يقل يوما إنه مرشح، كما أنه لم يصرح بأنه زاهد في المنصب.
لكن الجديد بشأن ترشيحه جاء هذه المرة من وزير لبناني وعبر وسيلة إعلام أميركية. ففي مقابلة بثتها قناة “الحرة” يوم 25 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، قال وزير الاقتصاد اللبناني أمين سلام إن فريق الرئيس المنتخب دونالد ترامب تناول معالم “خريطة طريق الحلّ في لبنان تتألف من ثلاث نقاط”، تشمل “انتخاب رئيس للجمهورية ليفاوض على الاتفاقيات الدولية وتشكيل حكومة جديدة، وتحصين الجيش ودعمه عسكريّا وأمنيّا، ووضع برنامج غير مسبوق لحماية الحدود، ثم إعادة انتظام العمل القضائي والجسم القضائي”.
وقال إن خطة السلام المخصصة للبنان تشمل “ورشة عمل كبيرة لتحصين الجيش وتسليحه”، مضيفا أنه “في أروقة واشنطن (تطرح) ثلاثة أسماء لرئاسة الجمهورية هم جوزيف عون ونعمة أفرام وزياد بارود”، وأن هنالك إمكانية “لتعيين مسعد بولس قريبا مسؤولا عن ملف لبنان”، وهو الأمر الذي تحقّق فعلا بعد أقل من أسبوع عندما عيّن ترمب بولس اللبناني الأصل “مستشارا رفيعا للشؤون العربية وشؤون الشرق الأوسط”.
وزير الاقتصاد اللبناني، أمين سلام
وقبل تصريح الوزير سلام، نقل عن لسان سليمان طوني فرنجية مرشح الثنائي الشيعي (أمل وحزب الله) للمنصب ما يفيد بأن أسهم العماد عون عند حزب الله عالية مقارنة بفرنجية ذاته، فما بالك إذا ما قيست بأسهم بارود (وزير الداخلية الأسبق) والنائب فرام. ويقول فرنجية في هذا الصدد إن الأمين العام الراحل لحزب الله حسن نصر الله أبلغه خلال جلسة جمعتهما أنه “لو لم تكن مرشحا.. فليس عندنا مشكلة في ترشيح قائد الجيش”.
ومع ارتباط مرحلة ما بعد الحرب بدور الجيش -الذي يعرفه عون حق المعرفة من خلال قيادته له- يصبح من المرجح أن يكون جوزيف عون أصبح بعد التوافقات الضمنية الدولية والمحلية عليه مرشحَ الضرورة الذي أملته ظروف إعمار لبنان وتثبيت الهدنة بعد حربه الأخيرة مع إسرائيل. فماذا تقول سيرة الرجل المعروف عنه ابتعاده عن التصريحات ذات الطابع السياسي المباشر؟
الرصيد
يشغل جوزيف عون المولود عام 1964 والمتحدر من العيشية في جنوبي لبنان، منصب قائد الجيش منذ 8 مارس/آذار 2017. بدأ دور عون في البروز عام 2015 عندما عُيّن قائدا للواء التاسع المنتشر على الحدود مع إسرائيل. لكن سرعان ما تم نقله بعد عام إلى شرقي لبنان حيث كان يتحصن في مناطق جرداء على الحدود مع سوريا مئات المسلحين المنتمين إلى تنظيمي “جبهة النصرة” والدولة الإسلامية (داعش). أطلق الجيش بقيادة جوزف عون يوم 19 أغسطس/آب 2017 عملية “فجر الجرود” لطرد المتشددين من معاقلهم الحدودية مع سوريا، وهو ما تمكن من تحقيقه بسرعة.
يسجل لعون -الذي يتقن اللغتين الفرنسية والإنجليزية ويحمل إجازة في العلوم السياسية (اختصاص شؤون دولية)- تعامله بحنكة مع حادثتين كادتا أن تجددا الاحتراب الأهلي، وهما اشتباك الطيونة يوم 14 أكتوبر/تشرين الأول 2021 بين مؤيدي أمل وحزب الله ونظرائهم من مؤيدي القوات، والذي أدى إلى سقوط 6 قتلى على خلفية دعوى استبعاد قاضي التحقيق في انفجار مرفأ بيروت في القضية. أما الواقعة الثانية فتتصل بحادثة مماثلة وقعت في منطقة الكحالة المسيحية يوم 9 أغسطس/آب 2023، وأدت إلى سقوط قتيلين بعد انقلاب شاحنة كانت تحمل أسلحة لحزب الله.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|