محليات

“الحزب”… المراجعة وليس المكابرة

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

منذ إنسحاب العدو الاسرائيلي من جنوب لبنان، إستدار “حزب الله” من الجهة الجنوبية إلى الداخل اللبناني، منخرطاً في الحياة السياسية بكل ثقله، معتمداً على ما ساهم في تحقيقه من إنتصار التحرير، الذي شارك فيه كل اللبنانيين بالمقدار الذي كان مسموحاً لهم (سورياً) القيام به، بعدما شرّع العمل المقاوم، بفضل الجهود الجبارة الذي بذلها الرئيس الشهيد رفيق الحريري، من خلال إنتزاع ما عرف عام 1996 بـ “تفاهم نيسان”.

غير أن دخول “حزب الله” الى الحياة السياسية، كان مختلفاً عن بقية الفئات والأطراف، التي تشاركت السلطة، إذ إنه دخلها منتشياً ومزهواً بإنتصار التحرير، مستخدماً فائض القوة، ومستفيداً من النظام الأمني اللبناني السوري المشترك، ما دفعه الى ممارسات إستحكامية نفوذية، وسطوة متعالية، بذريعة ما حققه للبنان من إنتصار في وجه العدو الصهيوني، الأمر الذي يعطيه هامشاً واسعاً لـ”الهيمنة” والإمساك بمقدرات الدولة وسياساتها الداخلية والخارجية، متسبباً في خلل كبير في التوازن الوطني، خصوصاً وأنه “جيّر” التحرير لمصلحة بداية تأسيس المشروع الإيراني الفارسي التوسعي في المنطقة، بدلاً من توظيفه سياسياً للشروع في إستكمال تنفيذ ما لم يطبق من بنود جوهرية وأساسية من إتفاق “الطائف”، التي لو نفذت روحاً ونصاً، لكانت منطلقاً لبناء مؤسساتي ودستوري وسيادي للجمهورية “الثانية”، التي بقيت مبتورة و”مشوهة”، ما ساهم تباعاً في إضعاف لبنان وإستباحته وفساده، وصولاً الى ما يعانيه من شيه إنهيار كامل على الصعد كافة.

ومنذ التحرير، بات سلاح “حزب الله” يثير انقسامات حادة داخل الساحة اللبنانية بين مؤيد ومعارض، بحيث يذهب المؤيدون إلى اعتبار سلاح الحزب يمثل قوة ردع ضد التهديدات الاسرائيلية، ويؤكدون أن انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان عام 2000 جاء نتيجة “المقاومة”، فيما يرى معارضو سلاحه أنه يتجاوز سلطة الدولة اللبنانية وينتهك سيادتها ويمثل دولة داخل الدولة.

وقد حفلت الفترة الممتدة من ذلك التاريخ حتى اتفاق وقف اطلاق النار، بعد تحول “جبهة المشاغلة” الى حرب مفتوحة عليه، بانقسام واصطفاف بين الفرقاء اللبنانيين، جراء سلوك الحزب المتعالي وهيمنته على الحياة السياسية، بما يتمتع به من فائض للقوة و”الغطرسة”، من دون أن يتردد في توجيه سلاحه الى الداخل لفرض “أجندته” السياسية، كما فعل في” غزوة 7 أيار” ونشر “القمصان السود”، الى أن أقحم لبنان بأسره فيما سمي “محور الممانعة” (الإيراني)، عندما دفع بآلاف من مقاتليه الى سوريا، دفاعاً عن نظام بشار الأسد “المخلوع”، وبالتالي إطلاق مواقف معادية للدول العربية، وفي مقدمها المملكة العربية السعودية، في أعقاب حربها على “الحوثيين”، الأمر الذي دفع تلك الدول وكذلك البلدان الغربية الى عزل لبنان عن إهتماماتها، وحرمانها من جهودها ودعمها، يضاف الى كل ذلك تعطيل الحياة الدستورية، عبر الإمعان والتمادي في فرض خياراته، متجاوزاً الأصول والقواعد الدستورية، ما أدخل لبنان لفترات مديدة في تعطيل عمل المؤسسات، ولا يزال.

بالتأكيد لا تتسع هذه السطور لاستعراض كل تلك الممارسات وتداعياتها الكارثية على لبنان، لذلك سنقفز مباشرة إلى تورط الحزب في حرب مع إسرائيل، نصرة لغزة، مراهناً أنها ستبقى محدودة ومقيدة بقواعد الإشتباك، بحيث راهنت إيران على “استراتيجية وحدة الساحات”، إذ امتد الصراع ليشمل لبنان وسوريا والعراق واليمن وحتى الداخل الايراني، إلا أن إسرائيل ردت باستراتيجية مضادة أطلقت عليها “وحدة النتائج العسكرية”.

وسردية “السلاح الردعي” أسقطتها الحرب الأخيرة مع إسرائيل، إذ طاولت الغارات كامل الأراضي اللبنانية، إضافة الى سوريا، مستهدفة البنى الفوقية والتحتية من عسكرية وقيادية وشعبية لـ “حزب الله”، فضلاً عن الدمار والتهجير والقتل. فالحزب عندما أقحم نفسه أو أُقحم في حرب “الإسناد”، وقع في الخطيئة الكبرى، عندما إعتقد أن في إمكانه أن يروّض الجنون الاسرائيلي في غزة، بعد مغامرة “حماس” يوم السابع من أكتوبر 2023، بحيث أن “الدعاية” الاسرائيلية تمكنت من إستعطاف العالم بأسره، من خلال الترويج بأن العملية قتلت وخطفت مدنيين، إذ إن الحزب لم يتعامل بواقعية وتبصر مع تعاطف الدول الغربية مع إسرائيل التي كانت محل “تفهم” لعدوانها الهمجي التدميري على غزة، فأعطاها الذريعة لشن حربها على الحزب، وتنفيذ خطة متكاملة بدأت التحضير لها منذ العام 2006، هدفها القضاء على البنية العسكرية للحزب.

وهذا ما حصل بالفعل، إذ تجمع التقارير على الخسائر العسكرية الضخمة التي تعرض لها “حزب الله” في الحرب، لناحية فقدانه قادته الاستراتيجيين والبارزين، وأبرزهم أمينه العام السابق الشهيد حسن نصر الله، ونخبة كبيرة من عناصره وكوادره، ومستودعات الأسلحة والذخائر والأنفاق ومواقع الصواريخ، وكذلك مواقعه العسكرية، إضافة الى خسارته جزءاً كبيراً من مصادر تمويله، عبر الاستهداف الدقيق من إسرائيل، باستخدام تقنيات متطورة.

إن كثافة الأهداف التي ضربتها إسرائيل وأحجامها، تؤكد أن الحزب كان تحت المجهر الاسرائيلي طيلة المدّة الماضية، وليس معلوماً ما إذا كان ذلك نتيجة تهاون الحزب في المجال الأمني، ما أفسح المجال لإسرائيل في جمع هذا الكم من المعلومات، التي على أساسها وجّهت ضربات مؤلمة الى الحزب. وقد جاء سقوط النظام السوري في أكثر اللحظات خطراً بالنسبة الى النظام الايراني الذي أصبح مكشوفاً أمام إسرائيل وأمام تحركات إدارة دونالد ترامب، إذ بسقوط النظام السوري تشظى ما يعرف بـ”محور المقاومة” وفقد أركان قوته، وفقدت إيران بدايةً الصلة البرية المباشرة مع “حزب الله”، الذي سيكون وحيداً في أي مواجهة عسكرية مباشرة مع إسرائيل. وتقلصت قدرات إيران على نقل الأسلحة إلى الحزب، وهذا ما أكده أمينه العام الشيخ نعيم قاسم بوصفه دور سوريا بشار الأسد بالنسبة إلى “حزب الله” بالممر. فخسارة هذا الممر ليست مجرد تفصيل بسيط يصوّره قاسم، لأن النظام السوري كان الداعم الأساس للحزب لوجيستياً وسياسياً، ومع انهياره خسر الحزب الظهر والسند اللذين مكناه من البقاء مسلحاً خارج نطاق الدولة اللبنانية.

ويجمع العديد من المحللين الاستراتيجيين على أن ما سقط لم يكن مجرد تنظيمات محلية مثل “حماس” و”حزب الله” أو نظام الأسد، بل إن الخسارة الكبرى طاولت النظام الايراني الاقليمي برمته، ما انعكست نتائجه في موازين قوى جديدة أفرزتها الحرب، لتعيد تشكيل السلطة السياسية في غزة ولبنان وسوريا، وكذلك أجبرت التطورات الحكومة العراقية على مراجعة سياساتها لتحقيق فصل بين مصالحها الوطنية والنفوذ الإيراني.

“حزب الله” بات يواجه واقعاً جديدا في لبنان بعد رحيل الأسد، فهو اليوم غير الحزب قبل الثامن من تشرين الأول 2023، اذ إن الحرب التي شنتها عليه إسرائيل قصمت ظهره، وأعادته أعواماً عديدة إلى الوراء، ومن المتوقع ألا يجد أي خيار سوى تضييق طموحاته بعد أن فقدت إيران، بسقوط الأسد، السيطرة على ممر بري امتد عبر العراق وسوريا وصولاً إلى البحر المتوسط، ومنحها ذلك في السابق طريقاً من دون عوائق لإمداد “حزب الله”، وهذا سيضعف هيمنة الحزب في الداخل اللبناني، ويجعله مشغولاً بمعارك البقاء في الداخل وعاجزاً عن متابعة دعم الأجندة الايرانية في المنطقة، من المشرق العربي إلى اليمن، كما فعل طوال العقد الماضي.

بناءً عليه، على الحزب اتخاذ قرار واضح إما التزام اتفاق وقف إطلاق النار والتخلي عن السلاح، وإما السير في طريق حرب جديدة لن تكون إلا كارثية على لبنان وجمهوره. وهذا يتطلب من “حزب الله” في مرحلة إعادة تكوين نفسه سياسياً وتنظيمياً أن يجري مراجعة وأن يقلع عن المكابرة.

لبنان الكبير

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا