والدة إيلون ماسك... حكاية امرأة معنفة بسطت لها الصين السجاد الأحمر
دعاية “الحزب” الرّديئة: قصور على الرّمال
لا تكفي الحجج التي يسوقها “الحزب” عن الفارق بين جنوب الليطاني وشماله للتخفيف من آثار انتشار سلاحه على لبنان. سيل الحجج المتدفّق عبر تصريحات نوّاب “كتلة الوفاء للمقاومة”، يحول دون تحوّله إلى دولة محتملة بدلاً من كونه “وظيفة استراتيجية” وحسب.
صار البلد موظّفاً في حروب المنطقة منذ اتّفاق القاهرة الذي قدّم سلاح منظّمة التحرير الفلسطينية على سلاح الشرعية اللبنانية. لاحقاً بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري في عام 2005 صار “الحزب” محور الحياة السياسية، وحال دون وجود البلد وشعبه على خريطة العالم. الكارثة الأسوأ كانت في حرب إسناد غزة في الثامن من تشرين الأوّل عام 2023، التي تلتها حرب إسرائيلية خشنة في أيلول سنة 2024 وانتهت إلى إقرار تطبيق القرار 1701 ببنوده المعلنة ونظيرتها الخفيّة.
ما يمسح جرح الدعاية السياسية الرديئة لـ”الحزب” بخطر مُقبل هو استعمال مفوّهي “الحزب” لعبارات ومفردات ترقى إلى معاكسة مصطلحات “الدولة” و”حقّ تقرير المصير” و”احتكار الدولة للعنف المقونن”.
كم تتبدّى هذه الوجهة فاقعة بما أعلنه النائب حسن فضل الله لتلفزيون “الجديد” مساء 17 كانون الأول الجاري من أنّ “صيغة اتّفاق وقف إطلاق النار” التي وافق عليها “الحزب” لا تتضمّن عبارة “بدءاً من جنوب الليطاني” بالنسبة إلى نزع سلاح “الحزب” وتفكيك بناه العسكرية، وإنّما عبارة “جنوب الليطاني” فقط. واعتبر أنّ أيّ نصّ آخر لا يعني حزبه، إنّما يعني من وافق عليه ووقّعه.
ركّز فضل الله القسم الأكبر من حديثه على كيفية معالجة “الحزب” للمشاكل اللوجستية والتمويلية، وكيفية عمل ما سمّاه “الفكر الإبداعي للمقاومين” على كسر العوائق والحواجز والتدابير الهادفة لمنع وصول السلاح إليه، بما يضمن استمرار “المقاومة”، وليس على كيفيّة تفكيك البنى والهيكلية العسكرية لـ”الحزب”. جاء كلام فضل الله في إطار سردية “الحزب” التي تعتبر أنّ سلاحه شرعي بموجب القوانين اللبنانية والدولية، واستعماله الدعاية السياسية على نحوٍ رديء.
إذا جاز تعيين المسؤول الأوّل عن تبديد الدولة ومعناها السياسي والقانوني، فلن يكون سوى “الحزب” وأحلافه الكثيرة والمتنوّعة. ذلك أنّ ما تقوم به إسرائيل في الجنوب اللبناني تحت رداء الـ60 يوماً، هو النتيجة الطبيعية لأشكال الموت والتهجير الكثيف والكثير، كما لتحلّل الجنوب والضاحية والبقاع وبعلبك في الحرب الأخيرة مع الكيان الصهيوني. مع “الحزب” توّجت السياسة أفعالاً حربية وخطوط مواجهة وتماسّ. هكذا كان مع إسرائيل. ومن قبل في سوريا بعد العراق ولاحقاً اليمن.
عمليّاً، بموجب “القوانين اللبنانية” فإنّ “الحزب” هو “غير شرعي” و”غير قائم” و”غير موجود” رسمياً لأنّه لم يبلغ وزارة الداخلية ولا يحوز ترخيصاً. زد على ذلك أنّه بمنزلة “تنظيم سرّي” من الواجب حلّه فوراً. لذلك كلّه، من التلقائيّ والبديهيّ أن يكون سلاح “الحزب” “غير شرعي” ما دام “الحزب” نفسه “غير شرعي”، ولا اجتهاد حيث يوجد نصّ.
في سرديّة “الحزب” ودعايته السيّئة لتبرير “شرعيّة” سلاحه، يلجأ إلى البيانات الوزارية التي تضمّن أقلّها ثلاثية “شعب وجيش ومقاومة”، وبعضها الآخر “حقّ الشعب اللبناني في المقاومة”. وهذا رديء جدّاً في تشكيل الدعاية السياسية، لأنّه لا شيء في “الهرمية القانونية” القائمة من أدنى إلى أعلى (القرار، المرسوم، القانون، الدستور، القانون الدولي) يشير إلى وجود “البيان الوزاري” كمكوّن من مكوّناتها.
“البيان الوزاري” هو تصريح سياسي مكتوب أو “إعلان نوايا” أو “وعود” أو “رغبات” لا يمكن أن تتّخذ صفة قانونية قبل أن تسلك المسار القانوني الكامل. بمعنى آخر، أيّ فكرة يتضمّنها البيان الوزاري لا يمكن أن تصبح قانونية وسارية المفعول ما لم تسلك المسار التالي: مشروع قانون يقرّه مجلس الوزراء، ثمّ يقرّه مجلس النواب بأكثرية معيّنة بعد درسه في اللجان المختصّة، ثمّ يوقّعه رئيس الجمهورية وينشره في الجريدة الرسمية، إذا لم يعترض عليه ويعيده إلى مجلس النوّاب.
لكلّ من هذه الخطوات المهل القانونية الواجب احترامها، علماً أنّ القانون، حتى لو اجتاز كلّ هذا المسار، يبقى عرضةً للطعن والإبطال أمام المجلس الدستوري في حال خالف الدستور. وبالتالي فإنّ البيانات الوزارية، أيّاً تكن النصوص التي تعتمدها، لا يمكن أن تعطي “الحزب” أيّ شرعية دستورية.
أمّا على مستوى الدستور، فقد نصّ في مقدّمته الإصلاحية ـ الميثاقية على مجموعة من المبادىء التي لا تسمح بإعطاء أيّة شرعية لسلاح “الحزب”. ذلك أنّ الفقرة “باء” جاء فيها أنّ لبنان عربي الهويّة والانتماء وعضو مؤسّس وعامل في جامعة الدول العربية وملتزم مواثيقها وعضو مؤسّس وعامل في منظّمة الأمم المتحدة وملتزم مواثيقها والإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وتجسّد الدولة هذه المبادىء في جميع الحقول والمجالات من دون استثناء. وهو ما يعني أنّ هذه الفقرة الدستورية تجبر لبنان باعتباره ملتزماً ميثاق الأمم المتحدة على تنفيذ كلّ قرارات مجلس الأمن الدولي، وبالتالي حلّ “الحزب” تفكيك بناه العسكرية وفقاً للقرارين 1559 و1701. ذلك أنّ المادّة 25 من ميثاق الأمم المتحدة تنصّ على ما حرفيّته: “يتعهّد أعضاء الأمم المتحدة بقبول قرارات مجلس الأمن وتنفيذها وفق هذا الميثاق”.
تؤكّد الفقرة “جيم” من الدستور أنّ لبنان جمهورية ديمقراطية برلمانية تقوم على احترام الحرّيات العامّة، وفي طليعتها حرّية الرأي والمعتقد، وعلى العدالة الاجتماعية والمساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين من دون تمايز أو تفضيل. وهذه الفقرة الدستورية تُسقط أيّ حجّة لـ”الحزب” بالتفرّد في حمل السلاح، لأنّ في ذلك ضرباً لقاعدة المساواة بين اللبنانيين في الحقوق الواجبات، ولقاعدة منع التمايز أو التفضيل بين اللبنانيين.
عليه، إنّ عدم تطبيق القوانين المتعلّقة باقتناء السلاح وحمله وبتأسيس الأحزاب والجمعيّات وبالقوانين الضرائبية والماليّة وقوانين التجارة والعمل وغيرها، على “الحزب” واستثناءه من مفاعيلها هما مخالفة صريحة للدستور، لأنّهما يضربان المساواة بين اللبنانيين ويفرّقان في قواعد وحدة الحقوق والواجبات بين اللبنانيين.
يدّعي “الحزب” أنّ ميثاق الأمم المتحدة يسمح له بحمل السلاح واستخدامه في إطار حقّ “الدفاع عن النفس” الذي يكرّسه الميثاق. وبمعزل عن مجالات استخدام “الحزب” للسلاح، وتوسّعه في مفهوم الدفاع عن النفس إلى حدود إطلاق الحروب الاستباقية والتدخّل في حروب خارج الأراضي اللبنانية، ودعم جماعات مسلّحة في العالم خلافاً لقرارات مجلس الأمن الدولي، وخرقاً لسيادة الدول الأخرى، فإنّ العودة إلى ميثاق الأمم المتحدة تظهر أنّ الميثاق يعطي حقّ الدفاع عن النفس لـ”الدول”، وليس للجماعات والأحزاب أيّاً تكن صفاتها ومكوّناتها وطبيعتها.
نصّت المادّة 51 من ميثاق الأمم المتحدة على ما حرفيّته: “ليس في هذا الميثاق ما يضعف أو ينتقص الحقّ الطبيعي للدول، فرادى أو جماعات (أي تحالف دول)، في الدفاع عن أنفسهم إذا اعتدت قوّة مسلّحة على أحد أعضاء الأمم المتحدة، وذلك إلى أن يتّخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدوليَّين”. هكذا عبارة “الحقّ الطبيعي للدول” لا لبس فيها لناحية أنّ حقّ الدفاع عن النفس أعطي للدول وليس لجماعات مسلّحة غير شرعية داخل الدول. كما أنّ عبارة “إنّ التدابير التي اتّخذها الأعضاء استعمالاً لحقّ الدفاع عن النفس” تقطع الطريق على أيّ اجتهاد، على اعتبار أنّ أعضاء الأمم المتحدة هم دول وليسوا جماعات مسلّحة.
يبقى من الدعاية السيّئة التي يستخدمها “الحزب” درس يتعدّى السياسات والاستراتيجيات التي يزعمها لنفسه ونيابة عن اللبنانيين جميعاً، مفاده أنّ إدراج عشرات الدول والمنظّمات الإقليمية له على “لوائح الإرهاب” أو “حظر نشاطاته” على أراضيها يعرّضان لبنان لمخاطر سياسية واقتصادية. والقصور التي تُشيّدها هذه الدعاية أشبه بالقصور التي تُشيّد على الرمال وستنهار. لكنّها للأسف لن تنهار على رؤوس “الحزب” وعناصره وحدهم، بل على لبنان واللبنانيين جميعهم.
أساس ميديا - أيمن جزيني
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|