كيف تُعامل "هيئة تحرير الشام" الأقليات في سوريا؟.. مجلة أميركيّة تكشف
سوريا: حصان الاقتصاد الجديد في الشّرق؟
“إنّه ذكيّ جدّاً (إردوغان). لقد أرادوها (أراد الأتراك سوريا) لآلاف السنين، وقد حازها، وهؤلاء الناس الذين دخلوا (دمشق) تتحكّم بهم تركيا، ولا بأس في ذلك”.
يحتاج المرء إلى قراءة النصّ مرّتين ثمّ الاستماع إليه بالصوت والصورة للتأكّد أنّ القائل هو الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب.
أهميّة كلام ترامب لا تنحصر في أنّه يسلّم بالنفوذ التركي في سوريا. بل في أنّه يساعد في فهم ما حصل في الأسابيع الدراماتيكية. ويضيف مادّة جديدة تفيد في تقويم إمكانية اتّجاه سوريا إلى الاستقرار السياسي والعسكري في ظلّ الحكم الجديد.
يتعلّق الأمر بالإجابة على السؤال الكبير حول اليوم التالي لسقوط نظام الأسد، وما إذا كانت سوريا تتّجه بعده إلى مرحلة من الاستقرار وبناء نظام سياسي جديد يضمّ مختلف المكوّنات، أو تتحوّل إلى نموذج مضطرب أمنيّاً وعسكرياً، يشبه ليبيا ما بعد القذّافي، أو العراق في سنوات ما بعد سقوط نظام صدّام حسين.
مبعث السؤال أنّ قوّات هيئة تحرير الشام والقوّات الرديفة لها صغيرة نسبياً. ومن غير المفهوم كيف يمكن لبضعة آلاف من المقاتلين أن يُحكموا السيطرة العسكرية والأمنيّة على الجغرافيا السوريّة المترامية، خصوصاً في ظلّ قدرة أطراف خارجية وداخلية كثيرة على التدخّل لخلط الأوراق.
ما سبب الرّاحة الأمنيّة للجولاني؟
ما يجري في الشام يشير إلى استقرار أمنيّ وأجواء احتفالية لا تشي بأنّ البلد خارج للتوّ من صراع عسكري دام 14 عاماً. الحدود مفتوحة، والقائد العسكري الأقوى يظهر بين الناس بأريحية غريبة، ويقابل القريب والبعيد، وكأنّه غير قلق على أمنه الشخصي وأمن نظامه. بل إنّ الصحافيين العرب والأجانب يبدون دهشة من مقدار التساهل الأمنيّ في السماح لهم بدخول مقرّات الحكم وفروع مخابرات النظام السابق، والتقليب في ملفّاتها وسجلّاتها، وحتى التسابق على الاستحواذ عليها.
يدفع ذلك للتساؤل عمّا إذا كان في الأمر تفلّت زائد، أو لدى أركان الحكم الجديد ثقة بأنّهم محميّون بالمظلّة الإقليمية والدولية التي أدخلتهم دمشق آمنين، خصوصاً أنّ رسائلهم الدولية، تحديداً في الردّ على الاعتداءات الإسرائيلية، مصوغة بدقّة، بما يشي أنّها محلّ تفاهم وترتيب مع الجهات الدولية.
يلقي كلام ترامب ضوءاً على جانب من رؤية الإدارة الأميركية المقبلة في هذا الشأن. وآخره كلامه يوضح أوّله. بدأ بالحديث عن تصوّراته في ولايته السابقة للوضع في سوريا، مذكّراً بأنّه لم يكن مقتنعاً بالجدوى من وجود خمسة آلاف جندي أميركي على الأرض مقابل وجود جيوش كبرى في المنطقة. ومعلوم أنّ ترامب كان قد قرّر أواخر عام 2019 سحب قوّاته من سوريا. إلا أنّ المستوى العسكري والاستخباري أقنعه بضرورة الإبقاء على 900 جندي، لأسباب كثيرة أهمّها دعم قوات سوريا الديمقراطية (قسد) الكردية التي تقوم بوظيفة حسّاسة في إدارة معتقلات مقاتلي “داعش” التي تضمّ نحو تسعة آلاف مقاتل سابق، ومخيّم الهول الذي يضمّ 40 ألفاً من أُسر مقاتلي التنظيم الإرهابي، ومن النازحين من العراق ومن جنسيات أخرى.
ثمّ انتقل ترامب للحديث عن “ذكاء” الرئيس التركي رجب طيب إردوغان وقدرته على التفاهم معه، وأنّ الأتراك باتوا يمسكون بمفاتيح الأمور في سوريا. وانتهى إلى القول إنّ روسيا لم تستفِد كثيراً من وجودها في سوريا، وإنّها مشغولة في أوكرانيا، وإنّه يريد للحرب أن تتوقّف هناك، من الجانبين الروسي والأوكراني.
ماذا يريد ترامب في سوريا؟
هكذا يمكن جمع ما يريده ترامب في القضية السورية:
- إنّه يريد الخروج عسكرياً من “المستنقع السوري”.
- ويريد إنهاء الوجود الإيراني في سوريا لما يمثّله من تهديد لإسرائيل.
- ويريد تقليص النفوذ الروسي في شرق المتوسّط مقابل المساعدة في إنهاء حرب أوكرانيا.
- ويريد ضمان عدم عودة “داعش” في البادية السورية.
- ويريد للحرب في سوريا أن تنتهي، جرياً على وعده بإنهاء الحروب.
لذلك لا يرى بأساً في تسليم الأمر للأتراك ليحلّوا عمليّاً بدلاً من الإيرانيين في السيطرة على “سوريا المفيدة”، لكن مع حلّ ثلاث قضايا أساسية:
- ضمان ألّا يشكّل الحكم الجديد تهديداً لأمن إسرائيل. وهذا ما تتولّاه إسرائيل بنفسها عبر مئات الغارات لتدمير القوّة العسكرية السورية، برّاً وجوّاً وبحراً، وتحويل سوريا عمليّاً إلى دولة منزوعة السلاح، علاوة على السيطرة على جبل الشيخ وشريط حدودي بين لبنان وسوريا قابلٍ للتوسّع لـ”تنظيف” المواقع التي كانت تحت سيطرة “الحزب” والميليشيات الإيرانية. وقد وردت أنباء من مصادر “الحزب” أنّ إسرائيل نفّذت عملية كوماندوس لتفجير أنفاق كان “الحزب” يخزّن فيها السلاح في جبال القلمون والقنيطرة.
- نفّذت الولايات المتحدة بنفسها غارات كبيرة على مدى الأسبوع الماضي، على مواقع “داعش” الباقية في البادية السورية.
- يبقى أن تثبّت واشنطن موقع “قسد” في مناطق شرق الفرات، لتستمرّ بدورها الوظيفي، لكن مع الدفع باتّجاه توفير أرضية للتفاهم مع الحكم الجديد في دمشق. وهذا ما تجسّد رمزيّاً برفع العلم السوري الجديد على إدارات “قسد” ومواقعها العسكرية، إلى جانب علمها الأصفر.
هل تعود إيران إلى سوريا؟
يتزامن ذلك مع توالي الإشارات الإيجابية إلى استعداد مشروط لدى المجتمع الدولي للتعاون مع هيئة تحرير الشام وقائدها أحمد الشرع، وإمكانية رفع العقوبات عنهما، وعن الدولة السورية. وانعكس ذلك من خلال زيارة المبعوث الأممي غير بيدرسون لدمشق ولقائه الشرع، وتأييده رفع العقوبات.
توفّر هذه الأجواء أرضيّة للتأسيس لمسار سياسيّ معقول يوفّر لسوريا سنوات من الاستقرار والهدوء، غير أنّ المخاطر تبقى كبيرة في الداخل والخارج.
ربّما الخطر الخارجي الأكبر يأتي من إيران التي تبقى لديها أوراق ميليشياوية كثيرة، ويمكن أن تعود بذرائع شتّى، عبر “الحزب” أو سواه من الميليشيات، لاستعادة أكبر استثمار استراتيجي لها في عهد الثورة الخمينية. وهي وإن كانت تقدّم خطاباً إيجابياً تجاه الحكم الجديد، فإنّها تنشئ مطالب يمكن أن تكون بذرة لنزاع مستقبلي، ومنها المطالبة بديون بعشرات مليارات الدولارات على الدولة السورية تزعم أنّها لا تسقط بتغيّر الحكم!
تضاف إلى ذلك إمكانية التنازع بين الفصائل السورية، إمّا على أساس عقائدي أو مناطقي، علاوة على صعوبة جمع الأطياف المتفرّقة، طائفياً وعرقياً، لصياغة دستور جديد ضمن عملية سياسية تشمل الجميع.
سوريا حصان الشّرق الأوسط الاقتصاديّ الجديد؟
كانت سوريا في العقود الماضية أرضاً للإمكانات المكبوتة. لم تستفد من موقعها الخطير بين آسيا والمتوسّط، ولا من قوّةٍ ناعمةٍ هائلةٍ يوفّرها إنتاج ثقافي عالمي في الأدب والموسيقى والدراما، ولا من القدرات الفطرية لشعبها في التجارة والأعمال.
على حدود سوريا الشمالية، تمتلك تركيا اقتصاداً يصل حجمه إلى تريليون دولار، وعلى حدودها جنوباً اقتصاد إسرائيلي يتجاوز حجمه نصف تريليون دولار، فيما لا يتجاوز حجم الاقتصاد السوري بعد 54 عاماً من حكم الأسد تسعة مليارات دولار، أي أقلّ من 1% من اقتصاد تركيا، وأقلّ من 2% من اقتصاد إسرائيل، على الرغم من تشابه في الإمكانات والموقع معها.
يمكن لسوريا أن تصبح حصاناً اقتصاديّاً أسود في شرق المتوسّط، ويمكن لحجم اقتصادها أن يتضاعف كلّ خمس سنوات، إذا ما عادت إليها إمكانات أبنائها المهجّرين منها، بما راكموه من رؤوس أموال وخبرات ومعارف. ويمكن لها إذا انطلقت أن تطلق معها الإمكانات في لبنان، على نحو التجاور بين الاقتصادين الصاعدين في سنغافورة وماليزيا.
لكنّ شرط ذلك أن تتوافر نافذة لتراجع حدّة الصراع على سوريا لبضع سنين.
عبادة اللدن-اساس
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|