“الحزب”… هل من ميشال عون آخر؟
وليد جنبلاط، أو المسؤول اللبناني الأول في تهنئة أحمد الشرع، والأول في زيارة سوريا للقائه حاملاً اليه ملفات وطنية وطائفية وشخصية وناقلاً منه كلاماً ايجابياً لم يسمعه اللبنانيون عموماً والدروز خصوصاً منذ عقود طويلة.
الحدث على أهميته لا يكفي لارساء العلاقات اللبنانية – السورية على أسس ندية وسيادية، ولا يختصر ما يمكن أن يكون عليه المستقبل بين الشعبين أولاً وبين البلدين ثانياً، اذ إن جنبلاط لا يمثل الدولة، ولا يصنع القرار اللبناني منفرداً، ولا يحمل تكليفاً من أي جهة رسمية علنية أو أي مزاج شعبي مباشر، لكنه يطرح أسئلة عدة أبرزها سؤال واحد: اذا كان هذا ما يفعله الزعيم الدرزي، فماذا يمكن أن يفعل “حزب الله” حيال ما يجري في سوريا الجديدة هو الذي يعرف تماماً أنها أبعدته عن ايران بقدر ما أبعدته الحرب الأخيرة عن القدس؟
تهمس أوساط قريبة من الضاحية الجنوبية، أن “حزب الله” بات مقتنعاً تماماً بأنه خسر الحرب مع اسرائيل، وخسر الكثير من تعاطف الرأي العام الشيعي واللبناني، وخسر الكلمة الفصل في صنع القرارات اللبنانية، وخسر حربه ووجوده المذهبي في سوريا إضافة إلى المعبر الذي كان يربطه جغرافياً ومادياً وعقائدياً واقتصادياً مع ايران، مشيرة الى أنه يعيش حالة خوف من احتمال وجود نية اسرائيلية وأميركية جدية لاسقاط نظام الأئمة في طهران.
وتضيف الأوساط نفسها أن ثمة قراراً لدى “حزب الله”، بعمل أي شيء للبقاء حياً وفاعلاً وبعيداً من أي نزاع يمكن أن يشكل الضربة القاضية لما تبقى من سلاحه ورجاله، حتى لو اضطر الى مد اليد الى الشرع والسعي لكسب وده بأي طريقة ممكنة سواء كانت مباشرة وغير مباشرة، وحتى لو واصل التغاضي عن كل الضربات التي يتلقاها من اسرائيل على مستوى البشر والحجر على الرغم من اتفاق وقف اطلاق النار.
لكن أكثر ما يزعجه هو الشعور بأنه يواجه الآن وضعاً أسوأ من الوضع الذي واجهه بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري وتحديداً بعد حركة “الرابع عشر من آذار” التي حاصرته في الزوايا ركناً معزولاً ومشبوهاً ومحاصراً يبحث عن مخرج ما سرعان ما وجده أولاً في التحالف الرباعي، ثم في مؤتمر الحوار الوطني ثانياً، ثم ثالثاً في اتفاق مار مخايل مع العماد ميشال عون.
ويقول مصدر قريب من محور الممانعة، إن “حزب الله” يعرف، بعد كارثة الحرب الأخيرة في الجنوب والبقاع، أنه لن يجد أي غطاء لبناني مسيحي أو اسلامي يتلطى به كما حدث في “السادس من شباط” اثر هجمة أصولية مفبركة على منطقة الأشرفية انطلق منها عون لابرام اتفاق معه تحت شعار حماية المسيحيين ومناطقهم، مشيراً الى أن عون وتياره باتا الآن في مكان آخر سياسياً وشعبياً، وأن الفريقين باتا في موقع العاجز عن تقديم غطاء مسيحي لسلاح الأول وممر شيعي لطموحات الثاني.
وما تهمسه هذه الأوساط، لا يبدو مختلفاً في أوساط حركة “أمل” حيث يتردد أن جنبلاط حمل من الرئيس نبيه بري رسائل ايجابية الى الشرع ورغبة في التواصل معه، مشيرة الى أن الرجل لا يبدو مستعداً لدفع أثمان الأخطاء التي ارتكبها بشار الأسد وحسن نصر الله، ولا مستعداً للقبول بأي انكشاف سياسي أو أمني سواء جاء من الداخل أو الخارج، وهو ما يفسر اندفاعته لانتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية عبر التوافق، وقبل دخول الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب الى البيت الأبيض.
وتضيف أن بري، يعرف أن عدم انتخاب رئيس توافقي، أو انتخاب “رئيس هزيل” في التاسع من كانون الثاني المقبل قد يفتح الطريق أمام ترامب لانتخاب رئيس سيادي يسهم أكثر في تشديد الخناق على ما تبقى من روافد الثنائي الشيعي وسلاحه ومواقعه وسلطاته، مشيرة الى أن ما يتعرض له الشيعة في سوريا رداً على ممارسات “حزب الله” خلال الحرب، لا يجب أن ينعكس على موقعه في لبنان هو الذي رفض التورط في القتال الى جانب بشار الأسد وكاد يدفع حياته ثمناً لذلك.
وأكثر من ذلك تقر هذه الأوساط بأن بري يتصرف الآن كما لو أن شيئاً لم يعد يخيفه، أو يكبل يديه أو يجعله مديناً لأي قوة محلية أو اقليمية، مشيرة الى أن ما يهمه الآن هو كسب ود الأميركيين الذين باتوا يمسكون بالورقة اللبنانية سياسياً وأمنياً وتحاشي أي اشتباك معهم قد يجر اليه تداعيات هو في غنى عنها.
وما يتردد سراً في أوساط حركة “أمل” لم يعد محظوراً في أوساط “حزب الله”، في وقت أطلق وزيره في حكومة تصريف الأعمال مصطفى بيرم تصريحاً لافتاً رحب فيه بأي قرار يتخذه السوريون، مبدياً الاستعداد للانفتاح على الحوار مع الحكم الجديد في دمشق، واصفاً تصريحات الشرع حيال لبنان بأنها ايجابية.
والواقع أن من يعرف “حزب الله” جيداً، يعرف تماماً أنه مدرسة لا تتوقف عند أمر مهما كان صعباً، ولا تخجل من القيام بأي خطوة أو اتخاذ أي قرار مهما كان ذلك محرجاً ومكلفاً اذا كان ذلك يخدم مصلحته أو عقيدته أو ثورته الاسلامية، وهي مدرسة برزت في التحالف مع ميشال عون على الرغم مما تردد عن علاقته باسرائيل، وفي تسهيل اطلاق العميل عامر الفاخوري ارضاء للأميركيين، وفي القبول بالقرار ١٧٠١ في المرة الأولى والثانية مع أنه كان يميل في المرتين لمصلحة اسرائيل.
وانطلاقاً من هذه الخلفية، لا بد من السؤال هل يكتفي “حزب الله” بالتصريح الذي أدلى به الوزير بيرم أم يذهب الى أبعد من ذلك، وتحديداً الى واحد من أمرين، الأول العمل لاجراء مصالحة مع الحكم الجديد الذي يرى في المقاومة الاسلامية اللبنانية ما يراه في بشار الأسد ورجاله، والثاني محاولة السيطرة على الداخل اللبناني اما من خلال السلاح والترهيب واما من خلال سلطة سياسية في بعبدا والسراي تعطيه ما يكفي لحماية نفسه في انتظار ما قد تظهره الأيام والأسابيع المقبلة؟
والسؤال هنا، هل يستطيع الشيخ نعيم قاسم أن يفعل واحداً من هذين الأمرين؟ الجواب سلباً أو ايجاباً لن يأتي قبل التأكد من أمرين آخرين، الأول امكان ابرام صفقة ايرانية أميركية تتخلى بها طهران عن برنامجها النووي وتتقوقع داخل حدودها الطبيعية، أو خطة أميركية – اسرائيلية تقضي على هذا البرنامج وتسقط معه نظام الأئمة في طهران.
وفي الانتظار، يحاول “حزب الله” الظهور بمظهر من لم يخسر الحرب والهيبة معاً، محاولاً ترهيب السياديين من جهة، وإفهام حلفائه الذين تخلوا عنه أنه لا يزال القوة التي يستطيعون الاعتماد عليها، وإفهام الحكم الجديد في دمشق أن العبور الى السياسة اللبنانية لا يزال يمر عبر الضاحية الجنوبية في الأمور الثنائية وعبر طهران في الأمور الاستراتيجية التي يتولاها الآن عبد الملك الحوثي خلفاً لكل من قاسم سليماني وحسن نصر الله.
لبنان الكبير - أنطوني جعجع
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|