إحصاء كلّ أضرار الحرب في لبنان لم ينتهِ... لا قدرة لتنظيم مؤتمر دوليّ سريعاً
ايران لا تبايع الشرع… عائدون!
كل شيء تقريباً يوحي بأن الحرب في المنطقة لم تصل الى خواتيمها في حسابات اسرائيل وطهران، وأن ما جرى بين الطرفين حتى الآن لم يكن الا جولة من جولات مرتقبة لا يمكن أن تنتهي الا بغالب ومغلوب.
هذا الواقع الذي يتمظهر يوماً بعد يوم، يتخذ شكل انتصار غير مكتمل في أوساط رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، وشكل هزيمة غير نهائية في أوساط الامام خامنئي، ويترجمه الأول في حملته الاجتثاثية على غزة، وفي تحدياته الاستفزازية في لبنان، وفي انتهاكاته الفجة في سوريا، وفي غاراته العقابية على اليمن، وتترجمه ايران من خلال اطلاق العنان للترسانة الصاروخية الحوثية، ومن خلال تحريك بعض الخلايا النائمة في سوريا، والسعي وراء معابر تسليح جديدة للوصول الى مخازن “حزب الله” وما تبقى من أنفاقه.
وتشير أجواء نتنياهو الى أن الأخير لا يبدو في وارد القبول بأي واقع لا يغير وجه الشرق الأوسط، أو بأي تسوية لا تضمن أمن اسرائيل الى الأبد، قائلاً أمام مساعديه: “اذا كان ديفيد بن غوريون هو من أسس اسرائيل فأنا سأكون الرجل الذي أنقذها”. في حين تشير أجواء خامنئي الى أن الأخير لن يجرع السم الذي جرعه الامام الخميني بعد حربه مع صدام حسين، ولن يسلم بتفكك المحور، ولا سيما الحلقة السورية التي يعتبر خسارتها بداية النهاية للثورة الاسلامية في المنطقة.
وما يعزز هذه الأجواء، ما يفعله الجيش الاسرائيلي في جنوب لبنان متجاوزاً اتفاق وقف اطلاق النار، وموحياً بأن الحرب التي خاضها ضد “حزب الله” يمكن أن تستأنف في أي لحظة اذا تقاعس الجيش اللبناني أو تردد في نزع كل الأسلحة غير الشرعية كما تعهد في اتفاق وقف النار، أو اذا تغاضى عن أي محاولات يمكن أن يبذلها الشيخ نعيم قاسم لاعادة تسليح رجاله وتنظيم صفوفهم على غرار ما فعله حسن نصر الله بعد حرب العام ٢٠٠٦.
وتذهب توقعات المراقبين بعيداً الى حد القول إن ايران لا تخوض حرباً في سوريا ضد اسرائيل وحسب، ولا ضد الادارة العسكرية التي يرأسها أحمد الشرع، بل أيضاً ضد تركيا التي تتنافس معها على زعامة العالم الاسلامي، معتبرة أن التخلي عن سوريا لمصلحة أنقرة يشبه تماماً التخلي عن غزة ولبنان لمصلحة اسرائيل والتخلي عن البرنامج النووي لمصلحة الولايات المتحدة.
ويضيف هؤلاء أن الصراع بين ايران وتركيا هو في الظاهر صراع بين امبراطوريتين بائدتين لكنه في العمق صراع بين الشيعة والسنة غير العرب، وصراع بين الأصولية السنية المتمثلة بالاخوان المسلمين والأصولية الشيعية المتمثلة بأذرع ايران في غير دولة عربية مجاورة لكل من اسرائيل وتركيا معاً.
والواقع أن ما جرى في طرطوس وحمص والساحل السوري، لم يكن مجرد التعرض لحملة تفتيش تقوم بها الادارة الجديدة ضد بعض ضباط النظام السوري المخلوع، بقدر ما كانت فرصة لحشر العرّاب التركي بين نارين: الأولى نار العلويين و”حزب الله”، ونار الأكراد المزمنة وتحويل وجودهم في سوريا الى حقل ألغام وكابوس متواصل على غرار ما فعلته بالتعاون مع الرئيس السابق بشار الأسد ضد القوات الأميركية في العراق.
والواقع أيضاً أن تصريحات المسؤولين الايرانيين في ما يتعلق بسقوط الأسد أو بما ينتظر سوريا من تداعيات، لا تشبه أبداً ما أعقب سقوط غزة وجنوب لبنان، الأمر الذي يعني أن ايران تخوض هذه المرة معركة وجود لا معركة نفوذ، وأنها لن تتوانى عن أي شيء يمكن أن يعيدها الى سوريا أو على الأقل الى القسم العلوي منها.
وتتخوف مصادر أمنية من أن تعمد ايران الى تحريك العلويين في جبل محسن وجرهم الى مواجهة مسلحة مع سنة الشمال الميالين تاريخياً الى تركيا، وتحريك “حزب الله” لاثارة قلاقل هنا وهناك في محاولة لارباك أنقرة من جهة، وارباك الجيش اللبناني وتأخير انتشاره في الجنوب من جهة ثانية، وذلك وفق خطة تهدف الى أمرين: الأول قطع الطريق أمام أي توسع تركي سلس نحو الشمال اللبناني، والثاني استغلال الاستفزازات الاسرائيلية في الجنوب لتبرير الحاجة الى سلاح المقاومة الاسلامية في مكان والتشكيك في فاعلية القوى الشرعية اللبنانية في مكان آخر.
وهنا لا بد من سؤال بديهي، هل يمكن لايران أن تفعل كل ذلك من دون أي رد من خصومها؟ الجواب لا يحتاج الى الكثير من التمحيص، ويكمن في وسائل عدة بينها امكان تعزيز قدرات الجيش اليمني ودفعه نحو حرب استنزاف ضد الحوثيين مدعوماً بدعم جوي من التحالف الدولي – العربي، وتحريك المياه الراكدة بين الحرس الثوري والأكراد الايرانيين وقوات “مجاهدي خلق”، اضافة الى الصراع المزمن مع باكستان في منطقة بلوشستان، والصراع الآخر مع أذربيجان المجاورة التي ملأت ترساناتها بالسلاح الاسرائيلي المتطور، اضافة الى تحريك الشارع الايراني الذي بدأ يتلمس وجود فرصة ثمينة للانقضاض على النظام الايراني الجريح والمرتبك.
لكن أكثر ما يمكن أن يوجع ايران يتمثل في إمكان ضرب منشآتها النفطية والنووية سواء عبر إسرائيل أو عبر الولايات المتحدة التي تلقت ادارتها المقبلة تقريراً من الرئيس جو بايدن يحذرها من الخطر النووي الآتي من طهران.
وهنا لا بد من سؤال آخر، وماذا عن العرب واسرائيل حيال ما يجري في سوريا؟
يتفق الكثير من المراقبين الاقليميين على أن التمدد التركي في سوريا عبر “الاخوان المسلمين” ليس خبراً طيباً لدى الكثير من الدول العربية، ولا أمراً عادياً بالنسبة الى اسرائيل، الأمر الذي دفع العرب، وتحديداً السعودية والامارات والأردن الى ربط أي مساعدات للنظام الجديد في دمشق بمدى ارتباطه بالهوية العربية وقضاياها المركزية، ودفع اسرائيل الى تدمير الترسانة العسكرية للجيش السوري، وبناء منطقة عازلة في الجولان تبعد بضعة كيلومترات من دمشق في محاولة تهدف الى أمرين: الأول قطع طرق الامداد من طهران نحو “حزب الله” في لبنان، والثاني إفهام الرئيس التركي رجب طيب اردوغان بأنه ليس اللاعب الوحيد في المحيط الاسرائيلي، وأن وجوده في سوريا يجب أن يكون موقتاً من جهة وأن يدفع النظام الجديد نحو تطبيع مع الدولة العبرية من جهة ثانية.
وسط هذه الفسيفاء، يحاول محور الممانعة الخروج من مجلس النواب في التاسع من الشهر المقبل برئيس عادي لا يجرؤ على ملامسة الخطوط الحمر التي وضعتها ايران وفي مقدمها سلاح “حزب الله”، ويحاول المحور الأميركي- العربي الخروج برئيس الحد الأدنى من الحس السيادي الذي يجرؤ على استكمال مشروع بناء الدولة من دون قيود أو محاصصات أو مسايرات.
انه الرئيس الذي يمكن أن يصمد ويبقى حياً كما فعل الياس سركيس، أو الرئيس الذي يمكن أن يحكم ويسقط شهيداً كما أصاب بشير الجميل ورينيه معوض.
وفي اختصار، يخطئ من يظن أن لبنان بات في وضع أفضل مع سقوط الأسد على أهميته، ما دام وفيق صفا يتحرك بفاعلية في الموضوع الأمني، وما دامت اسرائيل “تستطيب” الاقامة في الجنوب والعربدة في أجوائه. ويخطئ أكثر أي مرشح رئاسي يظن أنه قادر على الحكم ما دامت المعارضة في حالة تجاذب وانقسام، وما دام العرب ينتظرون دونالد ترامب مكتفين بالمراقبة من بعيد، وما دامت ايران قادرة على التنفس ولو من تحت الأنقاض.
أنطوني جعجع- لبنان الكبير
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|