“الحزب”… ماذا نفعل بكل هذا السلاح؟
البيئة الشيعية ليست في خير رغم انكار من هنا ومكابرات من هناك، وكذلك الأمر بالنسبة الى ايران التي تحاول عبثاً، ليس لملمة خسائرها على الحدود مع اسرائيل وحسب، بل الحؤول دون سقوط نظامها على غرار ما حدث في دمشق وسقوط ما تبقى من محورها الممانع في كل من العراق واليمن.
وليس سراً أن أنصار “حزب الله”، سواء كانوا من المقاتلين أو المتعاطفين، يشعرون بأن ما أصابهم في الأشهر الأخيرة ليس مجرد نكسة موقتة أو حتى دعسة ناقصة بل هزيمة مطلقة، امتدت من جنوب لبنان الى غزة وصولاً الى سوريا، ونقلتهم من موقع صنع القرار العسكري منفردين الى موقع اللاقرار على الاطلاق، ومن صنع القرار السياسي منفردين أيضاً الى موقع الشراكة القسرية التي لا يملكون فيها لا حق الفيتو ولا الكلمة الفصل.
وليس سراً أيضاً أن البيئة الشيعية الموالية لـ “حزب الله”، تقر في كواليسها بأنها باتت قوة مهشمة ومنهكة بلا رأس يعتد بها، ولا قضية اقليمية تتلطى خلفها، ولا قضية وطنية تستقوي بها، ولا مشروع حكم شيعي اسلامي تعمل من أجله تحت الطاولة وفوقها، معتبرة أن الشيخ نعيم قاسم لن يكون قادراً على ملء الفراغ الذي تركه حسن نصر الله، ولن يتمكن من استقطاب الشيعة الخائبين أو الخائفين أو المهزومين أو الغاضبين أو حتى على منافسة الأخ الأكبر نبيه بري الذي تحرر من سحر نصر الله وخليفته هاشم صفي الدين، وأسقط عن كاهله ثقل السلاح وهاجس “حرب الاخوة” التي كانت طويلاً جمراً تحت الرماد، وبات في موقع يسمح له بالخروج على كثير من الاتفاقات والتفاهمات العلنية والضمنية، والانخراط في مخارج أو تسويات يراها أكثر أمناً وأماناً في مواجهة تحولين دراماتيكيين: الأول، الغلبة الاسرائيلية الواضحة في الجنوب والغلبة السنية الحاسمة في سوريا، اضافة الى الغلبة غير المباشرة التي عمت صفوف المعارضة اللبنانية.
ويقول مصدر قريب من “حزب الله” في هذا المجال: “لم يعد لدينا ما نخسره أو ما نقاتل من أجله أو حتى من نواليه سواء في بيروت أو طهران”، مؤكداً أن شعبه الذي عاش في أوهام القوة والمنعة طويلاً، وتكبّد ما تكبّد من خسائر بشرية ومادية هائلة، وجد نفسه فجأة من دون قائد أو عرّاب أو سلاح أو حتى سقف.
ويضيف: “لقد خدعنا في السر وفي العلن ومن ظنناه عرّاباً، أي ايران، رمانا في النار ووقف جانباً، ومن ظنناه حليفاً، أي بشار الأسد أدار لنا ظهره وهرب، ومن ظنناه لا يخطئ في حساباته ورهاناته أي حسن نصر الله، أوقعنا وأوقع نفسه في الفخ، مع جميع رجاله وأركانه وترساناته”.
وما قاله هذا المصدر، يكاد ينطبق على الغالبية الساحقة من الشيعة العقائديين والمحازبين، وسط انطباع شبه عارم بأن ما كان قبل الثامن من أكتوبر لن يُستنسخ بعده وأنهم تحولوا الى بيئة ينظر اليها اللبنانيون على أنها بيئة مذنبة ويجب محاسبتها، أو بيئة مهزومة ويجب عزلها.
لكن الأمر ليس كذلك، في نظر مصادر أخرى في فريق الممانعة، أي الفريق الذي يعتبر أن “حزب الله” لا يزال يملك الفرصة لالتقاط أنفاسه من دون اللجوء الى السلاح، أي الاقرار أولاً بفداحة ما أصابه وتداعيات ما فعل في الجنوب وسوريا وغزة واليمن والعراق، والتوصل الى تفاهمات مع المعارضة على حيثية الرئيس العتيد القادر على تحقيق أمرين جوهريين: الأول تكريس السلام الدائم في الجنوب من خلال الربط الجدي مع الأميركيين، واحتواء الأصولية السنية التي استقرت في سوريا المجاورة من خلال مصالحات شيعية – سنية تزيل آثار “السابع من أيار”، والعمل معاً لمنع “هيئة تحرير الشام” من الانفلاش نحو لبنان رداً على أي استفزازات أو تحديات من “حزب الله” المرابط تحسباً على الحدود الشرقية، اضافة الى منع تركيا من استغلال أي خطر يهدد أمن السنة اللبنانيين للتوسع نحو لبنان حاملة معها عقيدة “الاخوان المسلمين”.
وذهب مصدر رسمي بعيداً الى حد القول انه ينتظر من زعماء الشيعة توجيه دعوة الى الرئيس سعد الحريري للعودة الى لبنان في محاولة لتعويم منطق الاعتدال والتسامح على منطق الثأر والتحدي، مشيراً الى أن الأحداث أثبتت أن تيار “المستقبل” يمثل وحده الجهة القادرة على لجم ما يحدث في سوريا وتجنب تداعياته.
وانطلاقاً من هذا الواقع الجديد لا يبدو الوزير السابق وئام وهاب متفرداً بما قاله في الأمس عن “تطبيع” بين الشيعة واسرائيل، في خطوة لا يمكن لهذا الرجل أن يدعو اليها من دون تفاهم مسبق مع “حزب الله” هو الذي كشف أنه طالما كان يعمل وسيطاً بين اسرائيل وفريق الممانعة عبر طرف ثالث.
ولا يبدو نعيم قاسم بعيداً من الاعتراف بانتهاء الحرب مع الدولة العبرية وليس من التطبيع، ذلك عندما ظهر حديثاً في خطاب بدا فيه محاصراً من كل الجهات بعدما أغلق أحمد الشرع أبواب سوريا أمام رجاله وسلاحه وأمواله، ووضعه أمام خيار واحد لا غير وهو المحافظة على سلام دائم مع اسرائيل، سلام يسميه وقفاً للعمليات العدائية بدلاً من وقف العداء في المطلق.
في الاختصار، لم يبقَ أمام “حزب الله” الكثير من الخيارات والبدائل في وقت يعرف أن الحياة المقبلة مع الرئيس دونالد ترامب لن تكون شهر عسل، وأن الشرق الأوسط في ظل بنيامين نتنياهو لن يكون كما كان قبل السابع من أكتوبر، وأن الرهان على ايران لن يكون كما كان قبل السابع عشر من أيلول، أي “حرب البايجرز”، في وقت تتهالك طهران في كل الاتجاهات لحماية منشآتها النووية من أي ضربات اسرائيلية محتملة، وتتخوف أيضاً من انتقال عدوى الثورة في دمشق الى شوارعها في وقت يتهيأ نجل الشاه لاستعادة الحكم في بلاده.
انه في الواقع الفخ الذي وقعت فيه ايران وأوقعت معها “حزب الله “، متجاهلة الحقيقة التي تقول إن العرب طلقوا خيار الحرب من أجل فلسطين، وأن اسرائيل وجدت أو أوجدها العالم كي تبقى لا لترمى في البحر، وأن الأميركيين لن يسمحوا بسقوط هذه المنطقة الاستراتيجية والغنية لا في يد الأصوليين ولا في يد ايران أو الصين أو روسيا التي تعرضت لأسوأ انتكاسة عسكرية في سوريا بعد انتكاستها التاريخية في أفغانستان.
ويختم مصدر ديبلوماسي غربي أن خطيئة “حزب الله” تكمن أولاً في أنه لم يدرك مبكراً أنه لعب دور “المرتزقة” لحساب ايران لا دور “المجاهدين”، وأن حسن نصر الله آمن فعلاً بأنه يحمل تكليفاً من الله وأن الانتصارات ستكون دائماً من نصيبه، متجاهلاً أن الله لا يمكن أن يكون الا واحداً في الأرض التي اختارها مقراً ومعبراً لرسله وأنبيائه من دون أن يختار منهم لا شعباً مختاراً ولا شعباً متفوقاً ولا شعباً مصلحاً.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|