بلاغ تذكيري لمحافظ بيروت إلى مستثمري محطات المحروقات السائلة ضمن نطاق بيروت
روايات ليلة سقوط الأسد… وخطّة الحزب “لإعادة التموضع”
في الحلقة الثانية من هذا التحقيق، تلاحق مراسلة “أساس” روايات العائلات النازحة في البقاع الشرقي وتحديداً منطقة الهرمل. وتسألهم عن ليلة السقوط الكبرى. كما تسأل الحزب ومسؤوليه عن خطتهم لإعادة التموضع بعد انسحاب قواتهم وعائلاتهم من سوريا.
قصص ليلة السقوط
تروي فاطمة ابنة الهرمل، وهي أرملة خمسينية وأم لأربعة بنات، ليلة السقوط. فتشبّه واقع الحال في الهرمل ليلتها “بيوم الحشر”. وذلك نسبةً للأعداد المهولة التي نزحت من سوريا إلى لبنان ومن بينها لبنانيون يسكنون القرى الحدودية ضمن الأراضي السورية، وسوريون شيعة من شرقي حمص وحتى الحدود، وأيضاً سُنة. منهم من هرب خوفاً لأن لديه ابن أو زوج أو قريب في الجيش السوري النظامي: “هربت الناس من دون ملابس أو أغراض أو أدويتها اليومية. منهم من وجد منزلاً ليلتها لدى بعض الاقارب أو الأصدقاء ومنهم من افترش الطرقات وما زال يفترشها بحثاً عن مأوى”. حيث كان عنوان الخوف الأكبر في تلك الليلة “داعش” اعتقاداً منهم أن داعش ستسيطر على الحكم في سوريا وتنتقم من كل شيعي، سورياً كان أم لبنانياً.
تقول فاطمة في حديثها لـ”أساس”: “اتصلنا بالعائلة العلوية التي آوتنا في الحرب الأخيرة على لبنان، في قرية العقربية في ريف القصير، للاطمئنان عليهم ولنقول لهم إنّ بيوتنا مفتوحة لهم في هذه المرحلة الصعبة. لكنهم قالوا لنا إن الوضع ليس كما يتم تصويره، وقالوا بالحرف الواحد، أن المسلحين ليلة دخولهم إلى العقريبة، لم يدخلوا البيوت ولم يتعرضوا لأهلها ابداً. فقط افترشوا الطرقات وأطلقوا الرصاص ابتهاجاً واحتفلوا وكبّروا في الشوارع، وقالوا لهم إن كان نصرنا نصركم فلا نريد منكم شيئاً، وأهلاً بكم في سوريا الجديدة”.
رسائل من النازحين: إعمال إنتقامية؟
لكثرة القصص التي حملها “أساس” من العائلات النازحة بعد مرور ما يقارب ثلاثة أيام على سقوط الأسد سنختصرها بالشكل التالي، على ألسنة النازحين الذين التقيناهم:
- تقول هيفاء النازحة من القرى الحدودية شرقي حمص: “ما كان في بالنا أن نهرب أبداً وكنّا في جو أن القرى الحدودية في ريف القصير ستحارب المسلحين. لكن جاء قرار الحزب بضرورة الإخلاء. فتركنا بيوتنا وأرزاقنا التي ورثناها عن أجدادنا من مئات السنين وحتى قبل وصول حزب البعث لسدة الرئاسة في سوريا وأصبحنا نازحين في وطننا“. ترفض هيفاء العودة إلى بيتها داخل الأراضي السورية، وبرأيها “العيش في دولة تحكمها المليشيات المسلحة قلة كرامة”. وتؤكد أن منازل الشيعة في هذه القرى تم نهبها وسرقتها وتم حرق بعضها من قبل “عناصر انتقامية” من القرى المجاورة.
- أما مازن، وهو شاب شيعي سوري وزوجته شيعية لبنانية من الهرمل، ولديه خمسة اطفال، فيقول: “هناك أخبار ايجابية تصل من داخل الحدود السورية وتطمينات بأن السوريين مكانهم سوريا حتى لو كانوا شيعة. لكننا نتريث بالعودة في انتظار أن تهدأ الأجواء ويعود الانضباط للشوارع. لأن هناك مسلحين من القرى المجاورة يتعاملون مع الجميع بنفس العقلية بغض النظر إن كان الشيعي منتسباً للحزب أم لا”. ويروي لـنا محاولته هو وزوجته العودة لأخذ بعض الملابس حيث قام المسلحون بطردهم من منزلهم ورفعوا السلاح بوجههم. ويأمل مازن أن يضع الحكم الجديد حداً لهذه المحاولات التخريبية ويضيف: “نحن لا ذنب لنا في صراع الحزب والنظام السوري والمعارضة. ولم نتدخل به يوماً. كلّ ما في الأمر أن طائفتنا التي ننتمي لها سمحت لنا بالبقاء في منازلنا هذه السنوات الـ13″.
- كذلك الأمر بالنسبة لحسن، الشيعي اللبناني الذي ينتظر هدوء الأوضاع ليرجع إلى منزله في سوريا. ويعرّف عن نفسه في مفرزة القصير الجديدة كمواطن لبناني لديه أرض ومنزل في سوريا من آلاف السنين ولا علاقة له بالحزب: “بعد ما رأيناه في سجون الأسد، تأكدنا أن الحزب قد أخطأ بالدفاع عن الأسد الذي تبين أن في سجنه شيعة وعلويون ومسيحيون وسُنة، وأن ظلمه لا يعرف دين ولا طائفة”.
- الحاجة زهرة من العباسية ريف حمص، امرأة ستينية شيعية سورية، تقول: “كان أملنا بالحزب كبير، لكن فجأة وصلنا خبر منهم بضرورة إخلاء منازلنا”. وتسأل بحسرة “لماذا أهرب من بيتي وبلدي، أنا سورية متلي متلهم ليش بدي أهرب؟!”. وتضيف: “اللي بياخد أمي بناديه يا عمي. ومن يعيّشنا بسلام وازدهار ندعو له حتى قيام الساعة كائناً من كان ولأي طائفةٍ انتمى”.
- أمل شيعية سورية زوجة عسكري علوي في الجيش السوري النظامي، تقول عن لسان زوجها: “خلال ليلة السقوط كنّا في أماكننا بمواجهة المسلحين من المعارضة. وإذا بالضباط قد هربوا بعد تبلغهم بهروب الأسد. فهرب الضباط وتركونا وحدنا من دون أن يبلغونا ما حصل. فما كان أمامنا إلا أن نرمي أسلحتنا ونهرب بأرواحنا”. وتؤكد أمل أنهم لم يكونوا سعداء بحكم الأسد وراتب زوجها لا يتعدى الـ20 دولاراً في الشهر. بينما هي معلمة مدرسة وراتبها لا يتجاوز الـ15 دولاراً شهرياً وتضيف: “ما كان لدينا خياراً آخر. إما أن نهرب لنعيش ذلّ النزوح في الخيم أو نبقى ونعيش الذل في بلدنا وبيتنا”. متمنيةً أن يكون ما حصل فرصة حقيقية للتغيير وتضيف: “الشعب السوري الذي خرج ليلة سقوط الأسد خوفاً، ينتظر إعلاناً رسمياً وكلمة من الجولاني ليعود إلى أرضه“.
لحزب: موسكو باعت الأسد فانسحبنا
لكن ماذا عن الحزب: هل لديه خطة لإعادة التموضع؟ بعدما عاد منسحباً من خارج الحدود بعد سقوط حليفه الأسد. وهل بدأ بالتخطيط لفتح قنوات تواصل مع المعارضة السورية كما فعلت إيران؟
مصدر مسؤول في الحزب يرفض تماماً فكرة فتح قنوات التواصل مع المعارضة السورية. ويسأل مستغرباً: “مع من يمكننا التواصل؟ هذا غير وارد”. ويؤكد أن “ما يحكى عن قنوات التواصل بين إيران والمسلحين في سوريا هو كلام صحف لا أكثر ولا أقل”.
أما عن الوضع الحالي في منطقة بعلبك الهرمل، فيقول المصدر لـ”أساس”: “الجيش أخذ القرار بالمواجهة. ونحن نشجع على هذا الموضوع وحماية الحدود من أي طارئ أمني”. إذ يتخوف الحزب من أحداث أمنية. ويتخوّف على لبنان: “فالجهات المسلحة في سوريا والتي تنازعنا معها على مدى 13 عاماً، وسبق ودخلت إلى لبنان وقامت بأعمال تخريبية وتدميرية، اليوم هي على الحدود.. فما الذي يمنعها من التحرك باتجاه لبنان.. الغرب وأميركا وإسرائيل والعرب وتركيا والجميع يدعمهم”.
وعن الخطة “باء” التي ينظّمها الحزب، ما بعد الانسحاب إلى داخل الحدود، يوضح المصدر الحزبي أن إعادة التموضع بعد كل إخلاء عسكري هي أمر طبيعي: والخطة اليوم هي الانتشار في المناطق الشيعية الحدودية داخل لبنان “لحماية هذه المناطق من أي خطر”. وينقل مخاوفه من ذهاب المنطقة للأسوأ والخوف على لبنان من “هذه الهجمة الدولية العالمية”، ويضيف: “لا أحد يمكنه التكهن بما ستؤول إليه الأمور، لكن لا اطمئنان حالياً، والرهان على أن تصفّي هذه المجموعات بعضها البعض. لكن الموضوع موضوع وقت”.
لكن هل باعت إيران الحزب والأسد؟
يجيب المصدر: “الروسي أخذ القرار بأن يبيع ويشتري والإيراني ما كان بيده شيء، وبقي وحده في الساحة. لذلك قرر الإيراني الانسحاب ونحن انسحبنا“. ويشدد على أن لا ضمانات من المعارضة لحماية الشيعة في سوريا سواء من السوريين أو اللبنانيين “فالآن الفوضى عارمة وهناك عصابات استلمت الحكم وهذه العصابات لديها الروح الثأرية حتى لو تجمّلت ووضعت بعض مساحيق التجميل، فلا أعتقد أن يتقبلوا الشيعة بينهم”.
إذاً، يبدو المشهد حتى الآن غير واضح المعالم على الحدود الشرقية اللبناينة مع سوريا. فالعائلات الشيعية المرتبطة بالحزب خسرت حقها بالعودة إلى منازلها الواقعة ضمن الجغرافية السورية، إلى الأبد. أما باقي العائلات فمصير عودتها غير معروف حتى الآن، ومتعلق بسرعة السيطرة على ردّات الفعل الانفعالية التي تحصل اليوم في ريف القصير. وعودتهم متعلقة أيضاً بسقوط الصورة النمطية التي رسمها الحزب عن المعارضة على مدى 13 سنة من دعم نظام الأسد، والتدخل بمصير الشعب السوري…
على أمل أن يتم قريباً طيّ صفحة الحقد والكراهية التي كرّسها النظام السوري بين الطوائف من البلدين، كي تنتهي لعنة النزوح والنزوح المعاكس إلى غير رجعة.
نهلا ناصر الدين-أساس
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|