إحصاء كلّ أضرار الحرب في لبنان لم ينتهِ... لا قدرة لتنظيم مؤتمر دوليّ سريعاً
ما الذي يجمع فولوديمير زيلينسكي وأحمد الشرع؟
ماذا يجمع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وقائد "هيئة تحرير الشام" أحمد الشرع؟ سؤال غريب بين الواقع الجديد في سوريا والحرب المستمرّة في أوكرانيا.
8 كانون الأول (ديسمبر) 2024، كان يوم أحمد الشرع، المعروف أيضاً بـ"أبو محمد الجولاني"، إذ تمكّنت فصائل سورية معارضة بقيادة هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً)، في هجوم استمرّ 11 يوماً، من دخول دمشق وإنهاء حكم عائلة الأسد الذي استمرّ أكثر من نصف قرن.
أمّا حرب أوكرانيا فتدخل عامها الثالث في 24 شباط (فبراير) 2025 وسط ضبابية المشهد مع عودة "شخصية العام" الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب والتقدّم الميداني الروسي وشروط موسكو لإنهاء الحرب.
على الاختلافات الجغرافية والسياسية والثقافية بين البلدين والمجريات الحربية، شكّل الرجلان حالة يمكن وصفها بالاستثنائية، كلُّ من موقعه: رئيس دولة وقائد تنظيم مسلّح.
فرَض منصب القائد على كل منهما قدَر إدارة مراحلة حسّاسة في بلديهما بظروف مختلفة وتوقيت على ساعة التحوّلات السياسية في العالم.
بين الشكل والدور...
بعيداً عن الأحداث وتطوّراتها، يجمع الشرع وزيلينسكي شبهاً في بعض ملامح الوجه بالإضافة إلى اللحية، مع فرق واضح في الطول بحسب الصور المنتشرة لهما.
بالمسار المهني، إذا صحّ التعبير، شهد كلاهما تحوّلاً في أدوارهما فزيلينسكي بدأ مسيرته كممثّل وكوميدي قبل أن يصبح رئيساً لأوكرانيا عام 2019، أمّا الشرع فانتقل من زعيم جهادي إلى قائد سياسي معارض، فتخلّى عن لقبه العسكري وبدأ باستخدام اسمه الحقيقي أمام الشعب السوري والرأي العام العالمي.
هنا المشهد انعكس والبدلة الزيتية جمعتهما. بدّل زيلينسكي مظهره الخارجي منذ بدء الحرب الروسية على بلاده فخلع عنه البدلات وقمصانها ليرتدي بدلة عسكرية زيتية اللون ويزور فيها عواصم العالم كتعبير عن قيادته للحرب وعدم بُعده عن المسار العسكري وجيشه.
أمّا الشرع فخلع أولاً العباءة والعمامة ليطل بالبدلة الزيتية ويظهر فيها خاصّة في الأيام الأولى من الإطاحة بالرئيس بشار الأسد، لينتقل بعدها إلى البدلات فبدا كرجل دولة يستقبل الوفود ويودّعها بربطة عنق. العامل المشترك الوحيد المتبقّي: منصب الرئيس ولما لا؟!
قيادة الأزمة
تولّى كل من الرجلين قيادة بلاده أو تنظيمه خلال فترات صعبة. قاد الشرع هيئة التحرير في مواجهة نظام الأسد إلى جانب فصائل مسلّحة خلال الحرب السورية طيلة 13 عاماً مع تشتّت سيطرة الدولة المركزية، وأظهر التنظيم في إدلب نموذجاً عن حكمه الذاتي بقيادة "حكومة الإنقاذ".
بينما قاد زيلينسكي أوكرانيا في مواجهة الزحف الروسي منذ 2022 بالسلاح والمال من الدول الغربية الداعمة له على رأسها الولايات المتّحدة الأميركية، مع صعوبات قبل الحرب وأزمات أثقلت هموم الدولة بعد المعركة أكثر فأكثر.
الصورة الإعلامية
مرتدياً البدلات، عمل الشرع على تجديد صورته من خلال الظهور الإعلامي والتواصل مع الشعب عن قرب، فزار الأسواق الشعبية وتجوّل في الشوارع سيراً أو بالسيارة وأدّى الصلاة مع مؤيّديه. بخطابه، اعتمد على الكلام المنطقي المؤثّر والموجّه إلى الشارع السوري المحلّي بصورة خاصّة ودول العام بصوة عامّة. والأهم كان نقل الخطاب من الشق الديني إلى الشق الثوري والمؤسساتي فالحديث الأبرز في هذه الأيّام عن بناء دولة مركزية بسلاح واحد فقط ورفض التدخّلات الأجنبية.
بالنسبة لزيلينسكي، استخدم رئيس أوكرانيا شعبيّته كممثّل مشهور لتعزيز حملته الانتخابية وصولاً إلى سدّة الرئاسة. وفي الحرب الحالية الدائرة، استخدم الإعلام بشكل هادف لعرض موقع أوكرانيا كضحية بسبب الهجوم الروسي وتداعياته، لعلّ أبرزها ترحيل أطفال أوكرانيين إلى روسيا وفصلهم عن عائلاتهم إذ كانت هذه القضيّة من مبررّات إصدار مذكرة اعتقال بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من قبل المحكمة الجنائية الدولية في 17 أيار (مايو) 2023.
وزار زيلينسكي أيضاً جنوده ومناطق عدّة على خط المواجهة الأمامية كتأكيد على وجوده إلى جانب جيشه وشعبه. كلّها عوامل ساهمت في كسبه تعاطفاً من دول العالم ودعماً كبيراً، أظهرت صورته كقائد حقيقي وشرعي.
مواجهة روسيا وإيران!
قاد زيلينسكي أوكرانيا في مواجهة الجيش الروسي، مركّزاً على توحيد شعبه وتعزيز الدعم الدولي، محاولاً بالوسائل المتاحة كافّة الحفاظ على وحدة الأراضي الأوكرانية واستمراريّة مؤسّسات الدولة.
ولا تبتعد اليد الإيرانية عن الأحداث الجارية في أوكرانيا حيث تستخدم موسكو مسيّرات "شاهد" لضرب أهداف ومواقع أوكرانية، فتشكّل داعماً لبوتين وحربه على كييف.
من جانبه، واجه الشرع القوّات الروسية التي كانت من أبرز داعمي نظام الأسد إلى جانب الدولة الإيرانية بقادة حرسها الثوري ووكلائها، وقد شكّل سقوط الأسد ضربة استراتيجية للدولتَين الحليفتَين.
والسؤال هنا، هل سيكون الشرع شريكاً محتملاً للغرب في مواجهة النفوذ الروسي في المنطقة كما يسعى زبلينسكي ليكون المدافع عن القارّة الأوروبية وعضواً مستفزّاً لروسيا في حلف الناتو؟
دعم خارجي
تقسّمت الأرض السورية بين لاعبين عدّة من الإيرانيين والأميركيين والأتراك والروس والأكراد وفصائل وتنظيمات من بينها هيئة التحرير، ولا شكّ أن الشرع تمكّن من استغلال الظروف الميدانية لتحقيق نفوذ محلّي، في محاولة لتقديم الهيئة كلاعب أساسي يمكن التعامل معه، وما هي مشاهد وصول الوفود العربية والأجنبية إلى قصر الشعب بعد الإطاحة بالأسد إلّا نتيجة أرادها قائد هيئة التحرير في واقع سياسي جديد، على العالم التعامل معه.
حالياً وفي الظاهر، يكسب الشرع دعماً تركياً قويّاً. وقد كشفت معلومات عن "مساعدة" تركية لهيئة التحرير في عمليّتها "ردع العدوان" التي أدّت إلى إزاحة الأسد عن السلطة. في المقابل، فإنّ أغلبية مواقف الدول العربية والغربية تدعو حتّى الآن إلى قيام سلطة مستقلّة ونظيفة وجامعة لكل مكوّنات المجتمع السوري، وتدعم سيادة سوريا.
من جهّته، حشد زيلينسكي دعماً عالمياً من دول "الناتو" والولايات المتّحدة وأغلبية الدول الأوروبية والمنظّمات الدولية، مستخدماً العلاقات الدولية والدبلوماسية للحصول على التمويل والمساعدات العسكرية. إلا أن القلق الذي يعيشه زيلينسكي حالياً لا يُحسد عليه، وذلك على بُعد أيّام من عودة ترامب إلى البيت الأبيض، ما يهدّد مستقبل الدعم الأميركي لأوكرانيا.
والسؤال المطروح هنا أيضاَ، ما تداعيات عودة ترامب على المتغيّرات السورية؟
بين الشرعية والميليشيا
في شكل المعركة، يقود زيلينسكي دولة ذات سيادة بوضع دولي معقّد وساخن، ويعمل على استمرار الدعم الدولي لمصلحة بلاده فيشكّل نموذجاً للقيادة المؤسساتية في بلد يواجه تحدّيات عدّة.
أمّا الشرع فهو حتّى الآن قائد تنظيم مسلّح خارج الدولة ينطبق عليه توصيف "ميليشيا"، يواجه تحدّيات تتعلّق بمشروعية تنظيمه المصنّف منظّمة إرهابية. وفي حالته، يجسّد قائد هيئة التحرير نموذج القيادة خارج الدولة الشرعية، تظهر حركة مسلّحة تحاول البقاء والاندماج في عالم السياسية بعد عالم السلاح.
تجسّد فعل القيادة بين رجلين، بين رئيس دولة وقائد عسكري، كل على طريقته وظروفه، في مشهدين سيُحفران في تاريخ العالم بغض النظر عن النتائج والتداعيات. سمحت ظروف في توقيت سياسي للشرع أن يُنهي معركته في حين زيلينسكي لا يزال يُدافع عن أرضه مع جيشه.
فهل تساعد ظروف "القائد العسكري" في يوم على التوقيت العالمي "رئيس الدولة"، فيغيّر وجه أوروبا بعد الانقلاب التاريخي في الشرق الأوسط؟
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|