لماذا يخاف شيعة البقاع من “بُعبُع” المعارضة السّوريّة؟
سقط بشّار الأسد وعاد عدد كبير من النازحين السوريين إلى بلدهم. لكن في المقابل شهدت مناطق البقاع، وتحديداً بعلبك الهرمل، نزوحاً معاكساً هذه المرّة للسوريين الشيعة من ريف حمص، وبعض العلويين والسُّنّة الذين تربطهم علاقة مباشرة بالجيش النظامي المخلوع، واللبنانيين الشيعة ممّن عاشوا في القرى الحدودية السورية في ريف حمص، منذ مئات السنين، قبل البعث وقبل “الحزب” الذي ربّما خرّب علاقة هؤلاء بجوارهم من القرى السُنّية إلى الأبد. فقد أخطأ “الحزب” حساباته مرّة أخرى. ولو كان يعلم أنّ روسيا وإيران ستبيعان الأسد لربّما اكتفى بالمرابطة على الحدود اللبنانية الشرقية في 2011، ووفّر على شيعة القرى السورية الكثير من روايات التهجير والحقد والكراهية.
ينقل “أساس” المشهد الاجتماعي والأمنيّ من البقاع عبر تحقيق من حلقتين، في محاولة للإجابة على سؤال مفاده: “لماذا يخشى شيعة البقاع من المعارضة السورية؟”، مع توقّفٍ عند حال النازحين الجدد، وخطط إعادة تموضع “الحزب” على الحدود اللبنانية الشرقية مع سوريا الجديدة.
لا إحصاءات رسمية عن أعداد النازحين عقب ليلة سقوط النظام السوري باتّجاه قضاء الهرمل، بانتظار الأرقام التي ستصدر عن الأمن العامّ اللبناني. وهناك إجراءات يقوم بها الأمن العامّ والجيش اللبناني والأجهزة الأمنيّة، ومن ضمنها ضبط الحدود قدر الإمكان وضبط الأمن وغير ذلك، حيث إنّ هناك ممرّات جبلية يحاول النازحون المرور عبرها سيراً على الأقدام.
هذا ما يكشفه لـ”أساس” محافظ بعلبك الهرمل بشير خضر، الذي يؤكّد أنّ “الأجهزة الأمنيّة مستنفرة على جميع النقاط الحدودية. لكنّ ضبط الحدود من جانب واحد هو أمر صعب، ويشكّل تحدّياً كبيراً”. ويشدّد على أنّ “هذه المرحلة الانتقالية تحتاج إلى كثير من الحكمة والحزم في الوقت نفسه، فلا يمكن الإفراط في استعمال القوّة كي لا تذهب الأمور إلى مكان آخر أو تتأذّى الناس. ولدينا كلّ الثقة بالأجهزة الأمنيّة التي تقوم بدورها على أكمل وجه”.
يؤكّد خضر أنّ “قسماً كبيراً من هؤلاء النازحين لبنانيون يحملون الجنسية اللبنانية لكن يعيشون داخل الأراضي السورية. ومن حقّهم أن يكونوا في بلدهم، والناس تعاطت مع الوضع بشكل عفوي وخرجت من بيوتها بظروف صعبة، ونتمنّى التعاون لحلّ تداعيات موجة النزوح هذه خلال فترة قصيرة”.
الجيش يتصدّر المشهد
يؤكّد مصدر أمنيّ رسمي لـ”أساس” أنّ رقم النازحين باتجاه بعلبك الهرمل، وتحديداً قضاء الهرمل، كبير جدّاً، وأنّ معظمهم نزح بشكل هستيري ليلة سقوط النظام، حيث كانت الأعداد مهولة ولم تتمكّن الأجهزة الأمنيّة من مواكبتها. ويؤكّد أنّ الرقم قارب خمسين ألف نازح تقريباً.
فما هي الخطّة الأمنيّة على الحدود الشرقية اليوم؟
يجيب المصدر الأمنيّ أنّه تمّت الاستعانة بفوج المجوقل في الجيش اللبناني لضبط الحدود في الهرمل، والإمساك بالمعابر الأساسية. واليوم لا يمكن لأحد الدخول إلا إذا كان مستوفياً الشروط، وهي أن يكون لبنانياً، أو سوريّاً لديه إقامة في لبنان، أو مواطناً من جنسيات أخرى. “والأمور الآن أكثر ضبطاً، والجيش منتشرٌ تماماً على كامل الحدود الشرقية، وتمّ استحداث حواجز داخلية جديدة”.
أمّا لجهة الحدود الشمالية فالوضع أفضل وأكثر ضبطاً، بحسب المصدر الأمنيّ، وحركة النزوح قليلة جدّاً أو شبه معدومة. وقام الجيش بوضع سريّة قوات خاصّة، ومغاوير بحر، وكثّف حضور فوج الحدود البرّي الأوّل على سبيل الانتشار والكمائن وغيرها. ويشير المصدر إلى أنّ العدوّ الإسرائيلي ضرب كلّ المعابر غير الشرعية، لكنّ النزوح حصل إمّا عبر المعابر الشرعية أو سيراً على الأقدام في طرقات جبلية، ويضيف: “الفرقة الرابعة في الجيش السوري كانت تشكّل تحدّياً لنا سابقاً، إذ كانت تتقاضى الرشى من الناس وتقوم بتهريبهم إلى لبنان. لكن اليوم انتهى هذا التحدّي، ونحن في مرحلة انتقالية بانتظار التعاون مع الجهات الجديدة التي ستتسلّم الحدود من الجهة المقابلة”.
“الحزب”: 65 ألف نازح…
لكنّ رئيس بلدية الهرمل صبحي صقر يؤكّد لـ”أساس” أنّ هناك ما يقارب 60 إلى 65 ألف نازح في الهرمل اليوم، 30 في المئة منهم من القرى اللبنانية الموجودة داخل الحدود السورية في ريف القصير وريف حمص والتي يبلغ عددها 33 قرية تقريباً، وسكّانها لبنانيون منذ أكثر من 400 عام. و70 في المئة من هؤلاء النازحين سوريون موزّعون في المساجد والحسينيّات والبيوت. ويلفت إلى أنّ هذه الأرقام مصدرها إحصاء قام به “الحزب” خلال الأيام الماضية.
يسلّط صقر الضوء على غياب الدولة عن هذه الأزمة: “الدولة لم تكلّفنا في البلديات بشيء حتى الساعة، ووزارة الداخلية غائبة، ونحاول المساعدة قدر الإمكان على الأرض، علماً أنّ هذا النزوح الضخم جدّاً يتطلّب من الدولة أن تكون موجودة منذ اللحظة الأولى. إلا أنّ المعالجة تقتصر على “الحزب” وقسم من الجمعيات الأهلية والصليب الأحمر الدولي والصليب الأحمر المحلّي واليونيسيف والمفوضية. لكنّ التقديمات غير كافية لهذا الرقم الكبير جدّاً”.
يطرح صقر البدء بحلّ هذه الأزمة عبر إعادة النازحين السوريين السابقين، الذين انتفى مبرّر بقائهم في لبنان اليوم، والالتفات إلى وضع النازحين الجدد لأنّ الوضع الإنساني صعب جدّاً.
سوريا محرّمة على “الحزب”
يسأل “أساس” مدير “المرصد السوري لحقوق الإنسان” رامي عبد الرحمن عن مصير هؤلاء النازحين في المرحلة المقبلة، وأجواء المعارضة السورية حيالهم، فيكشف عن وجود قرار أكّده مسؤول وزارة العدل في حكومة الإنقاذ التابعة لـ”هيئة تحرير الشام” مفاده أنّه “ممنوع منعاً باتاً لأيّ أحد أن يمسّ بمواطن سوري على أساس دينه أو طائفته أو قوميّته أو آرائه، ونحن في المرصد مهمّتنا أن نرصد كلّ هذه الانتهاكات في سوريا، وأيّ انتهاك يحصل سوف يحاسب مفتعل هذا الانتهاك”.
لكن ماذا عن اللبنانيين الشيعة الذين عاشوا لمئات السنين خلف الحدود وضمن الأراضي السورية؟
يجيب عبد الرحمن بأنّ الجميع سيعود إلى منزله في المرحلة المقبلة بمن فيهم عناصر الجيش النظامي الذين هربوا خوفاً. أمّا اللبنانيون فهذه قرى لبنانية أباً عن جدّ وموجودة جغرافياً ضمن الأراضي السورية، ويمنع أن يمسّ بهم أحد “لأنّه ليس من الممكن أن يعود شخص إلى بلده ليهجّر شخص آخر”.
أمّا الذين شاركوا في قتل أبناء الشعب السوري، ويقصد هنا عناصر “الحزب”، فهؤلاء غير مرحّب بهم في سوريا الجديدة “ولن يتمّ الانتقام منهم بشكل فردي، بل ستقدّم الأدلّة، وإذا ثبت جرمهم فسيحاسبون تحت سقف الدولة والقانون. فعصر التقارير الأمنيّة انتهى وما عاد موجوداً في سوريا الجديدة”.
يطالب عبر “أساس” أبناء هذه القرى من اللبنانيين وممّن لم تتلطّخ أياديهم بدماء الشعب السوري أن يعودوا لبيوتهم وأن يتواصلوا مع “المرصد” في حال تعرّضهم لأيّ انتهاك، مؤكّداً أنّ “الحزب” صوّر لهؤلاء أنّ المعارضة جلّاد، “لذلك نحن اليوم جميعاً علينا أن نتعاون لنشتغل في إطار خدمة تغيير الماضي وتغيير الصورة التي رسّخها النظام السوري والميليشيات التابعة له، ونحن نعلم أن ليس كلّ الشيعة مع “الحزب”، والتعميم عيب ومرفوض، وهذه من الصور التي نريد تغييرها في المرحلة المقبلة”.
نازحون بلا مأوى
تصف الناشطة الاجتماعية نبال الضيقة لـ”أساس” أحوال العائلات النازحة في الهرمل الإنسانية بأنّها “صعبة. فنحن نتحدّث عن عشرات آلاف النازحين، وهناك الكثير من العائلات بلا مأوى، ومن تمّ إيواؤهم حتى الآن فقد لجأوا إلى أقاربهم، أو بعض الأصدقاء، أو ربّما إلى من سبق أن استقبلوهم عند نزوحهم في الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان. وبعض العائلات تمّ إيواؤها في المساجد والحُسينيّات والمراكز الثقافية وبعض المباني التابعة لبلديّات المنطقة، بعد التنسيق مع فعّاليات المجتمع والصليب الأحمر ورؤساء البلديات و”الحزب”.
أمّا الغذاء والدواء والملابس والأغطية فيتمّ توفيرها لهذه العائلات اليوم عبر مبادرات فردية من أهل الخير، وعبر جمع التبرّعات من الناس. وتؤكّد الضيقة أن “هناك أزمة في توفير الحليب للأطفال والأدوية. والأزمة الكبرى في توفير التدفئة للنازحين، لا سيما أنّ الشتاء قاسٍ في البقاع، والمنطقة خرجت لتوّها من الحرب”.
نهلة ناصر الدين- أساس
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|